16-مارس-2016

مقطع من لوحة لـ بسيم الريس/ سوريا

1

لم أكُنْ هُناك 
لكني أعرف أن الزيتون لا يرحم أبدًا
وأن الموسيقى الكُردية 
تلونُ الأصابعَ في عنِاق الماء 
وأن قميصَ الأمهات المبلول بالحياةِ 
يقطفُ العشب ويحتفي به 
حينَ تفتقُ الحربُ جِراحهُ

لم يتركُني 
الحب خرابًا كالحرب 
أتنفسُ به وأختبئُ في رحمه
دونَ أن أنحني 
لبلادٍ سيئة التهوية 
لم يعد للثورة فيها هُدنة..!

ثّمة مَّاءٌ في الجسد 
مُدنٌ وأصوات 
ودَمعٌ عَارٍ لا حَصر له 
ثّمة حّربٌ هُناك 
لصُوصٌ تطعنُ الليل 
قصَّائدُ ووطن
يتكاثرُ حيث النوافذ المفتوحة 
تلامسُ الهواء.

لم أكُن هُناكَ 
لكني أعرفُ قِصة الأرض الخرساء 
الأرض المنسية 
أربعُ سنوات والحلمُ يتعفنُ في الإنتظار 
كُل النهار راحلٌ 
كُل الموت المتراص بحذرٍ
يَشتدُ بنا عند حِدود المنفى 
هل الحربُ أكثر التصاقًا بنا أم الموت؟

لم تَمنحني الحربُ 
سِوى عُصارتها المُرة
أحجارها وهي تلتقطُ الظلَ قسرًا. 

أنا المرأةُ
التي تَحملُ الوطن على ظهرها 
تدونُ أفكارهُ على قِشرةً
من حَكايا الجدة الخُرافية  في يومٍ صيفيٍ بارد 
تنُثرها فوق العُشَّب الندي 
كالحب دونَ الخراب 
هادئًا كفراشةً في رقادها.

2
على الأسلاك الشائكة 
يُزهرُ اللوز على شكلِ صلاةٍ معتقة 
مقابرٌ تحتضنُ الحب على أرضٍ غريبة 
لا وحشةً فيها، لا عتمة 
غير أن الله حَشَّرَ روحه في عيون آبائنا البعيدة 
لم تكن صدفة!!
إلا أن الحرب طالت 
والموت يمررُ الوجوه على الحاجز. 

كيفَ لنا أن نُدفنَ في بلادٍ 
تُقايضنا بعملةٍ أجنبية 
في بلادٍ توقُظُ فينا دمعاً سائلًا
يائسًا كماءٍ يبكي 
من جرحِ فراشة 

أسمعُ صوتًا يصرخُ جائعًا
إقذفني إليكَ يا الله 
لن أتعثر في السماء كلما مرت بي شجرة 
 إلا بملائكةٍ حُفاة على العشب.

يُزهر اللوز في آلاف الأشياء 
في صَباحات الموت الغير مُبرر
في مقابرٍ بعيدة  تفترسُ وضوحَ العدم حينَ يَشطره 
الموتَ لظلٍ أحمق 
في رقصة الفنار وفضيحة الحب 
في لذة الماء ورئتي المثقوبة 
حتى بقُمصاني بعدَ أن أنزع عنها طعناتُ الذكرى 
إنها الحرب وبعضٌ من الحياة المنسية 
تختنقُ وحيدةً على الأسلاك الشائكة 
لا أثر لصوت الله هناك 
إلا أن الموت قتيلٌ 
قتيل
يترنحُ في ممرات المدن المعطوبة 
كما لو أن التراب يُضيْ وهو يُمدُ فوقَ
ضحكاتُنا العمياء.

يُزهر اللوز من فجر هذا البلد الآمن 
كُلما أخفيتُ الحرب في خِزانةٍ
مرَ بها كُل القتلة ودهاليزهم الباردة 
كلما تَعثرتُ بشاعرٍ 
يتجولُ بينَ أزهار وقصائدَ 
امراة وحيدة 
تئنُ بكل جنونها ودفئِها 
من دون أن تتنحى جانبًا على بُعد شظية.

اقرأ/ي أيضًا:

ليس لي شأن في ذلك

ما بعد الخامس عشر من تموز