جبال بلا ماء ولا طريق.. احتجاجات تُعرّي سياسات التنمية القروية في المغرب
15 سبتمبر 2025
توالت في السنوات الأخيرة احتجاجات سكان القرى الجبلية في المغرب، إذ خرج بداية الأسبوع ساكنة قرية "دوار أيت عبي" بجماعة تيلوكيت بإقليم أزيلال (غرب)، في مسيرة احتجاجية نحو مقر عمالة (محافظة) إقليم أزيلال، مطالبين أساسًا بتوفير الماء الصالح للشرب وشق طرق معبدة لفك العزلة.
وهو المشهد الذي تكرر هذه السنة للمرة السادسة على الأقل إلى حد الآن، ما أثار جدلًا واسعًا بلغ صداه قبة البرلمان، بعد "مسيرة الكرامة" بقرية أيت بوكماز الجبلية، حيث اتهم رئيس الحكومة، عزيز أخنوش ( الذي شغل منصب وزير التنمية القروية في الحكومات السابقة) متزعميها بـ"تجييش الناس" لاستغلالها سياسيًا.
لكن هذه الاحتجاجات تكشف في العمق، عن فجوة عميقة بين الخطاب الرسمي حول "العدالة المجالية" والواقع اليومي الذي يرزح تحته سكان الهامش، وتضع علامات استفهام حول فعالية "صندوق تنمية العالم القروي" الحكومي الذي صرفت فيه ملايير الدراهم دون أثر يذكر.
الماء أولًا وأخيرًا
يؤكد منسق الائتلاف المدني من أجل الجبل، محمد الديش، أن "التحوّلات المناخية وحالات الجفاف الممتدة، جعلت العطش يطرق أبواب مناطق لم تكن تعاني سابقا من نقص المياه. واليوم هي في حاجة ماسة إلى الماء، سواء الماء الشروب بالدرجة الأولى أو الماء للماشية".
هذه الاحتجاجات تكشف في العمق، عن فجوة عميقة بين الخطاب الرسمي حول "العدالة المجالية" والواقع اليومي الذي يرزح تحته سكان الهامش
وأشار الديش في حديثه لـ"الترا صوت" إلى أنّ "السكان لم يعودوا يطالبون بالزراعات المعاشية كما في السابق، بل اختُزلت أولوياتهم في توفير الماء للشرب وللماشية، إضافةً إلى شقّ الطرق لفك العزلة".
واعتبر المتحدث ذاته أنّ "شعار العدالة المجالية ظل ملازمًا للخطاب الحكومي من دون أن يجد طريقه إلى الترجمة الفعلية، إذ بقيت الاستثمارات العمومية متركزة في الشريط الساحلي، بينما حُرمت المناطق الجبلية من نصيبها العادل ولم تستفد من ثمار التنمية".
ولفت منسق الائتلاف، الذي ينادي من أجل سن قانون خاص للمناطق الجبلية، إلى أن "صندوق العالم القروي يظل آلية مهمة لكن بوقع محدود، لأن تدخلاته متفرقة بين قطاعات حكومية بلا تنسيق، ولأن الدراسات التي تؤطر المشاريع لا تراعي خصوصيات الجبال وحاجاتها الحيوية".
ضمان الحق في الماء
من جانبه، يعتقد رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، أن "حرمان ساكنة القرى الجبلية من الماء الصالح للشرب ومن البنيات والخدمات الأساسية، ليس مجرد تقصير إداري بل إخلال بالفصل 31 من دستور المملكة الذي يُلزم الدولة بضمان الحق في الماء والبيئة السليمة والخدمات الأساسية".
ويشدد الخضري في تصريحه لـ"الترا صوت"، أن "تكرار هذا الحرمان في مناطق محددة، يُفرغ مبدأ المساواة من مضمونه، ويحوّل الوضع إلى تمييز ترابي صارخ"، مذكّرًا أيضًا "بالتزامات المغرب الدولية في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحق في الماء".
يقول الفاعل الحقوقي: "للأسف، يظهر التعارض جليًا حين تترجم هذه الالتزامات إلى سياسات وبرامج دون أن تحقق الحد الأدنى في المناطق الجبلية، بسبب اختلالات في الحوكمة، وضعف الاستهداف الترابي، والقصور في الصيانة والربط والاستدامة التمويلية، ويزداد الوضع تفاقمًا في ظل ما يخلفه الجفاف وتغير المناخ من آثار".
وأبرز المصدر ذاته، أن "هذه العوامل لا تعفي الدولة من واجباتها أساسية، كالحد الأدنى الضروري والفوري لتزويد الأسر بالماء الآمن، وعدم التمييز بين المجالات الترابية، والشفافية والمشاركة المحلية في التخطيط، ووجود خطة معقولة زمنا وموارد وآليات تتبع".
الحكومة تفتخر بالمنجزات
في هذا السياق، تعهّدت الحكومة المغربية برصد 43.61 مليار درهم لتنمية العالم القروي، في خطوة يُفترض أن تشكّل رافدًا مهمًا لتعزيز البنى التحتية الأساسية في المناطق الجبلية والقروية.
وتفتخر الحكومة بما حققه "برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية"، إذ تعتبر أنه "تمكن من بلوغ معظم أهدافه على مستوى الاستهداف الترابي، فضلًا عن تكريس الآثار المتوقعة في جميع المشاريع المنجزة".
كما أشادت الحكومة "بجودة التتبع وفعالية الاستثمارات المبرمجة التي حظيت بها مختلف مراحل البرنامج"، مذكرة بأن "اللجان الجهوية لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية، واكبت دراسة لوضعية الجماعات الترابية، من خلال وضع خرائط توثق تموضع الفوارق المجالية بالنسبة للقطاعات المعنية، بُغية توجيه وربط الاستثمارات بسد حاجيات وأولويات المناطق المستهدفة".