10-فبراير-2021

كتاب "بابا همنغواي" (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

تستعيد هذه المساحة الأسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات الناشرين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها ألترا صوت لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولة من أجل جعلها قيد التداول مجددًا.


أثار انتحار الروائي الأمريكي إرنست همنغواي (1899 – 1961)، في الثاني من تموز/ يوليو 1961، اهتمام النقاد والقراء معًا بحياته الشخصية، التي أخذت بعد وفاته منحىً أسطوريًا، باعتبارها حياة غير عادية، تنطوي على مغامراتٍ توازي من حيث الأهمية ما أنتجه صاحبها أدبيًا، وتحمل في متنها أيضًا إجاباتٍ وافية على أسئلةٍ مختلفة، تبلورت معظمها بعد انتحاره، ولعل أهمها: من يكون إرنست همنغواي؟ ولماذا اختار لنفسه هذا المصير؟ هل انتحر فعلًا؟ أم أنه قُتل عن طريق الخطأ بينما ينظف بندقيته؟

يُعدّ كتاب "بابا همنغواي" للصحفي الأمريكي أرون إ. هوتشنر علامة فارقة ومميزة بين جميع الكتب التي تناولت حياة إرنست همنغواي

أسئلة تضاف إلى أخرى كثيرة، سارع عدد كبير من النقاد والباحثين للانفراد بالإجابة عليها، عبر التنقيب في حياة الكاتب الأمريكي، بحثًا عن وثائق ومواد خام تُدعِّم سردياتهم المنجزة حوله، لا سيما تلك المتعلقة بانتحاره، والأسباب التي دفعته لفعل ذلك أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: أسرار عن همنغواي بعد 59 سنة على رحيله

وبهدف الإجابة على هذه الأسئلة، وتقديم سيرة ذاتية لصاحب "باريس عيد: وليمة متنقلة" في الوقت نفسه، صدرت منذ منتصف ستينيات القرن الفائت، عشرات الكتب التي تناولت حياة إرنست همنغواي، وأضاءت على محطاتٍ مجهولة وجوانب مخفية منها، ترتبط غالبًا بالخطوة التي أقدم عليها صباح الثاني من تموز/ يوليو 1961، بغض النظر عن دقة مضمونها وسلامة ما استنتجه مؤلفيها.

ويُعدّ كتاب "بابا همنغواي" الصادر عام 1966 للكاتب والصحفي الأمريكي أرون إ. هوتشنر (1917 – 2020)، علامة فارقة ومميزة بين جميع الكتب التي تناولت حياة همنغواي، بل ويُعتبر من أوائل المؤلفات التي تصدت لسردية زوجة الراحل حول وفاته، والتي تُفيد بأنه قُتل صدفة وبغير قصد أثناء تنظيفه لبندقيته، وهو ما ينفيه هوتشنر الذي يؤكد أنه لم يُقتل بحادث عارض، وإنما قتل نفسه عمدًا.

يُقدّم أرون إ. هوتشنر في كتابه الذي نقله ماهر البطوطي إلى اللغة العربية، وصدر عام 1967 عن "دار الآداب" في العاصمة اللبنانية، سيرة ذاتية تقريبية لمؤلف "لمن تقرع الأجراس"، استند في تأليفها على أربعة عشر عامًا قضاها برفقته، إذ يُعتبر أقرب أصدقائه، وأحد أكثر المطلعين على تفاصيل حياته الشخصية.

ويولي المؤلف اهتمامًا مضاعفًا بأيام إرنست همنغواي الأخيرة، باعتبارها نتيجة طبيعية لما عايشه واختبره سابقًا، حيث يذكر أنه كان دائم الحديث عن رغبته بإطلاق النار على نفسه وإنهاء معاناته، دون أن يبيّن لمن حوله ما إذا كان حديثه حول الانتحار نيّة قائمة داخله فعلًا، أم مجرد أحاديث عابرة يسعى عبرها للتخفيف من معاناته، في ظل سيطرة اليأس عليه، وانفراد أمراضه النفسية برفقة الخوف برسم مسارات حياته، وتحديد ملامحها وشكلها وطبيعتها، بالإضافة إلى مصيره فيما بعد.

ويذكر هوتشنر أن ملامح الانهيار على همنغواي كانت تزداد يومًا بعد آخر، وأنها بلغت ذروتها بداية ستينيات القرن الفائت، بفعل نوبات اليأس والإحباط والخوف المتكررة التي لازمته خلال تلك الفترة، بالإضافة إلى أزماته النفسية الحادة التي استدعت إدخاله إلى مستشفى "مايو"، وهو مصح نفسي دخله باسمٍ مستعار هو "جيورج سافيرس"، اسم طبيبه الذي جمعته به علاقة صداقة متينة، والذي يعود له الفضل أيضًا في إقناعه بدخول المصح بعد فشل زوجته وأصدقائه في فعل ذلك، بسبب رفضه المطلق للفكرة.

قضى مؤلف "وداعًا للسلاح" فترة ليست بالقصيرة داخل المستشفى، أظهر خلالها نوعًا من التجاوب مع العلاج، مما دفع بالأطباء إلى السماح له بالعودة إلى المنزل، شرط أن يعود طواعيةً إلى المستشفى بعد فترة قصيرة، دون ضغوط من أحد. وبحسب هوتشنر، غادر همنغواي المستشفى مستعيدًا رغبته بالحياة بشكلٍ عام، والكتابة والصيد والشرب بشكلٍ خاص، ولكن هذه الرغبة ستزول سريعًا، نتيجة عودة نوبات اليأس والخوف إليه بصورةٍ أشد مما كانت عليه سابقًا، الأمر الذي تطلب إعادته إلى المصح مجددًا، وهو ما رفضه همنغواي أول الأمر، قبل أن يذعن في نهاية المطاف، ولكن بعد محاولة انتحار فاشلة.

يولي أرون إ. هوتشنر في كتابه اهتمامًا مضاعفًا بأيام إرنست همنغواي الأخيرة، باعتبارها نتيجة طبيعية لما عايشه واختبره سابقًا

يصف أرون إ. هوتشنر تفاصيل اليوم الأخير من حياة إرنست همنغواي بالقول: "في آخر حزيران، أعلمتني ماري أن الأطباء أرادوا إخراج إرنست من المستشفى، بل إنهم ألحو عليها بأن تحضره إلى البيت، فاستأجرت ماري سيارة، وطار أحد أصدقاء همنغواي، جيورج براون، من نيويورك إلى روشيستر، لكي يقود السيارة المستأجرة. وخلال الرحلة التي دامت ثلاثة أيام بدا همنغواي منشرحًا، وبدا من جديد يستشعر الغبطة. وفي الأمسية الأولى في البيت، احتفت الأسرة بعودته، واشترك إرنست مع ماري إذ غنت إحدى أغانيه المفضلة. في صباح اليوم التالي، هكذا صرحت ماري همنغواي فيما بعد للصحفيين، سُمع في البيت صوت طلقة، جرت ماري على إثرها. كان إرنست ينظف بندقيته، هكذا قالت، فخرجت منها طلقة لسوء الحظ، وقتلته".

اقرأ/ي أيضًا: كيف كشف إعصار إيرما عن أول قصة لإرنست همنغواي؟

ويشير المؤلف، بنوعٍ من الأسف، إلى مسألة إخفاء ماري همنغواي لحقيقة وفاة زوجها، عبر تشديده، من جديد، على فكرة أن صديقه لم يكن صباح ذلك اليوم يُنظف بندقيته، وإنما يُعدّها لإنهاء حياته بعد محاولات انتحار عديدة. يقول: "لم أستطع إساءة الظن في ماري لكذبتها الخرقاء. فلم تكن بالرغم من كل حوادث الأشهر القليلة المشؤومة مهيأة لما حدث. وهكذا لم يكن في مقدورها حينما طلب منها توضيح الأمر أن تقول شيئًا آخر. ماذا يعني قول الحقيقة في موقفٍ كهذا؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

رسائل همنغواي.. المواد الخام لأدب عظيم

10 حقائق "غريبة" عن إرنست همينغواي