07-سبتمبر-2016

وفق ما نشره معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس"، فإن أكثر من 65% من القوى العاملة في فلسطين تخضع لقانون العمل الفلسطيني، ما يستدعي أن تكون أحكام هذا القانون واضحة وصريحة، وآلية تحصيل الحقوق بموجبه مضمونة، وذلك لأنها تؤثر على الشريحة الأكبر من الفلسطينيين، وفي نفس الوقت يجب أيضًا أن تراعي قدرة أرباب العمل على الاستجابة لهذه الحقوق والمطالب، وبذلك يتم خلق التوازن بين الطرفين هو ما يثمر عن حالة الاستقرار في سوق العمل.

وعلى الرغم من أثر قانون العمل الفلسطيني المباشر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن نصوصه لا تخلو من النقص، الذي يعرضها للنقد الدائم والذي قامت به عدة دراسات خلصت إلى توصيات لتعديل بعض البنود الساعية إلى إنصاف العامل وترجيح كفة الميزان له، وهو الذي يعتبر الحلقة الأضعف في قانون العمل إذا ما قورن بصاحب العمل.

بعض المواد في قانون العمل الفلسطيني فضفاضة ويستغلها أصحاب العمل لصالحهم موقعين ظلمًا شديدًا على العمال

خلال هذه المقالة سأحاول تسليط الضوء على ثلاث ثغرات من قانون العمل التي يستغلها أرباب العمل بطريقتهم الخاصة، مستفيدين من ضبابية النص القانوني واحتماليات تأويله:

1. فترة التجربة

إن الاختلاف على نص المادة 29 من مواد قانون العمل الفلسطيني، حول فترة التجربة، ترك الباب مشرعًا لأصحاب العمل لكي يستغلوا هذا البند الذي ينص على أنه "يجوز أن يبدأ عقد العمل بفترة تجربة مدتها ثلاثة أشهر ولا يجوز تكرارها لأكثر من مرة واحدة عند صاحب العمل".

اقرأ/ي أيضا: "المخطوفون الستة" يعلقون إضرابهم وسط وعود بالحرية

 استغل أرباب العمل هذه المادة بشكل مفرط حيث أقرّوا بأنه لا يجوز أن تقل مدة التجربة عن ثلاثة أشهر مع احتمالية كبيرة جدا -بل حتميّة- لتجديدها، وذلك لأهداف تتعلق باستغلال أكبر فترة ممكنة لا يمتلك فيها العامل حقوقًا كاملة داخل المنشأة، بالإضافة إلى تقاضيه راتب أقل من الراتب الحقيقي بعد التثبيت -أي بعد انقضاء فترة التجربة-.

خلال سؤالي لأحد مدراء الشركات حول تعامله مع موضوع فترة التجربة، أجاب بوضوح بالغ: "إن فترة التجربة هي فرصة لي ولشركتي، حيث أقوم غالبا بتوظيف شخصٍ وإخضاعه لفترة تجربة لثلاثة أشهر ومن ثم أمددها لثلاثة أخرى بحجة التأكد من قابليته لفهم نظام العمل وطبيعته، وبعد انقضاء فترة التجربة الممدة -أي 6 شهور-، أبحث عن أي سبب وظيفي لأقوم بفصله وتعيين غيره بنفس الأسلوب، وبهذا فأنا أوفر على شركتي ومن الناحية القانونية فالقانون يغطي هذا التصرف تماما".

وعند سؤاله عن قيمة مراكمة الخبرة وأهمية أن يستقر العامل وظيفيًا حتى يبدأ إنتاجه الحقيقي، أجاب: "ذلك صحيح، ولكنه يعتمد على نوع العمل، في شركتي، الموضوع لا يتعلق بمراكمة خبرة، بل بمجرد عمالة يمكن أن أبدلها بأي لحظة، فلماذا لا أستغل القانون؟".

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا منافٍ لقانون العمل، حيث إن مقصد النصّ بأن لا تزيد عن ثلاثة أشهر واحتمالية التمديد لمرة واحدة، لا يعني أن تصل لستة أشهر كخيار وحيد أمام رب العمل، حيث إنه من الممكن أن يكون الاتفاق بين العامل وصاحب العمل على شهر تجربة مع احتمالية تمديد الفترة لشهرين مثلا. ولا يعني إطلاقًا أن يتم الاستهتار بحق الموظف بالتثبيت أو إطلاعه على أسباب حقيقية تعيق تثبيته بعد انقضاء فترة التجربة. فهذا النص الفضفاض أدى إلى الطريقة التي يتم استغلال العاملين من خلالها خاصة إن كانوا من الخريجين أوالنساء.

2. العقود الشفوية

أو ما تسمى "العقود الشفوية الوهمية". يبتعد غالبية أصحاب العمل من المؤسسات الصغيرة تحديدًا عن توثيق الاتفاق بينه وبين الموظفين بعقد العمل المكتوب والمصادق عليه، وذلك لترك مساحة ضغط على الموظف في أي وقت يشاؤون، بالإضافة إلى سحب حقّ الموظف في تقديم شكوى أو رفع قضيّة في حال تمت مخالفة بندٍ من بنود العقد الشفوي، وذلك لسهولة الإنكار من قبل صاحب العمل.

اقرأ/ي أيضا: عمال مصر.. كلمة السر في الثورة!

إن غياب الرقابة عن الشركات، وهو ما ظهر واضحًا في دراسة قام بها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس" أثبت أن هيئة التفتيش حصرت خلال السنوات الماضية 15528 منشأة من أصل 60000 منشأة خاضعة لأحكام قانون العمل الفلسطيني، أي ما يعادل 26% فقط من المنشآت، الأمر الذي يدلل على غياب جهاز التفتيش عن غالبية المنشآت، وهو ما يؤثر سلبًا على حقوق العمال، ما أدى لسهولة تعيين أي موظف بلا عقد عمل أو حقوق مكتوبة لإثباتها، فمع ارتفاع نسبة البطالة وضيق سوق العمل في السوق الفلسطيني، أصبح اهتمام المواطن الساعي للوظيفة هو أن ينتمي لشركة ويحصل على وظيفة تضمن له راتبًا يؤمن حاجاته الأساسية، واستغلال هذه الحاجة من قبل أرباب العمل دون رادع أو محاسبة سيؤدي إلى ضياع حقوقٍ ومستحقاتٍ مالية لأشهر دون أي إثبات بأحقية العامل، مقابل الإنكار من قبل صاحب العمل.

26% فقط من المنشآت في فلسطين خاضعة لأحكام قانون العمل

وفي بعض الحالات التي رصدتها، ارتفعت وتيرة الخلافات بين الموظف وصاحب العمل حول الحقوق ومطالبات نهاية الخدمة مثلا، وهنا يقوم رب العمل بتهديد الموظف بأحد أبرز حقوقه، ألا وهي رسالة التوصية، والتي يحق للموظف طلبها من شركته عند تقديمه لاستقالته أو انتهاء عقده، والتي تقرّ فيها الشركة بأن الموظف الفلاني عمل لديها مع تحديد مدة عمله ومسمّاه الوظيفي وراتبه إن أراد. وفي كثير من الحالات وأمام ضغط رب العمل وحاجة الموظف لهذه الرسالة التي تعتبر من أساسيات التقديم والقبول في الشركات الكبرى في داخل فلسطين وخارجها، يضطر الموظف مرغمًا أن يسكت إزاء ضياع حقوقه، فرب العمل يملك الورقة الرابحة، ولا يوجد ما يمنعه من استخدامها.

3. العمل الإضافي

مع أن قانون العمل نصّ على أن العمل الإضافي لا يجوز أن يكون إلزاميًا، بمعنى أن يفرضه صاحب العمل على العامل، بل أن يكون توافقيًا بينهما، إلا أن ما يجري على أرض الواقع وفي بيئات العمل المختلفة هو أن يكون العمل الإضافي جزءًا لا يتجزأ من تقييم صاحب العمل للعامل وكفاءته، بل يمتد ليصبح أسلوبًا من أساليب الضغط على العامل في حال رفضه إياه لأسبابه الخاصة، وكثيرًا ما تتكرر هذه الحالات في الشركات والمؤسسات التي يتميز عملها بالموسميّة، فبدلا من تعيينها لعمال جدد، تلجأ إلى زيادة عدد ساعات العمل للطاقم الموجود بحجّة أن فترة الضغط والعمل الإضافي هي فترة وجيزة تبعًا لموسم معين، وهو الأمر الذي ينافي مبدأ الإدارة العالمي الذي يؤكد أن الذهاب باتجاه التشغيل وزيادة العمالة، أفضل من زيادة ساعات العمل لنفس الطاقم.

ومما يزيد حالات العمل الإضافي سوءًا هو عدم الوضوح في تفريق أنواع العمل التي يجوز فيها العمل الإضافي من تلك التي يحظر بها، خاصة إذا كنا نتحدث عن أعمال خطرة قد يتسبب طول ساعات العمل فيها إلى زيادة احتمالية إصابات العمل والتغيب المرضي، وهو الأمر الذي لا يتم في غالبية المؤسسات قياسه والتنبه له ومراعاة تأثيره على بيئة العمل وسلامة وصحة العاملين.

أمام هذه الممارسات والحقائق التي تجري يوميًا في سوق العمل، يرى المتابع لها إرباكًا واضطرابًا في توازن السوق، وعلاقة غير متساوية بين العامل وصاحب العمل، وهو ما ينذر بمشكلات اقتصادية واجتماعية خطيرة قد تمتد لتزعزع السلم الأهلي، وعلاقة الناس مع بعضهم، والتي يجب أن يكون هناك وازع يرعاها وقانون يصونها.

اقرأ/ي أيضا:

الأردن.. عمال معلقون في الهواء

احتفاء إسرائيلي بزيادة عدد المسلمين بشرطة الاحتلال