04-فبراير-2021

الروائي النمساوي هرمان بروخ (ألترا صوت)

ارتبط اسم الكاتب النمساوي هرمان بروخ (1886 – 1951)، بما اصطُلح على تسميته بـ "رواية الحداثة". واعتُبر، بحسب آراء عددٍ كبير من الكتّاب والفلاسفة، واحدًا من كبار روائيي القرن العشرين، إلى جانب مارسيل بروست وروبرت موزيل وجيمس جويس، إذ بدا من غير الصائب الحديث عن "عوليس" و"رجل بلا صفات" و"البحث عن الزمن المفقود"، دون المجيء على ذكر ثلاثية "السائرون نيامًا"، رواية بروخ التي صنعت شهرته، وقدّمته إلى العالم باعتباره أحد أكثر الأدباء تجديدًا في القرن العشرين.

أدخل هرمان بروخ إلى مشهد الرواية فكرًا ساميًا ومشعًا الهدف منه تحريك كل الوسائل التي تُساعد في إضاءة وجود الإنسان

وعلى الرغم من الشهرة الواسعة التي حظي بها الكاتب النمساوي في مختلف أنحاء العالم، إلا أنه، وعلى العكس من بروست وجويس وموزيل، لم يحظ بذات الشهرة في العالم العربي، الذي تعرّف بعض قرائه عليه إما عبر بعض المقالات المتفرقة عنه، أو من خلال الصفحات التي خصصها له الكاتب التشيكي ميلان كونديرا في بعض كتبه.

اقرأ/ي أيضًا: رواية "حليب سوفييتي".. وجه آخر للحكاية

المقالات القليلة والنادرة التي قدّمت لمحاتٍ عامة حول بروخ وأعماله الأدبية، بالإضافة إلى كتابات كونديرا عنه، شكلتا معًا المساحة الوحيدة المتاحة للقارئ العربي للتعرف على بروخ، في ظل غياب أعماله بشكلٍ تام عن المكتبة العربية، وبقائها لوقتٍ طويل خارج اهتمامات الناشرين العرب لأسبابٍ مجهولة وغير مبررة، قبل أن تخطو "دار أثر" خطوة مهمة في هذا السياق، عبر نقلها لثلاثيته الشهيرة، "السائرون نيامًا"، إلى اللغة العربية، واستعدادها لإصدار الجزء الأول منها، "الرومانسي"، خلال الأيام القليلة القادمة، ترجمة هبة شريف.

وزع هرمان بروخ "السائرون نيامًا" على ثلاث روايات، حملت الأولى عنوان "الرومانسي"، ودارت أحداثها في عام 1888، فيما جاءت الثانية تحت عنوان "الفوضى"، واختار مؤلفها سنة 1903 مسرحًا زمنيًا لأحداثها، بينما دارت أحداث الرواية الثالثة والأخيرة المعنونة بـ "الواقعية" عام 1918، مما يجعل منها روايات منفصلة، تجري أحداث كل واحدة منها بعد خمسة عشر سنة على طي صفحة حكاية الرواية التي سبقتها.

وعلى الرغم من لقاء أبطال الروايات الثلاث ببعضهم البعض أحيانًا، بقصدٍ أو بدونه، إلا أن: "لكل واحدةٍ دائرة شخصياتها الخاصة بها، ومبنية بطريقةٍ لا تشبه بناء الروايتين الأخريين"، بحسب تعبير كونديرا.

تُغطي ثلاثية مؤلف "موت فيرجل" مرحلة زمنية مهمة في تاريخ القارة الأوروبية، شهدت مجتمعاتها خلالها تغيراتٍ هائلة ومتسارعة، مصدرها التحولات النفسية والذهنية التي طرأت على الفرد آنذاك، تحت تأثير النزعات المختلفة التي اختبرها، بدءًا بالنزعة الرومانسية والفردية والفوضوية، وصولًا إلى الواقعية التي طُويَ زمنها لصالح زمنٍ آخر تناوبت على عنونته ثلاث مصطلحات، هي: الفاشية، النازية، التوليتارية.

وعبر هذا التنقل بين هذه الأزمنة، وتقديم صورٍ وافية لبشرها وتحولاتهم الداخلية، أرّخ بروخ للتدهور المستمر للقيم داخل المجتمعات الأوروبية، باعتباره أحد أسباب الخراب الذي سيلفّ دول القارة العجوز فيما بعد.

يؤرّخ هرمان بروخ في "السائرون نيامًا" للتدهور المستمر للقيم داخل المجتمعات الأوروبية، باعتباره أحد أسباب الخراب الذي طالها فيما بعد

يصف بعض النقاد ما يفعله بروخ في رواياته عمومًا، و"السائرون نيامًا" خصوصًا، بمعالجة مجموعة من الأسئلة والقضايا بأسلوبٍ ينفر من المألوف. فيما يرى ميلان كونديرا، أحد أكثر الكتّاب المعجبين بتجربة الكاتب النمساوي ونتاجه، أن بروخ، شأنه شأن روبرت موزيل، أدخل إلى مشهد الرواية: "فكرًا ساميًا ومشعًا، لا بغاية تحويل الرواية إلى فلسفة، بل بغاية تحريك، على قاعدة الحكي، كل الوسائل المعقولة واللامعقولة، السردية والتأملية، التي يُمكنها أن تُضيء وجود الإنسان، وأن تجعل الرواية أسمى تركيب فكري".

اقرأ/ي أيضًا: رواية "دفاتر فارهو".. أي معنى للنجاة؟

ويشير كونديرا إلى أن قراءة "السائرون نيامًا"، لا بد أن تكون قراءة حذرة ومتأنية، يأخذ القراء فيها بعين الاعتبار الوقوف عند الأحداث التي: "بقدر ما هي لا منطقية بقدر ما هي مفهومة في آن، بغاية النفاذ إلى نظامٍ­ خفي، باطني، عليه تتأسس قرارات باسنوف وروزينا وإش. إن هذه الشخصيات عاجزةٌ عن مواجهة الواقع بوصفه شيئًا ملموسًا. كل شيء يتحول في نظرها إلى رموز، وردود فعل هذه الشخصيات إنما تتم تجاه الرموز عندما تظن هذه الشخصيات أنها تؤثر في الواقع".  

 

اقرأ/ي أيضًا:

رواية "حقل البرتقال".. الحرب القذرة بين ثقافة القتل وفكرة التضحية

عندما يحزن الكاتب