15-نوفمبر-2015

مقطع من مطبوعة دعائية لمدينة كولن الألمانية

لا يبدو أن استخدام "الموتيفات" الإبداعية واللغوية سيختفي بسهولة. المعارضات الشعرية قياسًا على الأبيات أو المقاطع أو النصوص الشعرية العظيمة ما زالت تتوالى بصور وقوالب متنوعة. الكنايات اللغوية، وإن بدت رتيبة في كثير من الاستخدامات، ما زالت تملأ النصوص في معظم اللغات موصلة المعنى والصورة أيضًا بطريقة سهلة؛ حتى في السياسة، لا يتوانى ممتهنوها عن إيراد تعبيرات أو قوالب جاهزة لإيصال فحوى آرائهم وادعاءاتهم.

لا يبدو أن استخدام "الموتيفات" الإبداعية واللغوية سيختفي بسهولة

وكثيرة هي أيضًا حالات سوء أو عدم دقة استخدام هذه الموتيفات في أمكنتها الصحيحة وسياقاتها المناسبة. إلا أنها وبسبب كثرة استخدامات كهذه، وإن كانت خاطئة، تفيد في نقل الرسالة المطلوبة منها، فالكاتب الذي يستخدم موتيفًا شائعًا ما في غير موضعه، قد يوصل رسالته التي يقصدها إلى غالبية قرّاءه بفضل العرف الشائع الذي نشأ حول هذا المعنى غير الحقيقي لهذا الموتيف.

يفصل نهر الراين بين مدينة ماينز، عاصمة ولاية راينلاند بفالتس، ومدينة فيزبادن، عاصمة ولاية هسّن الألمانيتين. قد تكون جامعة يوحنا الطباع في ماينز أكثر ما يميزها، في حين تستقطب فيزبادن الأثرياء وهي مركز تجاري وإداري كبير في ألمانيا. يسخر سكان العاصمة ماينز من نظيرة مدينتهم فيزبادن بأنها تقع على الضفة الخاطئة من نهر الراين، كذلك يقول سكان العاصمة فيزبادن إن ماينز هي التي تقع على الضفة الخاطئة من النهر وأنهم هم من بادر بالإشارة إلى هذه "الحقيقة".

مدينتا كولن ودوسلدورف، الألمانيتين أيضًا، تقعان في الولاية نفسها، شمال الراين ويستفاليا، يفصل بينهما 40 كيلومترًا والكثير من العمارة والفن والثقافة والرياضة والبيرة.. كولن كانت في غابر الزمان مركزًا حضريًا ودينيًا كاثوليكيًا مهمًا أيام الإمبراطورية الرومانية، يشهد على ذلك كاتدرائيتها المشهورة، بينما نشأت دوسلدورف، والتي تعني حرفيًا "قرية دوسل"، على ضفاف ترعة دوسل التي تصب في نهر الراين بصورة أكثر ريفية وبطابع علماني أكثر من كولن.

في حين تتشابه المدينتان ببلدتيهما القديمة، فإن المشهد البانورامي لدوسلدورف أكثر معاصرة من كولن؛ متربعة عليه، أي المشهد، ثلاثية المعماري الأمريكي الشهير فرانك أو. جيري "تسولهوف الجديدة".

عبارة "قصة مدينتين" قد تكون من أكثر العبارات التي استخدمت في سياق مقارنة أي مدينتين على سطح الأرض

وإذا كنت مرتادًا إحدى حانات مدينة كولن تجنب أن تطلب من النادل بيرة "ألت" الدوسلدورفية داكنة اللون أحمرهُ، وإن كنت في إحدى حانات دوسلدورف تجنب طلب بيرة "كولش" الكولنيّة ذات اللون الفاتح أصفرهُ.. في كلتا الحالتين ستوبَّخ من قبل النادل، وربما من المرتادين أيضًا.

عبارة "قصة مدينتين" قد تكون من أكثر العبارات التي استخدمت في سياق مقارنة أي مدينتين على سطح الأرض إن كان من حيث المساحة الجغرافية أو الخريطة الديموغرافية أو القدم التاريخي أو التنافس التجاري أو الإرث الثقافي.. إلخ. لكن رائعة الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز "قصة مدينتين"، حيث تجري الأحداث في لندن وباريس قبل أكثر من قرنين من الزمن من الآن، تحكي عن موضوعات محددة منها الحب والتضحية والثورة والطبقات الاجتماعية في لندن وباريس ذلك الوقت. على الرغم من كل ذلك تذكرت العبارة الموتيف هذه "قصة مدينتين" مرارًا وتكرارًا في مثالـَي ثنائية "ماينز - فيزبادن" وثنائية "كولن - دوسلدورف"، وإن كان موضوع المقارنة والحديث عن المدن الألمانية الأربع مختلف عن موضوع "قصة مدينتين" الرواية.

اقرأ/ي أيضًا:

ورق وإسطوانة وفضاء

انتقام العقلانية