19-مايو-2021

كتاب "تجربتي في الأدب والحياة" (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

تستعيد هذه المساحة الأسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات الناشرين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.


اعتاد الكاتب والروائي البريطاني سومرست موم (1874 – 1965)، منذ بلوغه الثامنة عشرة من العمر، تدوين ملاحظاتٍ يوثق فيها ما يصادفه في حياته اليومية، ويستعرض من خلالها أفكاره حول الكتب التي قرأها، أو الموسيقى التي سمعها، وحتى رأيه في الأشخاص الذين يصادفهم يوميًا، بالإضافة إلى مواقفه من أبرز قضايا وظواهر عصره.

يلخص موم في كتابه أكثر من نصف قرنٍ من التجربة والخوض في غمار مختلف مجالات الأدب والفلسفة والمسرح

وواظب سومرست موم، بموازاة انشغاله بأمور أخرى مختلفة، على حفظ هذه الملاحظات التي توزعت، حتى منتصف أربعينيات القرن الفائت، على نحو خمسة عشر مجلدًا ضخمًا تمخضت عنها، وبعد عمليات فرزٍ عديدة، عدة كُتبٍ جَمع فيها بين السيرة الذاتية والنقد الأدبي.

اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: خط عرض 42

ولعل أهم هذه المؤلفات، هو كتاب "التلخيص" الذي صدر للمرة الأولى عام 1938، ونقله جعفر صادق الخليلي إلى العربية في سبعينيات القرن الفائت، حيث صدر عام 1975 عن "منشورات عويدات" في العاصمة اللبنانية بيروت، تحت عنوان "تجربتي في الأدب والحياة".

يضم الكتاب أحاديث متفرقة حول مجالاتٍ مختلفة خَبِرها وخاض فيها الكاتب البريطاني، ما يجعله بحسب ما جاء في تقديم الناقد العراقي عناد غزوان إسماعيل له: "خلاصةً لأفكاره ومواقفه في الأدب والنقد والأخلاق والدين والفلسفة، بالإضافة إلى إشاراته الكثيرة إلى بعض المناسبات والأحداث التي أثرت في حياة موم كاتبًا وإنسانًا وناقدًا".

ويضيف: "إذا تجاوزنا قضايا الكتاب الأدبية، فإنه مصدر غني لفلسفة موم ومواقفه من ظواهر الكون، الطبيعة، الدين، التصوف، الجمال، الإيمان، الفلسفة، يستطيع القارئ العربي الاستفادة منها لأنها مواقف وآراء صادرة عن تجربة واختبار، إذ لا قيمة لحياة المرء بلا اختبار".

ولا يُعتبر "تجربتي في الأدب والحياة"، وعلى عكس المتداول، سيرة ذاتية، وهو ما يقر به صاحب "حد الموسى" بقوله: "ليس هذا الكتاب ترجمة لحياتي، ولا هو بمذكرات، فلقد أدرجت في كتبي الماضيات ما صادفني في حياتي". ولكنه، في المقابل، يحمل في متنه حوادث شخصية متفرقة، ترد في سياق حديثه عما قرأ وسمعت وصادف على مدار نحو نصف قرنٍ من الزمن.

وإلى جانب حديثه عن الكتب واستعراض آرائه حولها وحول مؤلفيها، بأسلوبٍ لا يخلو من السخرية والنقد اللاذع، يفرد موم حيزًا يُحدِّد فيه مواقفه من أكثر المواضيع التي شغلته في سنوات حياته، إذ يرى أن: "النتائج التي توصلتُ إليها ما برحت تطوف في ذهني كما تطوف بقايا سفينة محطمة في بحرٍ هائج. وقد بدا لي إن دوَّنتها في ترتيبٍ ما فلعلها تكون أوضح في نفسي، مترابطةً فيما بينها".

وتتوزع هذه المواضيع التي يتناولها موم في كتابه، على قضايا نقدية مختلفة، مثل الخلود الأدبي وما ينطوي عليه من أبعاد فلسفية، إلى جانب لغة الكتابة وفنها ومصادرها وأهميتها التاريخية أيضًا، والجمال وقيمه المادية والروحية، بالإضافة إلى ولادة القصيدة، وشخصية الشاعر، ومقومات الفن الشعري، ناهيك عن الموسيقى الشعرية وأثرها في الفن النثري، وأخيرًا الغموض في النثر والشعر.

يضم الكتاب أحاديث متفرقة حول مجالاتٍ مختلفة خَبِرها وخاض فيها موم، مما يجعله خلاصةً لأفكاره حولها ومواقفه تجاهها

يشدد المؤلف على أنه كَتب كتابه هذا ليزيح عن ضميره أفكارًا معينة ظلت تحوم حوله زمنًا طويلًا سلبت فيه راحته، مبينًا أنه لا يسعى إلى إقناع أحدٍ بما تقوله، ذلك أن الهدف منها ليس الموعظة، وإنما التعبير عن رأيه الخاص فقط، وللقارئ هنا: "أن يرى ما أراه أو يخالفه. ولئن كان له من الاصطبار ما يعينه على متابعة القراءة، فإنه سوف يلاحظ أن الأمر الوحيد المؤكد عندي، هو أن ما يمكن التوثق منه قليل، وأقل من القليل".

اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: أدب أمريكا اللاتينية الحديث

يلخص إذًا سومرست موم في كتابه "تجربتي في الأدب والحياة" أكثر من نصف قرنٍ من التجربة والخوض في غمار مختلف مجالات الأدب، والمسرح، والقصة، والشعر، والفلسفة، والنقد. إنه، وبحسب مترجمه جعفر صادق الخليلي، عصارة حياة حافلة لإنسان أديب جاب أرجاء المعمورة باحثًا وملاحظًا ومتقصيًا ومسجلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تُرجم قديمًا: رحلة المخاطر

تُرجم قديمًا: غير المرغوب فيه