07-أبريل-2017

وقفة ضد الأسد في واشنطن، بعد مجزرة خان شيخون (Getty)

يعتقد معظم العرب أن تونس من بين جميع دول الربيع العربي تحافظ على وضع مستقر معقول، مقارنة بالأقطار العربية الأخرى، وكذلك مقارنة بما كانت عليه الحال في تونس ذاتها قبل ثورتها المجيدة. ربما كان تفسير هذا الاعتقاد اعتقاد آخر مفاده أن ثورة تونس هي وحدها "الثورة"، وما تبقى من ثورات عربية هي ردود أفعال أو ارتدادات لها، أو أن ثورة تونس هي الأصل والبقية تقليد، أو أنها الصوت وما تبقى هو الصدى، لذلك حققت الثورة التونسية بعض أهدافها وحافظت على بلدها فيما عجزت بقية الثورات العربية عن تحقيق كلا المسألتين، فهي إما لم تحقق أهدافها وإما لم تحقق أهدافها ولم تحافظ على بلدانها.

يعتقد معظم العرب أن  ثورة تونس هي وحدها "الثورة"، وما تبقى من ثورات هي ارتدادات لها

ولولا ثورة تونس، ومن بعدها ثورة مصر، لما خرجت في سوريا ثورة إلا بعد وقت طويل، لأسباب تتعلق في تكوين السلطة والمجتمع ونفسية الشعب. فعلى خلاف تكوين كلٍّ من تونس ومصر البسيط، من الواضح جدًا تعقد التكوين السوري اجتماعيًا وثقافيًا ودينيا ومذهبيًا الذي يجعلها محل امتداد ثقافي ومذهبي وسياسي مع أمم قوية عربية وإسلامية لها تاريخ طويل من الصراع، الذي لم يتوقف حتى اللحظة، نذكر السعودية وإيران والقومية الكردية الصاعدة، إضافة لموقع سوريا على خط جغرافيا سياسية مركبة وخطيرة، ابتداء من كونها على حافة العالم العربي، وفي نقطة تمفصل عربي أوروبي، ونقطة تماس مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

اقرأ/ي أيضًا: قاق... قاق... قاق

هذه الثورة السورية "الأولى" التي بدأت كارتداد لثورتي تونس ومصر، انتهت بواسطة النظام إلى قتل وتهجير الشعب السوري وجلب دولتين لاحتلال سوريا، وبالتالي انتهت إلى عدم تحقيق أهدافها في الحرية والكرامة والعدالة. لكن انتهاء الثورة السورية على هذه الشاكلة لا يعني أن مطلب الثورة عند السوريين قد انتهى، لسبب بسيط وهو أن الحاجة إلى الحرية والكرامة والعدالة ما زالت قائمة، بل أضيف إليهما الآن مطلب جديد وهو التحرير، بوجود قوات دولتين أجنبيتين بشكل معلن على الأراضي السورية.

وعلى هذا فإن ثورة سورية جديدة، فيما لو انطلقت في الشهور أو السنوات القادمة، ستكون مزيجًا من ثورة تحرر سياسي اجتماعي وتحرير وطني عسكري، وربما كان المطلب التحريري الوطني هو المطلب الأول لها حاليًا، وبهذا سنعود إلى الخانة الأصلية الني وضعت فيها الشعوب العربية، وهي في أصلها معضلة تاريخية، أقصد بها إحلال مطلب الاستقلال الوطني محل مطلب الحرية. هنا ستعود الأنظمة القديمة، وكذلك شبه الأنظمة، التي خلقتها ثورات الربيع العربي إلى اللعب على وتر العاطفة الاستقلالية لتصرف جماهيرها عن مطلبها في الحريات والعدالة الاجتماعية، وربما وجد هذان الشكلان من الأنظمة القديمة والجديدة نفسيهما في حالة تعاون غير معلن لإدارة دولهما ومجتمعاتهما، وهو ما يعني تفويت إمكانية نهضة اجتماعية سياسية حقيقية للشعوب العربية، وهذا ممكن لدرجة ليست بقليلة، خصوصًا أن شبه الأنظمة التي جاءت بها الثورات العربية، سواء كان معترفًا بها أم لا، قد ورثت إلى حد كبير ذهنية أسلافها، وطرق عملها ومواجهتها لاستحقاقات شعوبها، نتحدث خصوصًا هنا عن سوريا ليبيا اليمن.

انتهاء الثورة السورية على هذه الشاكلة لا يعني أن مطلب الثورة عند السوريين قد انتهى

اقرأ/ي أيضًا: صرخة خان شيخون في آذان عالم أصم

على هذا وبسببه، قد تنطلق موجة جديدة من الثورات العربية والشرق أوسطية، تعيد مطلب الموجة الأولى، أي الحرية والعدالة، وقد تكون سوريا خارج هذه الموجة، إلا في المناطق التي لم تشهد حراكًا ثوريًا طوال السنوات الخمس المنقضية، أي المناطق التي بقيت خاضعة لسيطرة النظام. أما في المناطق التي دخلها النظام بالقوة، وكذلك في المناطق التي احتلتها إيران وروسيا، فسنشهد على الأغلب عودة إلى حراك عسكري، على شاكلة حرب العصابات، أو حرب التحرير الشعبية، كما عرفناها في فيتنام وغير مكان من أمريكا اللاتينية وشرق آسيا، وهي ثورات خطت إستراتيجية طويلة الأمد للتحرير من قوات أجنبية، أو التحرر من أنظمة ديكتاتورية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قلب إيفانكا المحطم... ماذا عن قلوبكن؟

الثورة اليتيمة.. أكبر من مجرد ذكرى سادسة