16-يناير-2017

خالد علي بعد الحكم بمصرية جزيرتي تيران وصنافير (Getty)

وكأنها هبة لشحذ الهمم التي أعياها الإحباط قبيل الذكرى السادسة لثورة "25 يناير"، هو قرار المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية بيع جزيرتي تيران وصنافير للعربية السعودية المعنونة تزويرًا من الحكومة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية. حماسة الحاضرين في الجلسة عند تلاوة القاضي لنصّ القرار، ثم هتافهم وخروجهم في مسيرة انتصارًا بهذا القرار القضائي، هي جرعة دفع قد تكون الأكثر إيجابية منذ انقلاب "3 يوليو".

هذا القرار هو عبوة أكسجين في وقت الخنقة لكل الناشطين والمكلومين عنوانها البسيط بأن المسيرة مستمرّة وبأن الحرب ما زالت طويلة. فالانتصار في هذه معركة، بغض النظر عن قدرة الحفاظ عليه، هو ضرورة نفسانية لمواصلة الطريق الوعر.

استطاع نظام الانقلاب في مصر المدة الماضية فرض حالة من الرتابة في البلاد، فأهم الأخبار قبل سنة هي ذاتها قبل أشهر وذاتها اليوم

استطاع نظام الانقلاب طيلة المدة الماضية فرض حالة من الرتابة في البلاد؛ فأهم الأخبار قبل سنة تكاد هي ذاتها قبل أشهر وذاتها اليوم، حديث عن الانتهاكات الجسيمة، وتواصل تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وبعض مقاطع الفيديو الترفيهية للسيسي وهكذا.

فالصفيح الساخن المُعاين، وتزايد مؤشرات اختناق النظام الحاكم، يجعلنا نحلم كل صباح بأن اليوم هو يومنا، فهذه المؤشرات التي نعوّل عليها دائمًا والآمال التي نبنيها يومًا بعد يوم التي سرعان ما تسقط، تكاد تقتل جذوة تأبى الخمود.

ففي الوقت الذي نعي فيه بأن المعركة طويلة، نحن نحتاج دائمًا لدوافع حينية تجرّنا أحيانًا حينما نعيا. ولذلك يجب أن نحتفي بحقّ بقرار مصرية تيران وصنافير، ويجب أن نفتك هذا النصر لنروي هممنا، ولنقول للغاصبين بأننا ما زلنا على العهد. ودوننا ودونهم، يساعد هذا القرار التاريخي في جرّ أولئك الذين رفعوا منذ أمد يدهم للسماء، وكفروا بجميع أهل الأرض لينضمّوا للرحلة التي لا نعرف بعد ميعاد نهايتها، ولنقول لهم هذا نصرنا الصغير في معركتنا الكبيرة.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. الطلاب يأخذون حصتهم من السجون

يوم 16 كانون الثاني/يناير هو يوم تاريخي في مسار التحرير، وسنظلّ ندين له بالكثير، ولعلّه أجاد البرادعي باختزاله قولًا "دروس مستفادة من مشهد اليوم: اتفاق على هدف، عمل جماعي منظم، اعتماد على العلم والكفاءة، إنكار الذات. عندما توجد الإرادة نجد الطريق". حيث لعلّه تبيّن وضوحًا أنه يجب علينا ألا نستوحش طريق الحق لقلة سالكيه، وإن لم نستوحشه سابقًا، فمن اللازم تأكيده في كلّ مرّة كي لا نملّ ولا يتسرّب لعزائمنا بعض التثبيط فيكسب الخصم من حيث لا نعلم.

جزء محوري من المعركة يتعلق بالقدرة على التحمّل والصّمود والثبات من جانبنا، فكلّ الانتهاكات الوحشية منذ زهاء 3 سنوات لا تهدف فقط عندهم لإذلال عشرات الآلاف من الأحرار المعتقلين؛ بل لإرهاب الملايين الذين لا يقدرون أن يضعوهم في سجونهم.

كلّ الانتهاكات في مصر منذ 3 سنوات لا تهدف فقط لإذلال الآف المعتقلين؛ بل لإرهاب الملايين الذين لا يقدرون أن يضعوهم في سجونهم

إنهم يعوّلون دائمًا على تخويفنا وإرهابنا، حيث يصوّرون الكوابيس في مخيّلات أولئك الذين يقاومون هذا النظام. ولكنّهم دائمًا ما يخيبون ولذلك تتصاعد أحيانًا وحشية انتهاكاتهم لعلّه يخاف بقية الأحرار وهم لا يعلمون بأنهم يزدادون صمودًا وثباتًا.

وتُستذكر في هذا السّياق جلسات الاستماع العلنية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الجارية في تونس، والتي قدم فيها معتقلون سياسيون زمن بن علي شهادات فظيعة عن حجم التعذيب والإذلال والهرسلة التي تعرضوا إليها، ولكنهم لم يرموا المنديل يومًا. ولذلك يجب أن تمثل هذه الشهادات حافزًا للمصريين بأن نهاية طريق الحق هو النصر ولو بعد حين.

لذلك فلنشرب نخب هذا النصر الجميل أولًا، ولنفرح ونهتف عاليًا، فلنحيي الجذوة داخلنا، قبل أن نعود في الغد للحذر، ولنفكر بهدوء في الخطوات القادمة وما يجب أن نفعل وما يجب ألا نفعل، لأن المعركة مازالت طويلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الميادين للثوار.. عودة "إسقاط النظام" في القاهرة

بعد "تيران وصنافير".. حلايب وشلاتين نحو الجنوب