جان كلود دافيد.. تساؤلات حول نشأة حلب وتطورها في ترجمة جديدة
15 يونيو 2025
أصدر مشروع "كلمة" للترجمة، حديثًا، كتاب "حلب: تراث وحضارة" للمفكر والباحث الفرنسي جان كلود دافيد، الذي نقلته إلى العربية الدكتورة هلا أحمد أصلان، وراجع ترجمته د. كاظم جهاد.
ويتناول الكتاب مدينة حلب؛ بوصفها واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم؛ إذ يقدم المؤلف قراءة معمقة في نشأتها وتطورها ضمن نسيجها الجغرافي والحضاري، متسائلًا عن سر استمراريتها عبر العصور مدينة نابضة بالحياة؛ أهو تعدد الحيوات التي مرت بها منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد؟ أم أنها هوية حضارية متماسكة استطاعت تجاوز التقلبات السياسية والثقافية التي عرفتها المنطقة؟
ما إذا كانت المدينة لا تزال تحتفظ بشواهد حيَّة من تاريخها البيزنطي والروماني والهلنستي والآرامي والحثي والأكادي، أو أن ما تبقى مجرد جدران وقطع أثرية صامتة، لا تنطق إلا بما تبقى من تاريخها.
ويطرح "دافيد" تساؤلات حول ما إذا كانت المدينة لا تزال تحتفظ بشواهد حيَّة من تاريخها البيزنطي والروماني والهلنستي والآرامي والحثي والأكادي، أو أن ما تبقى مجرد جدران وقطع أثرية صامتة، لا تنطق إلا بما تبقى من تاريخها.
ويتناول الكتاب جدلية الذاكرة والهوية في السياق الحَلبي، ويقترح قراءة متعددة الأبعاد للمدينة، فهي في آنٍ واحد مدينة إسلامية ومسيحية ويهودية، عربية وآرامية وأرمنية وسريانية، كما أنها مدينة متوسّطية وسامية وشرقية وغربية.
ليظهر كيف تتجلى هذه المدينة بتراثها الغني ومهاراتها الحرفية التي تكونت بعيدًّا عن أنماط العولمة السائدة
ويبرز الكتاب خصوصية المجتمع الحَلبي، بما فيها من مشاهد الانتقاء والتفضيل والرفض لموروثات الماضي، ليظهر كيف تتجلى هذه المدينة بتراثها الغني ومهاراتها الحرفية التي تكونت بعيدًّا عن أنماط العولمة السائدة، بل أحيانًا في مواجهتها، سواء بتعايش الثقافات أو بصراعاتها.
ويظهر المؤلف وعيًّا نقديًّا بخلفيته الاستشراقية، ويسعى من خلال قراءةٍ موضوعيةٍ، إلى تجاوز هذه النظرة النمطية وإنصاف مدينة حلب وتراثها، بعيدًّا عن الأحكام الجاهزة.
جدير بالذِكر أن المؤلف جان كلود دافيد من أبرز المتخصصين في الجغرافيا العمرانية والتراث الثقافي للمدن التاريخية، وقد بدأ شغفه بمدينة حلب من أطروحة الدكتوراه التي تناول فيها "المناظر الطبيعية الحضرية في حلب"، ليعمل لاحقًا متدربًا وخبيراً في بلديتها، ويشارك في إعداد مخططها العمراني وحماية مدينتها القديمة، شغل دافيد مناصب بحثية في المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق، وكرّس مسيرته لدراسة عمارة المدن السورية ومدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ألّف عددًا من الكتب والدراسات المتخصصة عن التراث السوري والشرق أوسطي، من أبرزها "الشعلان" (2019)، و"حلب بوابة المشرق" (2003)، و"وقف إبشير باشا في حلب (1982).
أما مترجمة الكتاب، الدكتورة هلا أحمد أصلان، فباحثة معمارية سورية متخصصة في تاريخ الفن وتأهيل التراث الثقافي، حاصلة على دكتوراه من المدرسة التطبيقية للدراسات العُليا في باريس، واستشارية في مشاريع إعادة تأهيل الأسواق التاريخية في سورية بعد الحرب، وشاركت في أكثر من ستين بحثًا علميًّا، ونالت جوائز عالمية مرموقة، من بينها جائزة "تميّز" الدولية للمرأة في العمارة العام 2024، وجائزة خير الدين الأسدي الدولية العام 2022 عن تراث حلب، ومن أبرز أعمالها المترجمة "إعادة إعمار المدن الأوروبية بعد الأزمات"، و"مدينة حلب القديمة من النشوء حتى العصور الوسطى".