07-يناير-2017

احتجاجات في إحدى جامعات إسطنبول سنة 2014 (أوزان كوزي/أ.ف.ب)

تضاعفت أعداد الجامعات في تركيا في السنوات الأخيرة حتى بلغت 196 جامعة، 51 منها في مدينة إسطنبول، التي يتجاوز عدد ساكنيها العشرين مليون نسمة. ولكن لأنّ الجامعات ليست مجرّد مساحات إسمنتيّة تُبنى ليتسنّى للطلّاب الالتحاق بها والتخرج منها، أو هكذا يفترض أن تكون الحال، فقد برزت العديد من التقارير في الآونة الأخيرة التي تشير إلى تراجع جودة التعليم في تركيا رغم ازدياد عدد الجامعات فيها خلال العقدين الماضيين، بالإضافة إلى تدنّي جودة المخرجات العلميّة والبحثيّة، وأنّ الزيادة الكمّية، ولاسيّما في الأبحاث العلميّة والتقنية التطبيقيّة لم يرافقها تطوّر نوعيّ على جودة مخرجاتها، وذلك حسب بعض الدراسات والتقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة.

تضاعفت أعداد الجامعات في تركيا في السنوات الأخيرة حتى بلغت 196 جامعة، 51 منها في إسطنبول، التي يتجاوز عدد ساكنيها 20 مليون نسمة

لعلّ جودة التعليم في الجامعات تنعكس بشكل طبيعيّ على جودة التعليم في المدارس. ففي امتحان قبول الجامعات التركيّة، وهو الامتحان المعتمد للانتقال إلى الجامعة بعد الانتهاء من المرحلة الثانويّة، كان معدّل النّجاح بين الطلبة 70% تقريبًا وهي نسبة تنخفض من سنة إلى أخرى، إذ بلغت في السنة الماضية 74% والتي قبلها حوالي 80% من الطلاب المتقدمين للامتحان.

اقرأ/ي أيضًا: في التطهير التركي.. الأكاديميا في خطر

ولمعرفة السبب يلزم النّظر إلى كفاءة المعلم، خرّيج الجامعة، في المدرسة التركيّة. يحتاج المعلّم أو المعلّمة في تركيا إلى دخول امتحان يتألف من 50 سؤالًا في التخصص الذي تخرجوا منه ليتم بعد ذلك تعيينهم في المدارس. وقد كانت النتائج حول متوسّط الإجابات الصحيحة لهذه الأسئلة الخمسين منخفضًا في العديد من المواضيع. ففي الرياضيات بلغ 19.8، وفي العلوم والتقنية بلغ 14.5، وفي الأحياء 12.8، وفي العلوم الاجتماعية 26.2.

وكذا متوسّط الإجابات في التخصصات الأخرى، وهذه الأرقام مؤشّر واضح على تدنّي مستوى التعليم العامّ في الجامعات التركية بالرّغم من الازدياد الكبير في عدد الجامعات، أو لعلّ هذه الزيادة المدفوعة بالهوس بالأرقام دون الجودة هي سبب أساسيّ في ذلك.

وهذا ما أقرّ به جوكهان شاتنسايا، رئيس مجلس التعليم العالي السابق في تركيا، حين قال بكل وضوح إنّ "مؤسسات التعليم العالي في تركيا غير قادرة على تأهيل الأكاديميين وإنّ تركيا رغم كونها في المرتبة السادسة في العالم من ناحية زيادة عدد الطلّاب، إلا أنّها لا تزال في حاجة ماسّة إلى التركيز على رفع جودة التعليم والبحث العلميّ في تركيا في العقود المقبلة".

وفي ظلّ زيادة عدد الملتحقين بالجامعات في تركيا، فإنّ معدّل عدد الطلاب في القاعة الجامعية يصل في الجامعات الحكومية إلى 50 طالبًا، في حين أنّ المعدّل بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هو 16 طالبًا فقط، الأمر الذي لا يزال يثير الكثير من المخاوف حول مستقبل جودة التعليم العالي في تركيا.

برزت العديد من التقارير التي تشير إلى تراجع جودة التعليم في تركيا بالإضافة إلى تدنّي جودة المخرجات العلميّة والبحثيّة

كما قد تأثر المناخ الأكاديميّ في تركيا مؤخّرًا بحالة الاستقطاب الكبيرة التي تشهدها البلاد منذ فشل الانقلاب العسكري في 15 تموز/يوليو العام الفائت، وفي ظلّ أوضاع اقتصاديّة وأمنيّة متردّية في الآونة الأخيرة، خاصّة مع استمرار المواجهات مع حزب العمّال الكردستاني، بالإضافة إلى استهداف تنظيم داعش لتركيا بعدّة هجمات إرهابيّة، ولاسيّما الهجوم المسلّح الأخير ليلة رأس السنة وفرار القاتل مخلّفًا قرابة أربعين قتيلاً. كلّ هذه الظروف تؤثّر على جودة التعليم في البلاد، خاصّة في المجال العلميّ والتقنيّ، عدا عن تأثير ذلك كلّه في مكانة تركيا كوجهة أكاديميّة للطلبة أو الباحثين.

فمع إغلاق 15 جامعة تركيّة (يعمل فيها حوالي 2760 أكاديميّ) بعد محاولة الانقلاب لانتمائها لما بات يعرف باسم "التنظيم الموازي" لفتح الله غولن واعتقال العديد من الأكاديميين بتهمة انتمائهم للجماعة أو الاكتفاء بفصلهم من مناصبهم في الجامعات الحكوميّة والخاصّة، واستمرار محاولات بثّ الفوضى في البلاد، فإنّ الحالة الأكاديميّة تتراجع بشكل طبيعيّ مع تراجع مستوى الحريّات وتكميم الأفواه المعارِضة من الأكاديميين وخلق مناخ من الخوف والشكّ في الحياة الأكاديميّة التركيّة.

اقرأ/ي أيضًا: تقرير دولي.. أكاديميو مصر في خطر

وقد كان هذا كفيلًا بالتأثير على الشراكات الأكاديميّة بين تركيا وبعض الدول والمعاهد البحثيّة الأوروبيّة والأمريكيّة، بل وصار البعض يتحدّث عن موجة متزايدة من هجرة العقول التركية إلى الخارج بسبب تراجع الحريّات الأكاديميّة والأوضاع الأمنية الصعبة، مع أنّ هذه الهجرة تحدث في معظم الحالات عبر معارف وأصدقاء في الخارج وليس عن طريق التقدّم لطلبات لجوء رسميّة.

وهذا ما حدث مثلًا مع الأكاديميّ التركيّ بكر جينار، والذي اضطر لمغادرة البلاد بعد إغلاق الجامعة التي كان يعمل بها في موجة "التطهير" عقب الخامس عشر من تمّوز/يوليو الماضي. ويقول بكر: "بعد أن أغلقوا الجامعة التي كنت أعمل بها، لم يكن لديّ أيّ خيار سوى الرحيل. لقد كان لديّ أصدقاء في جامعة ليدز بيكيت في المملكة المتّحدة، وقرّرت الانتقال للعمل هناك".

ومثل ذلك حدث مع الناشطة السياسيّة والباحثة في العلوم الاجتماعيّة نيل موتلور، والتي فصلت من منصبها في رئاسة قسم علم الاجتماع في جامعة نيشانتشي لأنّها وقّعت على عريضة "أكاديميّون من أجل السّلام" والتي تطالب الحكومة باعتماد الحلّ السلميّ في التعامل مع الأزمة الكرديّة، واضطرّت للانتقال للعمل في ألمانيا. وتقول نيل من مهجرها في ألمانيا: "معظم الذين يفصلون من الجامعات في هذه الظروف لا يجدون فرصًا أخرى للعمل، لأنّه لا أحد يجرؤ على توظيفهم، ولذلك يضطرون لمغادرة البلاد بحثًا عن لقمة العيش".

اقرأ/ي أيضًا:

خلود صابر.. انتهاك استقلالية الجامعة مجددًا في مصر

الفصل التعسفي.. سلاح السلطة في وجه طلاب مصر