21-أغسطس-2016

وزير الخارجية التركي بجوار نظيره الإيراني (Getty)

المقال التالي ترجمة لتقرير "ناشيونال إنترست" عن أسباب التطور في العلاقات التركية الإيرانية، في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.

أظهرت الأزمة السورية لكل من تركيا وإيران حقيقة أن المستفيد الرئيسي من تفكك سوريا، في حال سقط الأسد، سيكون الأكراد السوريين

___

عودة الدفء للعلاقات التركية الروسية، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، كانت محور كل التحليلات الشهر الماضي. على الجهة الأخيرة، تقدم مماثل، إن لم يكن أقوى، كان يحدث في العلاقات التركية الإيرانية، وإن لم يحظ بذات القدر من التغطية. التقدم الأخير في العلاقات التركية الإيراني كان يجر العمل عليه منذ بعض الوقت، ولم يكن حصرًا بسبب الانقلاب الفاشل، ومع ذلك، فإن محاولة الانقلاب قد أعطته دفعة قوية.

التحسن في علاقات تركيا بإيران وروسيا، حدث، على الرغم من كونهم الداعميْن الرئيسين لنظام بشار الأسد، الذي كان، حتى وقت قريب، عدو تركيا الرئيسي.

اقرأ/ي أيضًا: بلومبرج تلوم السيسي على تراجع الاقتصاد المصري

العديد من العوامل ساهمت في حدوث هذا التحول التركي:

أولا: أدركت الحكومة التركية في الشهور القليلة الماضية أن داعش، وليس الأسد، يجب أن يكون قلقها الأساسي في سوريا، هذا الإدراك جاء كنتيحة لتوسع هجمات داعش الإرهابية داخل تركيا والتي خلفت العديد من القتلى.

هجوم داعش على مطار إسطنبول، في 28 حزيران/يونيو الماضي، والذي قُتل على إثره أكثر من أربعين شخص، قوض أسطورة أن الأسد يمثل الخطر الرئيسي على تركيا. وأظهر بوضوح أن جيران سوريا، إيران والعراق وتركيا، يواجهون نفس الخطر، الذي يمكن وصفه بالوجودي، أي الخطر الذي تمثله داعش. كما أصبح واضحًا أيضًا أن إيران وتركيا يجب عليهما الحركة نحو وضع استراتيجية مشتركة للقضاء على هذا التهديد.

وهكذا أصبح الأسد مشكلة ثانوية من وجهة النظر التركية. كان تغير موقف تركيا من الأسد واضحًا في البيان الذي أدلى به رئيس الوزراء التركي بينالي يلديريم في 13 تموز/يوليو الماضي حين قال: "أنا واثق من أننا سنعيد علاقتنا مع سوريا لوضعها الطبيعي، نحن في حاجة لذلك، نحن نطبع علاقتنا مع روسيا وإسرائيل. أنا متأكد من أننا يمكننا أن نفعل ذلك مع سوريا أيضًا".

هذا الموقف التركي الجديد من الأسد، مهد الطريق لتحسن العلاقات مع إيران، التي تساهم بشكل حيوي في الدفاع عن النظام السوري، عن طريق حليفها حزب الله، كما بشكل مباشر عن طريق عناصر الحرس الثوري الإيراني، الذين يعملون كمستشارين، وأحيانًا يشتبكون ميدانيًا ضد المتمردين السوريين.

اقرأ/ي أيضًا: أردوغان في روسيا..رسالة للغرب

ثانيا: أظهرت الأزمة السورية لكل من تركيا وإيران حقيقة أن المستفيد الرئيسي من تفكك سوريا، في حال سقط الأسد، سيكون الأكراد السوريين، وخصوصًا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والذي يمتلك صلات قوية ليس فقط بحزب العمال الكردستاني في تركيا، ولكن كذلك بحزب الحياة الحرة المعبر عن حركة التمرد الكردية التي تقاتل طهران.

حزب الاتحاد الديمقراطي، تمكن من السيطرة على الجزء الأكبر من المناطق الكردية في سوريا. في البداية أدت هذه السيطرة للأكراد إلى تبادل الاتهامات بين أنقرة وطهران، حيث اتهمت تركيا إيران بتشجيع القوات الكردية لزعزعة الاستقرار في تركيا، قبل أن يتضح للبلدين أنهما مضطرتان للتعاون من أجل التخفيف من الأضرار التي يمكن أن تلحق السلامة الإقليمية لكلتيهما حال انفصال المناطق الكردية عن سوريا. فأي شكل من أشكال الاستقلال الكردي سيكون لعنة على كل منهما.

التعاطف والدعم الذي قدمته القيادة الإيرانية لتركيا وقت الانقلاب، كان له أثر نفسي كبير على أردوغان وكبار صناع القرار في أنقرة

ثالثًا: بدء سريان الاتفاق النووي الإيراني، من بداية كانون الثاني/يناير الماضي، والذي يترتب عليه رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والذي تنظر له كل من إيران وتركيا كفرصة لتقوية علاقاتهما الاقتصادية. فالتبادل التجاري بين البلدين، تم تحجيمه بسبب فرض عقوبات مالية على إيران، والتي منعت أنقرة من دفع ثمن استيراداتها من الطاقة من طهران، وبالتالي حدت من تدفق الغاز والنفط بين البلدين. بشكل تقليدي، تشتري تركيا ربع احتياجاتها من النفط وحوالي خمس احتياجاتها من الغاز، من إيران. رفع العقوبات، وحسب توقعات كلتا البلدين، من المحتمل أن يضاعف حجم التبادل التجاري بينهما، ثلاثة أضعاف ليصل إلى 30 مليار دولار، في غضون عامين.

وفي حين كانت كل هذه العوامل تحرك كلتا البلدين لعلاقات أفضل، جاء الانقلاب الفاشل، ليعطي هذه التحركات زخمًا إضافيًا. فالقيادة الإيرانية كانت قلقة بالفعل أن نجاح الانقلاب كان سيؤدي لزعزعة الاستقرار ليس فقط في تركيا، بل في المنطقة كلها، وسيكون لذلك عواقب وخيمة على إيران نفسها. وقد تجلى ذلك بوضوح في حقيقة أن جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، كان على اتصال مع نظيره التركي طول ليلة الانقلاب، محادثًا إياه أربع مرات على الاقل، من أجل دعم الحكومة التركية.

التعاطف والدعم الذي قدمته القيادة الإيرانية، كان له أثر نفسي كبير على أردوغان وكبار صناع القرار في أنقرة. فالموقف الإيراني كان على النقيض من موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي كان، في أحسن الأحوال، فاترًا في دعم الحكومة الحكومة التركية. كان الأوروبيون والأمريكان أكثر اهتمامًا بإلقاء المحاضرة على الحكومة التركية بعدم إساءة استخدام سلطات الطوارئ بعد الانقلاب، وليس الترحيب بنجاح جهدها في سحق الانقلاب. هذا الدعم الفاتر من أوروبا وأمريكا لم يغب عن نظر تركيا، التي لم تجد فيهما حلفاءها الحقيقيين، ووجدت ذلك في روسيا وإيران، الدولتين اللتين على الرغم من اختلافاتهما الكبيرة مع تركيا، وقفتا بجانب الحكومة التركية في الوقت الذي احتاجتهما فيه.

وهكذا ارتفعت أسهم إيران بشكل كبير في تركيا، إضافة لذلك، فإن التطهير الضخم لعناصر حركة كولن من مواقع السلطة بعد الانقلاب لابد أنه لاقى ترحيبًا من المنظور الإيراني. فسواء كان أعضاء حركة كولن متورطين في الانقلاب أم لا، فإن حركة كولن لها سمعة بأنها تناهض إيران والشيعة، ولذلك فإن إزاحة الحركة من دوائر صنع القرار في تركيا، سيجعل علاقات البلدين أقل أيديولوجية وأكثر برجماتية بإزاحة قشرة التنافس بين السنة والشيعة التي كانت دائمًا تعقد العلاقة.

الحالة الجديدة للعلاقات التركية الإيرانية ستكون على الأغلب حاسمة للشرق الأوسط كله. لسبب بسيط، وهو أن العرب قد حيدوا أنفسهم، بسبب النزاعات التي تورطوا فيها والتي لا يبدو أنها ستنتهي قريبًا، وهكذا تبقى إيران وتركيا هما القوتان المحوريتان في المنطقة. ولذلك لن يكون من الخطأ القول أن مستوى الاستقرار في الشرق الأوسط سيعتمد على علاقات الدولتين. إذا كان بإمكانهما تعزيز الثقة المتبادلة والقدرة على استيعاب مصالح بعضهما البعض، فإن الشرق الأوسط قد يخرج من الفوضى التي سقط فيها.

واشنطن يجب أن ترحب بهذا التطور أيضًا، نظرًا لأهمية الحفاظ على استقرار الشرق الأوسط، والقضاء على خطر داعش، من جهة يجب دمج إيران اقتصاديًا وسياسيًا في المجتمع الدولي، وبالتالي القدرة على مواجهة بقية ميولها الأشد خطورة، وكذلك دفع تركيا إلى التراجع عن سياستها القمعية عن طريق تعزيز شعورها بالسلامة والأمان.

اقرأ/ي أيضًا:

النازحون في العراق..مخيمات الموت المهملة

2016..النظرية التي تفسر عامًا سيئًا للغاية