04-أبريل-2017

(Getty) توم وايتس

"البؤس هو نهر العالم"، "كل شيء يذهب إلى جهنّم"،‬ و"الله غائب في عمل".. ‬بكلمات كهذه يكتبها أثناء ما يحتسيه من نبيذ في غرفة مهجورة، يمكننا فهم مفتاح الأفكار المثيرة للفنان السريالي الأمريكي توم وايتس.‬ لم أسمع أحدًا أطلق على توم وايتس صفة "سريالي" من قبل، إنما هي صفة تُعبّر ببساطة عن رؤيتي ورأيي بهذا الفنان المتفرد، الذي تعرفتُ عليه أول مرة في مدينة برلين، عندما حللتُ زائرًا على الراحل الجميل حسين الموزاني في حي شارل لوتينبرغ، وبعد كأسين من النبيذ بدأ توم وايتس يصرخ من شاشة اللابتوب: ‬
داخل ساعة مكسورة، ‬
نرشُّ النبيذ مع كل كلاب المطر‬
تاكسي.. تاكسي، ‬
نفضّل أن نمشي، ‬
أن نتجمهر على المدخل مع كلاب المطر‬
لأنني كلب مطر أيضًا. ‬

كان توم وايتس ينبحُ مثل الكلاب، مُقلدًا أصواتها بطريقةٍ مرعبة وغريبة للغاية. نباح مستمر وجنون على المسرح، إلى أن قلتُ للراحل حسين الموزاني: "إنّه مجنون!". ‬

السريالي هي الصفة التي يستحقها توم وايتس بجدارة، لكن أحدًا لم يطلقها عليه

اقرأ/ي أيضًا: العنصرية في ليلة تدمير موسيقى الديسكو

توم وايتس مُغنٍ وكاتب أغانٍ وملحن وممثل، ولد في مدينة كاليفورنيا عام 1949، فنانٌ يَعتبر الجمال عبارة عن قطعة زيت تُخلّفها سيارة في محطة وقود! وهو يمتلك شعبية كبيرة في الولايات المتحدة. عابث، لا يشعر بجدوى أي شيء، يحتفظ بمجموعة أسلحة في البيت، كما أن أكثر ما يميزه باعتقادي الشخصي هي طريقة كتابته للأغاني، حيث تتم بطريقة شعرية ملفتة وشفافة وذات معنى:
"بريء عندما تحلم، ‬
الخفافيش موجودة في برج الكنيسة‬
الندى في المستنقع‬
أين الذراعان اللتان احتضنتاني‬
وتعهّدت بحبّهما من قبل‬
وتعهّدت بحبّهما من قبل.

استثنائي هو توم وايتس في طريقة حياته وفنه ولاجدّيته، وفي كتابته للأغاني وفي التلحين أيضًا "سأبيعُ قلبكَ لرجل الخردة يا عزيزي، مقابل دولار، إن كنتَ تبحث عمّن يرفعك من المصرف، لن تملك الحظّ: السفينة تغرق، هناك تسرّب في غرفة البويلر".‬

أما صوت توم وايتس في الأغاني فهو أقرب إلى الصراخ، فهو منفعل على الدوام. لم أستطع أن أجد كلمة دقيقة لوصف صوته، قرأت في دراسة وصفًا لصوته يقول: "صوته يشبه صوت منشار أو صوت ارتطام خشب في غابة بعيدة!". أوصاف غريبة للغاية، لكن صوته هو الغريب، وهو الذي يجعلك تفكر بأن تصفه بأوصاف غير مألوفة.

وُصف صوت توم وايتس بأنه يشبه صوت منشار أو صوت ارتطام خشب في غابة بعيدة

لا نجاح للفن في أن يصل إلى أعماقنا بدون أن تحضر روح الفنان في عمله! ولذلك فإن توم وايتس يعيش الأغنية والكلمات، يعيش في العمق ليخرج عن السطح بطريقة غير واعية وغير مقصودة، وهو لا يؤدي الأغنية هادئًا أو متزنًا أو محترمًا حتى! وإنما يتحرك بشكل مزعج ويشتت الانتباه ويرقص ويحطم الميكروفون أحيانًا، يسحب الكابل ويلفه على عنقه صارخًا بشكل فظيع: ‬
إنه شعور حزين قديم‬
الحقول غضّة وخضراء‬
وما أقوم بسرقته هو الذكريات‬
لكنّك بريء عندما تحلُم‬

عندما ركضنا في المقبرة‬
ضحكت، أنا وأصدقائي‬
وأقسمنا أن نبقى مع بعضنا‬
حتى يوم مماتنا‬
حتى يوم مماتنا. ‬

اقرأ/ي أيضًا: خبز دولة.. موسيقى بهيئة رغيف

أخرج توم وايتس الكثير من الأسطوانات، ولحن الكثير من الأغاني، وكتب الشعر بصورة سحرية، ولا يزال على قيد الحياة حيث كلما يكبر في السن يزداد صوته غرابةً وتميزًا:
لقد قطعت وعدًا ذهبيًا
بأننا لن نفترق أبدًا‬
أعطيت حبيبتي قلادة‬
ثم كسرتُ قلبها‬
ثم كسرتُ قلبها.

اقرأ/ي أيضًا:

الحياة بوصفها "طنجرة ضغط"

نجيم بويزول.. ما يغنيه المهاجرون