19-مارس-2018

سوق في وهران

فكّرت في بيت شعريّ يلخّص العلاقة الحالية بين الشّعب والحكومة في الجزائر، فتبادر إلى ذهني بيت القائل"إنّ اليتيم هو الذّي تلقى له/ أمًّا تخلّتْ أو أبًا مشغولًا". فلا هما ماتا فيئس منهما وواجه قدره بنفسه، ولا هما قاما بواجبات الأمومة والأبوّة، فكفياه شرّ الحاجة واللّجوء إلى الآخرين.

إذا أردنا أن نعرف الفارق في الحرص بين الحكومة المدنية على مصالح البلاد والمؤسّسة العسكرية، فلنقم بمقارنة بين الطائرات المدنية والعسكرية

لماذا لا تحرص الحكومة الجزائرية المدنية على مصالح شعبها، وتثبت حضورها الحقيقيّ والمدروس في يومياته، مثلما تحرص المؤسّسة العسكرية على أمن حدوده، التّي تتجاوز 7000 كيلومتر، وأمنه في الدّاخل، علمًا أنّ جهودًا إضافية تبذلها المؤسّسة العسكرية لتحقيق هذا الأمن الدّاخلي، بسبب إهمالات وارتجالات هذه الحكومة في تسيير الشّؤون العامّة؟

اقرأ/ي أيضًا: رسالة إلى صديقي الفيسبوكي

يبدو للوهلة الأولى أن هذا الكلام مجاملة للجيش الجزائري، أو محاولة منّي لحماية نفسي. لكن أليس مثيرًا للدّهشة أن يتمكّن جيش من حماية أرض هي الأكبر مساحةً في أفريقيا والوطن العربي؟ علمًا أنّ حدودها، ما عدا الواجهة البحرية، مشتعلة وملغّمة ومفتوحة على مخاطرَ محتملةٍ على مدار السّاعة، خاصّة الواجهة اللّيبية والصّحراوية الجنوبية؟

إذا أردنا أن نعرف الفارق في الحرص بين الحكومة المدنية على مصالح البلاد والمؤسّسة العسكرية، فلنقم بمقارنة بين الطائرات المدنية والعسكرية. ففي الوقت الذي تصنّف فيه الطائرة العسكرية الجزائرية ضمن المراتب الثلاث الأولى أفريقيًا وعربيًا والعشر عالميًا، تصنّف فيه الطائرة المدنية الجزائرية في ذيل التّرتيب العالمي، حتى أن صديقًا ساخرًا قال لي إنه يتجنّب التعامل مع شركة الخطوط الجزائرية خوفًا من سقوط الطائرة، فيعدّها الله له انتحارًا باستعماله لها في ظل وجود شركات عالمية محترفة.

كيف لا يشعر الشّعب الجزائري باليتم، حين تطلع عليه حكومته يومين بعد انهيار أسعار برميل النّفط، قائلةً له إنه ملزم بالتقشّف أو ما أسماه رئيسها يومها بشدّ الحزام؟ لماذا لم تحسب حسابًا لهذا على مدار السّنوات، التي تجاوز فيه السّعر 100 دولار أمريكي، فتنعش قطاعي الفلاحة والسّياحة، ليكونا بديلين حقيقيين لاقتصاد الطاقة؟ أين ذهبت أموال الاحتياط التي جعل منها محيط الرئيس بوتفليقة إحدى عتبات الفخر في الحملات الانتخابية المختلفة؟ هل يُعقل أن يقول الوزير الأوّل أحمد أويحي للشعب إنّ الخزينة توشك على الإفلاس وقد لا يتلقّى رواتبه في الشّهور القادمة؟

كيف لا يشعر الشّعب باليتم، وهو يرى حكومته تلجأ إلى هراوة الشّرطي في مواجهة المطالب التي رفعها الأطبّاء والمعلّمون؟ أليست هذه إشارة رمزية على أن العقول والأجساد معا مهدّدة في هذه البلاد؟ ثمّ أليس من دواعي مضاعفة الإحساس باليتم حين يرى هذا الشعب تقاعس هذه الحكومة عن حمايته من أمراض لم تعد موجودة حتى في الدّول الأقلّ إمكانياتٍ من الجزائر؟ مرض الحصبة يزحف على المدن الجزائرية والحكومة تزحف نحو المكاتب، وتطلق تصريحاتٍ تفخر فيها بأنها تملك منظومة صحية تتماشى مع المعايير الدّولية.

من مظاهر لؤم الحكومة الجزائرية عدم مباشرتها إصلاحات حقيقية، ليقينها من خوف الشّعب الجزائري من أيّة حركة احتجاجية، نتيجة أحداث العشرية السوداء

أليس من حقّ الجزائريين أن يخافوا، وهم يرون رئيسهم مختفيًا منذ عام 2012؟ حتى بات تحريكه ليده أو رموشه حدثًا في نشرات الأخبار؟ إن الطفل الذي ولد يوم أصيب الرّئيس بالمرض بات مهيّئًا لأن يلتحق بمقاعد الدراسة. أليست سنّ الالتحاق بالمدرسة في الجزائر ستة أعوام؟ أما الذي ولد عام وصوله إلى سدّة الحكم عام 1999، فقد تخرّج من الجامعة وبات مهيّئًا لأن يتزوّج. وها هي بضعة شهور تفصلنا عن رئاسيات نيسان/أبريل من العام الدّاخل، من غير أن تتوفّر معلومة تتعلّق بها، ما عدا معلومة سرّبها رئيس الحزب الحاكم تقول إن الرّئيس سيترشّح لها.

اقرأ/ي أيضًا: لوحة يوم القيامة على سقف الغوطة

هناك لؤم خاصّ بالأشخاص، وآخر خاصّ بالحكومات. ومن مظاهر لؤم الحكومة الجزائرية عدم مباشرة إصلاحات حقيقية، لعلمها المسبق المبني على معاينات ميدانية بخوف الشّعب الجزائري من مباشرة أيّة حركة احتجاجية، مراعاةً منه لما أصابه في تسعينيات القرن العشرين من عنف وإرهاب لا يزال يدفع فاتوراته حتى اليوم، عملًا بالمثل الشّعبي القائل "إن الذي لدغه الثّعبان يخاف من الحبل".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الطفل الجزائري يتساءل: "أين حقي في اللعب؟"

رسالة غير مقروءة للأعصر وحسن