28-أبريل-2018

طمأن زعيم المعارضة الأرمينية، جميع الأطراف بما فيها موسكو، من بقاء السياسة الخارجية على ما هي عليه (غليب غارانيتش/ رويترز)

هنا ترجمة بتصرف لتقرير صحيفة واشنطن بوست الذي يلقي الضوء على آخر تطورات الاحتجاجات في أرمينيا، على خلفية الدخول المتأني لروسيا في دائرة الضوء لما يحدث في البلد التي تعتبرها موسكو من بين الحدائق الخلفية لروسيا الاتحادية.


بعد نحو أسبوعين من الاحتجاجات في أرمينيا، ظلت روسيا خلالهما كامنة في خلفية المشهد، بدأت موسكو أخيرًا بتحديد دورها من هذه الاحتجاجات التي أطاحت برئيس الحكومة، استقال، سيرغ سيركسيان، في 23 نيسان/أبريل الجاري.

بعد أن ظلّت روسيا لنحو أسبوعين صامتة إزاء الاحتجاجات في أرمينيا، ها هي مُؤخرًا تبدأ في التفاعل مع ما يحدث هناك بشكل حذر

وعلى مدار أيام الاحتجاجات المتصاعدة، راقبت موسكو بمصت مدروس، ثم بحذر، والآن بدأت في التفاعل مع ما يحدث في أرمينيا بشكل متأنٍ.

اقرأ/ي أيضًا: نوستالجيا الاتحاد السوفييتي.. غالبية الروس يخامرهم الحنين

وفى وقت مبكر من الخميس الماضي، توجه اثنان من المسؤولين الأرمن، أحدهما هو وزير خارجيتها، إلى موسكو لعقد اجتماعات مع المسؤولين الروس، وفقًا لما ذكرته وكالة أنباء إنترفاكس. وقالت المصادر، إن "الأزمة السياسية الداخلية في أرمينيا وعلاقات التحالف الروسية الأرمنية ستهيمن على جدول الأعمال".

وتأتي زيارتهما بعد يوم من قيام نيكول باشينيان، زعيم المعارضة المؤثر، والذي يتنافس على رئاسة الوزراء في تصويت برلماني جديد من المزمع انعقاده في الأول من شهر أيار/مايو القادم، بإخبار حشود المتظاهرين الغفيرة بأنه حصل خلال اجتماعٍ في السفارة الروسية على "تأكيد بأن روسيا لن تتدخل في شؤون أرمينيا الداخلية". كما أعلن رئيس البرلمان، يوم الخميس الماضي، أن السلطة التشريعية ستنتخب رئيسًا جديدًا للوزراء يوم الثلاثاء القادم.

واجتذبت الاحتجاجات، التي يقودها باشينيان، المؤيدة للديمقراطية والمناهضة للحكومة، حشودًا كبيرة، إذ أشارت التقديرات لأكثر من 100 ألف شخص، إلى ساحة يريفان المركزية الكبيرة ذات لون السَلمون، وهو مستوى من الحشد لم يشهده البلد التي يبلغ عدد سكانه 2.9 مليون نسمة، منذ عقود. ولمدة أسبوعين بالضبط بحلول الخميس الماضي، امتلأت شوارع العاصمة الأرمينية بالحفلات الصاخبة، والهواء المشبع بالإثارة المُعدية.

ولكن بخلاف "الثورات الملونة" التي وقعت في جورجيا وأوكرانيا، والتي حفزتها المظاهرات في الشوارع، وعارضتها روسيا بشدة، قوبلت هذه الانتفاضة برد أكثر توازنًا من جانب الكرملين.

تعاملت روسيا بحذر واتزان مع الاحتجاجات الأرمينية الأخيرة، على عكس تعاملها مع الثورتين الأوكرانية والجورجية

لم تكن تلك المظاهرات مناهضة لروسيا بشكل علني، بيد أن وجود موسكو ونفوذها الكبير في ذلك البلد الصغير والفقير، لا يمكن إنكاره. وقد تميزت سياسة سيرغ سركيسيان، رئيس الوزراء الذي أُطيح به، بأنها مؤيدة لروسيا بشكل علني، وقد تم استبداله بشكل مؤقت، بكارين كارابيتيان، المدير التنفيذي السابق لشركة "غازبروم"، والذي أكسبه عمله الهام في شركة الطاقة الروسية العملاقة لقب "كارين الغاز" باللغة الأرمينية.

اقرأ/ي أيضًا: بالنسبة لروسيا.. سوريا ليست أوكرانيا

من جانبها، وصفت حركة الاحتجاجات كلًا منهما بالعضوين الفاسدين في النخبة الحاكمة المنعزلة عن شعبها. ولكن كي تنجو انتفاضة باشينيان، وكي يكتمل إسقاط الحكومة القائمة، لا يمكن تجاهل روسيا. وقد أوضح الرئيس فلاديمير بوتين هذا الأمر يوم الخميس، عندما أكد في مكالمة هاتفية مع كارابيتيان، على وجوب إجراء انتخابات الأسبوع المقبل، والتي يُتوقع أن يفوز بها باشينيان، بطريقة قانونية.

وقال نوبار أفيان، وهو رجل أعمال من أصل أرميني يقيم في الولايات المتحدة، خلال زيارة إلى يريفان: "إذا افترضنا أننا في آخر فصل من مسرحية، فقد نتفاجأ!".

لم تعلن الاحتجاجات الأرمينية مناهضتها لروسيا ودورها في البلاد (كارين ميناسيان)
لم تركز الاحتجاجات الأرمينية  على مناهضة روسيا ودورها في البلاد (كارين ميناسيان)

وفي إشارة إلى روسيا، أضاف الرئيس التنفيذي لشركة "Flagship Pioneering": "إذا كنا في الواقع في أول فصل من المسرحية، يتعين علينا أن نتطلع إلى الشخصيات الرئيسية التي تظهر في مراحل بعينها".

وتعتمد أرمينيا بشكل كبير في اقتصادها على روسيا، وتستضيف كذلك قاعدتين عسكريتين روسيتين. كما تشتري أسلحة من روسيا، تحتاجها في صراعها مع أذربيجان المجاورة، على إقليم مرتفعات قرة باغ- ناغورني كاراباخ المنشق، علمًا بأن روسيا تبيع الأسلحة لأذربيجان أيضًا!

كما أن أرمينيا عضو في كتلة التبادل الاقتصادي الروسي والتحالف العسكري الروسي. ولكن قبل عام، عندما وقّعت أرمينيا اتفاقية تاريخية واسعة النطاق مع الاتحاد الأوروبي، بدا أن موسكو لم توافق على ذلك، مكتفية بالقول إنها تحترم السيادة الأرمنية.

وسيتعين على باشينيان مواصلة هذا التوازن. يقول ريتشارد جيراغوسيان، مدير مركز الدراسات الإقليمية في يريفان، وهي مؤسسة بحثية مستقلة، إن باشينيان "سعى إلى طمأنة جميع الأطراف، بما في ذلك روسيا، إلى أنه لا ينبغي أن يكون هناك تحول جذري أو تغيير في السياسة الخارجية".

ولقد أصبحت ثورة أرمينيا السلمية غير الدموية حالة فريدة من نوعها في مسار بلدان الاتحاد السوفياتي السابق. يقول جيراغوسيان: "يُعد ذلك نجاحًا نادرًا، أو انتصارًا نادرًا، لإحداث تغيير سلمي في الحكومة، في بلد تنحى حاكمه بعد بقائه في السلطة عقد كامل، ليس فقط طواعيةً ولكنه استقال بسهولة".

رغم فشل الثورات السابقة في دول الاتحاد السوفيتي السابق بتدخلٍ روسي، يحتمل أن تكون أرمينيا استثناء بسبب استراتيجية زعيم المعارضة باشينيان

وعلى الرغم من أن الثورات السابقة المؤيدة للديمقراطية في أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزستان قد تعثرت في نهاية المطاف، بسبب تدخل موسكو غالبًا، إلا أن أرمينيا، التي أوضحت أن علاقتها مع روسيا يجب ألا تتغير، يحتمل أن تكون استثناءً.

 

اقرأ/ي أيضًا:

منشقان عن نظام بوتين.. يشعلان صحافة العالم

البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط