25-يونيو-2018

يفكر محمد صلاح بالاستقالة دوليًا بعد تورطه بلقاء الزعيم الشيشاني (أ.ف.ب)

لا تزال السياسة تهيمن على واحدة من أكبر التجمعات الإنسانية المعاصرة على الإطلاق، وهي كأس العالم، حيث يستغل الزعماء واللاعبون والمدربون مليارات المتابعين، للتعبير عن آراء سياسية، أو الترويج لبروبغاندا ما، وفي هذا التقرير المترجم عن صحيفة نيويورك تايمز، بعض من تجليات هذه الأزمة، وقع فيها المنتخب السويسري، بالإضافة إلى النجم المصري محمد صلاح.


غرق كأس العالم دفعةً واحدةً في مزيج خطِر من السياسة وكرة القدم، قابل للاشتعال، وهو موقف لطالما بذل عالم كرة القدم الغالي والنفيس لتجنبه. حيث جلبت الأحداث الأخيرة المتزايدة التي اتخذت من كأس العالم مسرحًا لها، منها الإجراءات التأديبية التي شرعت فيها الفيفا، بالإضافة إلى تهديد أحد اللاعبين النجوم بالاعتزال، العديد من مواضيع الصدام الحساسة إلى عتبات البطولة نهاية هذا الأسبوع.

شملت الأزمات لاعبي العديد من الفرق ومست عددًا من المواضيع؛ منها استقلال كوسوفو والقومية الصربية، والمهاجم المصري محمد صلاح والزعيم الشيشاني المثير للجدل

شملت الأزمات لاعبي العديد من الفرق ومست عددًا من المواضيع؛ منها استقلال كوسوفو والقومية الصربية، والمهاجم المصري المحبوب والزعيم الشيشاني المثير للجدل. قد يجبر على الأقل أحد هذه الخلافات الفيفا -الهيئة المنظمة لعالم كرة القدم- على إصدار قرارات بالإيقاف في منتصف البطولة، وهو ما قد يؤثر على الأرجح على احتمالات صعود الفرق من دور المجموعات في كأس العالم.

في وقت مبكر من يوم الأحد، أعلنت الفيفا أن لجنتها العقابية بدأت ثلاثة تحقيقات أخرى متعلقة بمباراة يوم الجمعة المليئة بالمشاكسات بين سويسرا وصربيا. وبهذا يصل عدد التحقيقات في هذه المباراة إلى ستة. بعدها بساعات، سرت أنباء بأن المهاجم المصري محمد صلاح، أكثر لاعبي البطولة شعبية يفكر في اعتزال اللعب مع منتخب بلاده على إثر تفاعلات الأخير مع سياسي شيشاني.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يُحبون محمد صلاح؟ ولماذا أحبه أنا أيضًا؟

بدأت مشاكل الفيفا السياسية عندما قام اللاعبان السويسريان غرانيت تشاكا وشيردان شاكيري، برفع الإشارة المسماة بالنسر المزدوج بأيديهما بعد تسجيلهما في مرمى المنتخب الصربي في المباراة التي انتهت بفوز المنتخب السويسري بنتيجة 2-1. تعد هذه الإيماءة التي تؤدى عن طريق ربط إصبعي الإبهام بعضهما ببعض وفرد بقية أصابع اليدين؛ بمثابة إشارة  قومية يستخدمها العديد من ذوي الأصول الألبانية لتمثيل النسر الأسود في العلم الألباني. ينحدر كلا اللاعبين من كوسوفو، الإقليم الألباني الذي خاض حرب استقلال ضد الجيش اليوغوسلافي الذي هيمن عليه الصرب في أواخر تسعينات القرن الماضي.

بالنسبة لبقية العالم، لا تحمل الإشارة أي معنى. حيث اعتقد أحد المعلقين البرازيليين أن اللاعبين كانا يشيران بعلامة السلام وأشاد بدعوتهما للصلح والوئام في البلقان. لكن في صربيا اعتبرت الإيماءة بمثابة استفزاز.

من ناحيته واجه الاتحاد الصربي لكرة القدم إجراءات تأديبية تستهدفه بسبب عرض مشجعيه لرسائل وشعارات سياسية أثناء المباراة. وتلقت صربيا بالفعل غرامة في بطولة كأس العالم هذا العام بعد رفع مشجعيها لافتات تقول الفيفا إنها تخص "الحركة القومية الصربية شبه العسكرية" خلال مباراة فريقها مع كوستاريكا.

ثم في يوم الأحد فتحت الفيفا ثلاثة تحقيقات أخرى ضد لاعب المنتخب السويسري ستيفان ليشتشتاينر، الذي لا ينحدر من أصول ألبانية لرفعه إشارة النسر المزدوج، وضد رئيس الاتحاد الصربي لكرة القدم سلافيسا كوكيزا، ومدرب المنتخب الصربي ملادن كرستايك، بسبب التصريحات التي اتهمتهما بالإدلاء بها بعد المباراة.

ثم سرت أخبار بأن صلاح نجم مصر الأهم يفكر في اعتزال اللعب لمنتخب بلاده بمجرد انتهاء البطولة، بسبب جره إلى مواقف سياسية مثيرة للجدل متعلقة بقرار اتحاد كرة القدم في بلاده اختيار الشيشان مقرًا لإقامة وتدريب الفريق خلال البطولة.

أصبح صلاح واحدًا من نخبة لاعبي كرة القدم خلال العام الماضي، وكان مصدر الجذب الرئيسي في مقر تدريب المنتخب المصري في غروزني، عاصمة إقليم الشيشان الروسي.

عشية البطولة، ظهرت صورة لصلاح بجانب رمضان قاديروف الزعيم الشيشاني في الحصة التدريبية الأولى للمنتخب المصري، وبعد معرفته بأن صلاح من المقرر أن يفوت هذه الحصة، قاد قاديروف سيارته إلى الفندق المصري ليستدعي اللاعب من سريره. شغل قاديروف منصب رئيس الشيشان منذ عام 2007، بعد ثلاثة أعوام من اغتيال والده، واتهم بالإشراف على عمليات التعذيب والقتل خارج نطاق القانون وتطهير البلاد من الرجال المثليين.

بعد هزيمة مصر أمام روسيا يوم الثلاثاء، وهي هزيمة ضمنت خروج مصر من البطولة، أقام قاديروف مأدبة عشاء للفريق منح فيها صلاح جنسية شيشانية فخرية.

كتب قاديروف على منصات التواصل الاجتماعي قائلًا: "محمد صلاح هو مواطن شيشاني فخري، هذا صحيح. منحت صلاح نسخة من القرار ودبوسًا في العشاء الاحتفالي الذي أقمته على شرف الفريق المصري".

لطالما تجنب صلاح تحويله عمدًا إلى شخصية سياسية أو دينية، وأفادت CNN بأنه شعر بغضب شديد بسبب تعرضه للنقد اللاذع الذي تلا نشر الصور الأصلية التي تجمعه بقاديروف. 

 أقام قاديروف مأدبة عشاء للفريق المصري منح فيها صلاح جنسية شيشانية فخرية

ضاعف التكريم الذي تلقاه من قاديروف من ذلك الغضب. ويُعتقد أن استياء صلاح ناتج عن اعتقاده بأنه لم يمنح الحماية المناسبة من قبل اتحاد بلاده الذي اختار غروزني مقرًا لتدريبات الفريق وإقامته، ويفكر في أن تكون مباراة اليوم الإثنين ضد السعودية، مباراته الأخيرة التي يلعبها لصالح مصر. وتجدر الإشارة إلى أنه قد بلغ من العمر 26 عامًا.

من ناحية أخرى تمثل الإجراءات التأديبية التي نتجت عن مباراة سويسرا وصربيا معضلة أكبر بالنسبة للفيفا. قد يواجه تشاكا وشاكيري وليشتشتاينر، وهم ثلاثة من أفضل لاعبي المنتخب السويسري قرارًا بالإيقاف لمباريتين إذا صدر قرار بأن احتفالهم بعد الهدف يعتبر فعلًا سياسيًا، وهو ما قد يخرج كلًا منهم من المباراة النهائية لفريقهم في دور المجموعات المقررة يوم الأربعاء القادم أمام كوستاريكا.

حققت سويسرا أربع نقاط بعد فوزها على صربيا في في المباراة الثانية في الدور وهو نفس عدد نقاط متصدر المجموعة البرازيل. وحلت صربيا ثالثًا بفارق نقطة واحدة عن سويسرا وهو ما يعني أن أي نقص في قائمة لاعبي سويسرا قد يؤدي مباشرة إلى عرقلة صعودها إلى الدور القادم. وإذا فازت صربيا على البرازيل وخسرت سويسرا أمام كوستاريكا، قد يسبق المنتخب الصربي الفريق السويسري إلى الدور الثاني.

وقال شاكيري في ظهوره القصير أمام وسائل الإعلام بعد المباراة: "في كرة القدم يكون لديك مشاعر، بإمكانكم أن تروا ما فعلته. كانت مجرد مشاعر".

 لكن الصرب اعتراهم غضب عارم، حيث وصف رئيس الاتحاد الصربي كوكيزا هذه الإيماءة بأنها "فضيحة مخزية". واتهم هو وكرستايك الفيفا وحكم المباراة الألماني فيلكس بريش بالتحيز ضد الصرب بسبب طريقة إدارة المباراة.

وصرح كوكيزا لشبكة BBC: "لا أتوقع أن تتخذ الفيفا أي إجراء لضمان عدم تكرار هذا السطو المتوحش مجددًا. أكرر كان الأمر بكامله مخططًا له". لكن الإيماءة أصبحت مركز النقاشات الدائرة حول هذه المباراة.

وقالت يلينا سوبوتيك أستاذة العلوم السياسية بجامعة ولاية جورجيا بهذا الشأن، "عندما يُظهر الألبان هذه الإشارة إلى الصرب، فهي تعني بشكل أساسي (لقد حطمكم الألبان). هؤلاء اللاعبون الألبان يفعلون ذلك فقط ليزعجوا الصرب، لكن في الحقيقة هم يلعبون لصالح سويسرا وليس لسويسرا ناقة في هذه الصراع ولا جمل".

اقرأ/ي أيضًا: محمد صلاح.. العقلية التي أنتجت نجمًا

وأشار آخرون لإيماءات أخرى باليد لم ينل رافعوها العقاب بعد، مثل تحية الأصابع الثلاث الصربية، والتي تعد رمزًا قوميًا. حيث أشار قائد الفريق الصربي ألكسندر كولاروف بهذه الإيماءة بعد تسجيله هدف الفوز لصربيا ضد كوستاريكا في المباراة التي انتهت بنتيجة 1-0.

لطالما تجنب صلاح تحويله عمدًا إلى شخصية سياسية أو دينية

تعد تحية الأصابع الثلاث مستفزة بشكل خاص للكروات والبوشناق والكوسوفيين، لكنها أصبحت أكثر شيوعًا في الرياضة. وكثيرًا ما يقوم لاعب التنس الصربي نوفاك ديوكوفيتش برفع هذه الإيماءة بيديه بعد انتصاراته، لكنها لا تعد بالضرورة علامة على أي وجهات نظر متطرفة.

تقول سوبوتيك: "أصبحت هذه الإشارة أكثر شيوعًا واعتيادية في الاحتفالات الصربية بالنصر مع الوقت، إلى درجة أن معظم الرياضيين يستخدمونها دون أن ينخرطوا عميقًا في الخيالات القومية، لكنها من ناحية أخرى تظهر انعدامًا للحساسية والتفهم للأسباب التي تجعل هذه الإشارة تمثل بالنسبة للآخرين رمزًا إلى التفوق والعنف الصربي".

في هذه الأثناء يبدو أن سويسرا ليست منشغلة سوى بالتنعم بنصرها. ودعت صحيفة Blick الشعبية التي كانت قد انتقدت شاكيري من قبل بسبب الانقسام المزعوم في ولائه، قراءها لإرسال صور لأنفسهم وهم يرفعون تحية النسر المزدوجة بكلتا يديهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

15 معلومة غريبة عن كأس العالم 1986

ملاحظات اجتماعية عن الأحداث الرياضية