10-أغسطس-2015

تعد الاعتصامات الطلابية من الكبائر في عرف النظام السوري (Getty)

ذات يوم، اعتصم طلاب السنة الرابعة في كلية الهندسة المعمارية في جامعة اللاذقية/ تشرين. حدث ذلك بتاريخ 5 حزيران/يونيو 2015 داخل بناء الكلية بسبب ممارسات النظام التعليمي البيروقراطي بحقهم ظاهريًا، وبسبب طبيعة النظام التعسفية باطنًا. فما هي القضية التي أدت إلى اعتصام الطلاب رغم تحريم ومنع الاعتصامات في الجامعات السورية من قبل السلطات الأمنية والجامعية؟ لقد كان الاعتصام حدثًا لافتًا في المناطق الخاضعة لسلطة النظام.

النظام التعليمي البائد

صار الشعب السوري يملك وثائق واضحة لتلاعب العالم بدمه

أصبحت دفعة كاملة من طلاب السنة الرابعة في كلية الهندسة المعمارية في جامعة اللاذقية مهددة بالرسوب في سنتهم الدراسية بسبب ممارسات بعض الأساتذة بحقهم. يقوم دكاترة إحدى مواد السنة الرابعة، وهما هيثم بصيص وديمة قرفول، بوضع علامات عشوائية للطلاب بشكل مزاجي، من دون وجود سلم للتصحيح، كما هو مفترض، وتعتبر مواد "الدكتورين" من المواد الرئيسية المرسبة، فمجرد الرسوب فيها يعني الرسوب في السنة رغم عدم حمل أي مادة أخرى.

حاول الطلاب بكل الطرق تفادي التصعيد. ولكن الممارسة السيئة التي لاقاها ممثلو الطلاب من قبل الأساتذة وعميد الكلية ورئيس الجامعة، دفعتهم إلى التصعيد والاعتصام "رغم أن القوانين التي وضعها النظام تحرم الاعتصام ويعاقب من يقوم بذلك بالفصل النهائي".

لقد قرر طلاب السنة الرابعة الاعتصام بالاجماع ضد هذه الممارسات في الخامس من حزيران/يونيو. وطبعًا، قوبل اعتصامهم بلامبالاة وتجاهل من قبل الدكاترة. عندها، قرر الطلاب الاعتصام للمرة الثانية، بعد أسبوع، في خطوةٍ لافتة، لتصعيد النضال الطلابي رفضًا لقرار الأساتذة بترسيب الطلاب تعسفيًا وبشكل مزاجي.

لجنة تحقيق!

بعد الاعتصامين ورفع الشكاوي والمذكرات، وعدهم مجلس الجامعة بدراسة وضعهم والبحث في تفاصيله، وذلك بعد فك الاعتصام في الكلية. وبعد فك الاعتصام، فعلًا، ولا عجب في ذلك، قام مجلس الجامعة بتهديد جميع المشاركين بالاعتصام بترسيبهم. هكذا ببساطة. حتى وإن نجحوا في المادة المذكورة، اتخذ القرار بمعاقبتهم، لأنهم حسب رأي مجلس الجامعة "تطاولوا" على أساتذة محترمين. وهذه الثقافة ليست غريبة على السائد في البلاد عمومًا.

حلقة التآمر على الطلاب السوريين تمتد داخل أجهزة النظام التعليمية والأمنية المختلفة

صعّد الطلاب. لم يستسلموا. لجأوا إلى بعض وسائل الاعلام، وطالبوا بلجنة تحقيق في قضايا فساد يتورط فيها الأساتذة ومجلس الجامعة. الشكوى إذًا ضد أشخاص يحظون بحماية أمنية من قبل بعض الفروع، أي "مدعومين" من النظام بوضوح، ولا يجوز الاقتراب منهم في توزيع واضح للأدوار بين الدكتاتور الصغير والدكتاتور الكبير في البلاد. يملك الطلاب وثائق تثبت تلاعب الأساتذة بعلامات النجاح ونسب الرسوب في صفقات فساد واضحة، كما صار الشعب السوري يملك وثائقًا واضحة لتلاعب العالم بدمهِ.

ماذا يعني رسوب الطلاب؟

مستقبل الطلاب المهددين بالرسوب التعسفي مهدد، خاصةً أنهم يمثلون طلاب "دفعة إعادة الإعمار في البلاد". رسوبهم سيعني عدم الاعتراف بشهاداتهم واستثنائهم من ملف إعادة الإعمار. الإعمار المستحيل في ظل النظام طبعًا. حلقة التآمر على الطلاب تمتد داخل أجهزة النظام التعليمية والأمنية المختلفة، من أساتذة الكلية، إلى عمادة الكلية، وصولًا إلى مجلس الجامعة، وبطبيعة الحال، الفروع الأمنية. تريد الأخيرة توزيع مهندسي إعادة الإعمار حسب مزاجها، واستغلال الملف لإغراقه في مستنقع المحسوبيات المعتادة، التي أسس لها النظام لعقود في الجامعات السورية.


قمع لا ينضب

رغم كل ما حدث ويحدث، لا يزال النظام يطبق قوانين قمعية، تمنع الاعتصام الطلابي في الجامعات حسب قانون تنظيم الجامعات الصادر عام 2007، والذي يعتبر امتدادًا لقانون تنظيم الجامعات الصادر في السبعينيات. لذلك واجه مجلس الجامعة الطلاب المعتصمين بلغة التهديد والفصل، وحتى الاعتقال، إن لم يكفوا عن حركتهم هذه. لكنهم في حالهم هذا، أهون حالًا، من آلاف السوريين، الذين واجهوا الموت بصدورٍ عارية.