30-أغسطس-2017

المخرج جان شمعون مع المصور سمير نمر 1977 (WAFA)

في خضم ما نعيشه من تسارع لوتيرة الأحداث المتلاحقة في العالم العربي، رحل عنّا في صمتٍ تام رائد السينما الوثائقية المخرج جان شمعون عن عمر يناهز 74 عامًا، بعد أن تغلّب عليه المرض بعد صراعه معه في السنوات الأخيرة، حيث كان الرجل يصارعه بمحافظته على حضور معظم الأنشطة السينمائية التي كانت تقام في لبنان حتى وفاته، بينما أُجبر على الانسحاب قليلًا إلى بيته في الحمرا بعد أن اكتشف إصابته بمرض آلزهايمر.

ولد جان شمعون بلبنان، وقد درس في أوائل السبعينيات السينما في باريس، وهناك شارك في الثورة الطلابية التي اندلعت عام 1968

وهو ما اعتبره سينامئيو لبنان من مفارقات القدر المؤلمة، أن يكون ذاك المخرج الذي كرّس جلّ حياته لتوثيق ما يحدث في بلده من النسيان حتى يبقى في الذاكرة، يسبق رحيله إصابته بالنسيان، نحاول في هذا التقرير "توثيق" حياة جان شمعون ونقل تجربته التي تحتاج إلى نسخ إلى العديد من البلدان العربية الآن سواء في سوريا أو العراق أو غيرهم ممن يحتاجون إلى من يوثّق ما يغفل عنه العالم من قتل ودمار.

ولد جان شمعون في قرية سرعين البقاعية بلبنان في عام 1944، سافر بعد ذلك تحديدًا في أوائل السبعينات إلى باريس لدراسة السينما في الجامعة هناك، وشارك في الثورة الطلابية التي اندلعت في باريس عام 1968، حصل على إجازة السينما من جامعة باريس الثامنة أو فانسين آنذاك، ثم حصل على شهادة الفنون الدرامية من لبنان.

اقرأ/ي أيضًا: 10 أفلام تذكرك بالتاريخ الذهبي للزعيم عادل إمام

وقام جان شمعون بتدريس السينما في معهد الفنون الجميلة في لبنان من 1976 إلى 1983، بجانب عمله في التلفزيون والإذاعة والمسرح، لكن يمكن أن نعتبر أن الواقع الذي لاقاه جان شمعون بعدما أنهى دراسة السينما في العاصمة الفرنسية ووصل إلى بيروت عندما كانت مقبلة على حرب أهلية هو ما فرض عليه تصورات أخرى ومحاولات توثيق مختلفة.

وبدلًا من أن يذهب جان شمعون لتوثيق اجتماعيات لبنان والحديث عن شوارعها، وجد أنه يجب أن يوثّق مآساة البلد ودمارها، إلى جانب إيمانه بأن السينمائي العربي يجب عليه أن يختار مواضيع تلمسه ومشاكله بقوة.

بينما كانت بداية جان شمعون -قبل السينمائية- من خلال حلقات "بعدنا طيبين قول الله"، وهي اسكتشات متميزة جمعته مع زياد الرحباني وساعدت على ذيوع صيته على موجات الإذاعة اللبنانية، كما أنه قدّم مع رحباني على الراديو أيضًا "يا عسكر سوريا" الشهيرة، كما كان يعشق حياة العزوبية، وظل كذلك حتى التقى بزوجته ورفيقة دربه.

حيث إنه حين تعرّف جان شمعون على الفتاة الفلسطينية مي المصري، التي ولدت في عمّان من أمٍ أمريكية، فكّر في تغيير قراره، كانت هي قد عادت من أمريكا بعد 4 سنوات أنهت خلالها دراستها السينمائية في كاليفورنيا وعادت إلى لبنان، تعارفا سريعًا وتزوجا مدنيًا، وأنجبا بعد ذلك طفلين، إلى جانب مشوار سينمائي كبير تشاركاه.

وأنشأ جان شمعون مع زوجته مي المصري "ميديا للتلفزيون والسينما" و"نور للإنتاج"، وذلك بعد عودته إلى لبنان في عام 1974، واستمر في إنتاج أفلامه الوثائقية التي ظل يتحدث عنها حتى قبيل وفاته.

ألترا صوت يرشح لكم قائمة بأفلام مميزة للمخرج جان شمعون:

1. فيلم تل الزعتر

كانت بداية مشوار جان شمعون كمخرج في ذلك الفيلم، وكان بمشاركة زميليه الفسطيني مصطفى أبو علي وبينو أدريانو، لذلك يعتبر ذلك الفيلم أوّل إنتاج فلسطيني إيطالي، وثّقوا من خلاله على مدار 75 دقيقة كاملة تلك المجزرة التي ارتكبت ضد الفلسطينيين واللبنانيين في المخيم القريب من بيروت بالتحديد يوم 12 آب/أغسطس 1976 على أيدي ما يسمّى "بائتلاف الانعزاليين اللبنانيين" الذي كان يضم حزبي الكتائب والأحرار ومقاتلي الأرز.

يبدأ فيلم أحلام معلقة بصوت السيدة فيروز التي تحاول أن تمتص نسبيًا مناظر الدمار والخراب الذي تظهره الكاميرا بعد القصف الإسرائيلي

ويحاول جان شمعون تقديم أسباب تخص التركيز على مخيم تل الزعتر بالتحديد، الذي أنشئ عام 1950 بمجموعة كبيرة من السكان يصل عددهم 45 ألف نسمة، تواجدوا في تلك المنطقة التي أصبحت ساحة حرب لا يوجد فيه طعام أو حتّى علاج للمصابين فيه، وقد أسهب في الحديث عن دور الكيان الصهيوني في تأجيج ذلك الصراع.


2. فيلم أحلام معلقة

يبدأ فيلم "أحلام معلقة" بصوت السيدة فيروز التي تحاول أن تمتص نسبيًا مناظر الدمار والخراب الذي تظهره الكاميرا بعد القصف الإسرائيلي، يقطعه ظهور شخصان ينادي أحدهما على الآخر الذي يقف في المبنى المواجه له ويسأله "تتذكر أيام زمان؟".

يُوثّق جان شمعون وزوجته بالكاميرا التي لم يتركها طوال رحلته؛ حياة أربع شخصيات همّشتها الحرب لكنّهم لم يستسلموا للهزيمة، نساء يشتكين من خطف أزواجهن وأولادهن الذين يصل عددهم إلى حوالي 17 ألف مخطوف ومفقود خلال الحرب، ومن الحرب في لبنان والعمليات التفجيرية الفردية التي كانت تحدث خلال الحرب الأهلية في لبنان على مدار 15 عام.

اقرأ/ي أيضًا: أكثر من 10 أفلام استوحى منها Game of Thrones

لكن الجميع يريد استرجاع حياته؛ فمنهم من يبدأ عمله مرة أخرى كنقّاش في الصيف ومزارع في الشتاء ومنهم من يحاول بناء مسرحه مرة أخرى، والزوجة التي لا تتوقف في البحث عن زوجها المخطوف، فعلى حد قول المخرج أن "ناس مليانة حكايات، ناس مليانة ذكرى، وناس مليانة خوف وناس مليانة قهرة"، لكن الجميع يحاول بناء ما دمرته الحروب وإصلاحه بالتوازي مع إصلاح الأفراد وتصالحهم مع الأمر.

اشتركت قناة BBC البريطانية في إنتاج هذا الفيلم، وعُرض خلال تظاهرات للاحتفال بقمة الأرض في ريو دي جانيرو بالبرازيل، مما جعل عدد مشاهديه يصل إلى حوالي 500 مليون مشاهد حسب إحصاء BBC، وقد حصد عدة جوائز من بينها الجائزة الأولى في مهرجان الفيلم التسجيلي العربي في باريس و الجائزة الذهبية لمهرجان دمشق السينمائي الثامن سنة 1993.


3. فيلم بيروت جيل الحرب

مثلما بدأ فيلم أحلام معلّقة يبدأ "بيروت جيل الحرب"، في المتابعة والتأكيد على إعادة بناء الدمار المستشري في لبنان، والحديث الذي لا ينتهي عن الحرب الأهلية في لبنان وقصص الدمار التي خلّفتها، من خلال قصص متفرقة لثلاثة أجيال مختلفة عايشوا الحرب وآثارها، ومعرفة تأثير ذلك على حياتهم فيما بعد، حتى تعتقد وأنت تشاهد الفيلم أن الأجيال الثلاثة التي يقوم الفيلم عليهم قد سرقت منهم حياتهم دون أن يدروا، حياة لا تعرف استمتاعًا ولا رفاهية أو وقتًا مستقطعًا للراحة والهدوء من صخب الرصاص والقتل.


4. فيلم طيف المدينة

مع بداية الألفية الجديدة، قدّم جان شمعون أول أفلامه الروائية بعد العديد من الأفلام الوثائقية التي قدّمها، فبعد تل الزعتر 1976، وأنشودة الأحرار 1978 وتحت الأنقاض 1982، وزهرة القندول 1985، وبيروت جيل الحرب 1989، وأحلام معلقة 1992، ورهينة الانتظار الذي صدر عام 1994، يصدر فيلمه الروائي أخيرًا.

صنع جان شمعون فيلم "يوميات بيروت" وذلك أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت، ثم قدم "أنشودة الأحرار" وحديثه فيه عن الرهائن اللبنانيين

يحكي الفيلم قصة (مجدي مشموشي) الذي يلعب دور البطل رامي، الذي يقرر أن يهاجر من قريته الجنوبية إلى بيروت هاربًا من القصف الإسرائيلي الذي دمر المدينة، ما يجعله ضائعًا إثر الفوضى التي تعم المدينة مدينة، وعند اندلاع الحرب اللبنانية يضطر رامي إلى حمل السلاح بعدما اختطف والده.

وفي طريقه يلتقي بسهام التي بدورها تعتبر زوجة رجل مخطوف آخر، لكن رامي البطل الذي يمثل شباب لبنان يسير مستندًا إلى عصاته، يحاول التحايل على حلمه بأن يصبح رسامًا لتعليم الصغار ذلك الفن، في إشارة واضحة إلى محاولة العيش مرة أخرى بعد العجز والدمار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في ذكرى مولده.. 6 من أفضل أفلام روبرت دي نيرو على الإطلاق!

فيلم American Beauty: المنظور هو كل شيء