03-مارس-2021

كتاب "قلعة آكسل" (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

تستعيد هذه المساحة الأسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات الناشرين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.


يُنظر إلى الكاتب والناقد الأمريكي إدموند ولسون (1895 – 1972)، على أنه محاربٌ شرسٌ في ميدان النقد الأدبي، استطاع، وعلى امتداد نحو أربعين عامًا، خوض معارك وسجالاتٍ نقدية مختلفة دون كللٍ أو ملل، وبأسلوبٍ يقوم على التهكم اللاذع الذي اتفق معارضوه ومؤيدوه على أن أكثر ما عبّر عنه، هو العنوان الذي اختاره لمقالته النقدية حول رواية "مقتل روجر أكرويد" للكاتبة البريطانية أغاثا كريستي، وهو: تُرى من يهتم بمعرفة من قتل روجر أكرويد؟

"قلعة آكسل" من أعمال النقد الأدبي الباقية، والتي لا تقل شأنًا اليوم عما كانت عليه عند ظهورها الأول

كتابه المعنون بـ "قلعة آكسل: دراسات في الأدب الذي ظهر بين عامي 1876 – 1930" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1982)، ترجمة الروائي والناقد الفلسطيني الراحل جبرا إبراهيم جبرا؛ ليس إلا جزءًا من معاركه وسجالاته في ميادين النقد الأدبي، إذ أثار الكتاب من الضجة والاهتمام، رفضًا لمضمونه أو تأييدًا له، ما لم ينجح أي كتابٍ آخر في إثارته، بل ويُعتبر الكتاب النقدي الأكثر قراءةً في عصره أيضًا.  

اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: البستان

يقول جبرا إبراهيم جبرا في تقديمه للكتاب: "كتب الناقد الكبير إدموند ولسون هذا الكتاب وهو على مقربة زمنية من موضوعه، إذ كان خمسة من الأدباء الستة الذين هم محور البحث الرئيسي، ما زالوا على قيد الحياة، ولم يكن قد مر على وفاة مارسيل بروست إلا سنوات قلائل. أما إليوت، فكان في مطلع أربعيناته، ولم يكن قد كتب بعد أيًا من "رباعياته الأربع"، أو أيًا من مسرحياته، فضلًا عن بعض نقده المتأخر".

ويضيف: "كان في اختيار إدموند ولسون هؤلاء الأدباء بالذات (مع الإشارة بالطبع إلى عشرات الآخرين)، دليل على إحساسه الصائب بحقيقة ما كان يجري في عالم الأدب الإبداعي أيامئذ. فلئن يكن أدب الثلث الأول من هذا القرن امتدادًا، أو نهاية منطقية، للرمزية التي سادت في أواخر القرن الماضي، كما يبرهن هذا المؤلف، فإن الكثير من العوامل الفاعلة فيه، والتي يحللها الناقد بحذق ودراية، بقي فاعلًا في أدب العصر الحديث، أدب ما بعد الثلاثينيات".

وبحسب جبرا: "هذا بالضبط ما يجعلنا نعتبر "قلعة آكسل" من أعمال النقد الباقية، والتي لا تقل شأنًا اليوم عما كانت عليه عند ظهورها الأول. فإدموند ولسون بمعرفته الموسوعية ومنطقه الديالكتيكي، يرى كيف تتوازن التيارات أو تستمر أو تتضاد، في خلق المناخ الأدبي".

الكتاب الصادر للمرة الأولى عام 1931، يضم بين دفتيه مجموعة دراساتٍ تتناول تجارب كتّابٍ وشعراءٍ مختلفين، يجمعهم الانتماء إلى مدرسةٍ أدبيةٍ مشتركة، هي "الرمزية" التي خصص لها ولسون فصلًا كاملًا في كتابه، استعرض فيه نشأتها وظروف ظهورها في الأدب، باعتبارها حركة تجديدية، ظهرت ملامحها الأولى في أعمال الكاتب الأمريكي إدغار آلان بو، حيث: "الخلط بين إدراكات الحواس المختلفة، ومحاولة جعل مفعول الشعر يقارب مفعول الموسيقى"، بحسب تعبير ولسون، الذي رأى أن الإيحاء لا النص الصريح كان هدف "الرمزية".

الغاية من "قلعة آكسل" إذًا، هي استقصاء أصول اتجاهات هذه المدرسة، ودراسة تطورها في أعمال ستة كتّابٍ معاصرين، هم: وليم بتلر ييتس، وبول فاليري، وت. إس. إليوت، ومارسيل بروست، وجيمس جويس، وغيرترود شتاين، مع الإشارة إلى كتّابٍ آخرين قريبين، نوعًا ما، من "الرمزية" التي يرى الناقد الأمريكي أن تاريخ الأدب في عصرنا، ما هو إلا تاريخ تطورها واندماجها في الطبيعة أو صراعها معها.

يبدأ إدموند ولسون كتابه بنقد تجربة وليم بتلر ييتس، الشاعر الإيرلندي الذي: "إذا كنا لا ننظر إلى ييتس عادةً كشاعرٍ رمزي في المقام الأول، فالسبب هو أنه، عندما نقل الرمزية إلى إيرلندا، وصلها بموارد جديدة، ووهبها نبرة خاصة، الأمر الذي جعلنا نتأمل في شعره من وجهة نظر ميزاته القومية، عوضًا عن علاقته ببقية الأدب الأوروبي".

يضم "قلعة آكسل" دراساتٍ نقدية في تجارب كتّابٍ وشعراءٍ مختلفين، يجمعهم الانتماء إلى مدرسة أدبية مشتركة هي "الرمزية"

ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى قراءة تجربة بول فاليري الذي: "يفتعل الدقة والضبط لكيما يغطي على عددٍ من الافتراضات الكاذبة، ويروج لضرب من التصوف الجمالي، بدلًا من أن ينتهي إلى تحليلٍ علمي"، بالإضافة إلى ت. إس. إليوت الذي: "ترك في الشعر الإنجليزي أثرًا أبرز من أي أثر تركه شاعر يكتب بالإنجليزية"، عدا عن أنه: "يتمتع بشخصية أدبية كاملة (...) ويفكر تفكيرًا دائبًا ومتماسكًا في العلاقات بين أوجه التجربة الإنسانية المختلفة، وقصائده تعكس عشقه للتناسب والتنظيم".

اقرأ/ي أيضًا: تُرجمَ قديمًا: ألبير كامو

وفي الفصول اللاحقة، يُقدِّم إدموند ولسون قراءاته في تجارب الفرنسي مارسيل بروست، والإيرلندي جيمس جويس، والأمريكية غروترد شتاين، بالإضافة إلى فصلٍ خصصه للمقارنة بين تجربتي فيليير دي ليل آدم، وآرثر رامبو، باعتبارهم جميعًا، يمثلون تطويرًا لاحقًا لأساليب الرمزية ومُثُلِها. والحصيلة، تقديم عمل نقدي يُقدِّم النقد على أنه تاريخ أفكار الإنسان وخيالاته في إطار الظروف التي أضفت عليها أشكالها، مما يعني أن هذا الكتاب، ووفقًا لمؤلفه، محاولة لكتابة مثل هذا التاريخ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تُرجمَ قديمًا: بابا همنغواي

كيف يفكر الشعراء؟