جابت مسيرة شعبية، مساء أمس الإثنين، شوارع العاصمة التونسية، احتجاجًا على توقيف المحامي والقاضي السابق أحمد صواب من قِبل قوات الأمن، واقتياده إلى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب للتحقيق معه، على خلفية تصريحات أدلى بها أمام مقر دار المحامين، ندد فيها بالأحكام القضائية الصادرة ضد سياسيين ونشطاء وفاعلين في الشأن العام، المتهمين في ما يُعرف بـ"قضية التآمر على أمن الدولة". وكانت المحكمة قد أصدرت، السبت الماضي، أحكامًا وُصفت بالقاسية تراوحت بين 13 و66 عامًا، في قضية تعتبرها المعارضة "مفبركة من ألفها إلى يائها".
خلفية الاعتقال
لا يزال أحمد صواب، المحامي والقاضي السابق، قيد الاحتجاز، وهو الذي يتولى الدفاع عن بعض الموقوفين في القضية نفسها. وقد أعلنت الناطقة باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، حنان قدّاس، أن قاضي التحقيق أذن باحتجازه لمدة 48 ساعة على ذمة التحقيق، وقرر فتح تحقيق بحقه بتهم تتعلق بالإرهاب وجرائم الحق العام المرتبطة بها، من بينها: التهديد بارتكاب أعمال إرهابية لإجبار شخص على فعل شيء أو الامتناع عنه، وتعريض حياة شخص مشمول بالحماية للخطر، إضافة إلى التهديد بما يستوجب عقوبة جنائية.
وكانت عائلة أحمد صواب ومحاموه قد أكدوا أن قوات الأمن داهمت منزله قبل اقتياده إلى مقر القطب القضائي لمكافحة الإرهاب.
حذّرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان من انهيار دولة القانون في تونس
وأوضحت الناطقة باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب أنّ فتح التحقيق مع المحامي أحمد صواب جاء على خلفية مقطع فيديو متداول، ظهر فيه وهو يدلي بتصريح من أمام مقر دار المحامين، قال فيه: " السكاكن موش (ليست) على المعتقلين، السكاكن على رئيس الدائرة اللي باش (سوف) يحكم توا. برشا دوسيات (الكثير من الملفات)، متوليا القيام بإشارة الذبح باستعمال اليد على مستوى الرقبة"، مرفقًا عباراته بإشارة ذبح على مستوى الرقبة باستخدام يده.
في المقابل، يرى المدافعون عن أحمد صواب من نشطاء حقوقيين ومعارضين سياسيين أن العبارات والإشارة التي استندت إليها النيابة لا تخرج عن إطار الخطاب الرمزي، وأنها جاءت مجازية للتعبير عن حجم الخروقات التي شهدتها جلسات المحاكمة، ولا يمكن تصنيفها كتحريض أو تهديد، بل تُعد – بحسبهم – ممارسة مشروعة لحرية التعبير، صادرة عن رجل عُرف بمواقفه المستقلة وجرأته في الدفاع عن الحقوق والحريات، وفق ما ورد في بيان صادر عن أحد أحزاب المعارضة التونسية.
احتجاج شعبي
انطلقت مساء أمس الإثنين مسيرة شعبية في العاصمة التونسية احتجاجًا على اعتقال المحامي والقاضي السابق أحمد صواب، حيث بدأت من ساحة الجمهورية وصولًا إلى شارع الحبيب بورقيبة. وقد جاءت هذه المسيرة استجابة لدعوة أطلقتها عدة مكونات حقوقية وسياسية، على خلفية ما وصفته تنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين بـ"الإجراءات القمعية والتتبّعات العبثية التي تستهدف إسكات أصوات الحق والمدافعين عن الحريّة والكرامة والديمقراطية".
أصدر القضاء التونسي أحكامًا تراوحت بين 13 عامًا و66 عامًا بحق المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة" ومن بينهم معارضون ومحامون ورجال أعمال.
◀️ تقرؤون التفاصيل عبر ألترا صوت: https://t.co/Ph6DkJY9F2 pic.twitter.com/wF8BF5I8Ow
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 19, 2025
وشهدت المسيرة، بحسب ما أفاد به موقع "الترا تونس"، رفع شعارات مندّدة بالاستبداد والتتبّعات القضائية التي طالت عددًا كبيرًا من المعارضين السياسيين والنشطاء الحقوقيين وأصحاب الرأي، من بينها: "هايلة البلاد، قمع واستبداد"، "شادّين شادّين في سراح المعتقلين"، "حريات حريات، يا قضاء التعليمات"، "فاشل فاشل، الرئيس يُحكم فينا بالبوليس"، "فاشلة المنظومة، من قيس للحكومة"، و"شلكتوه الإرهاب، سيّب سيّب حمد صواب"، وغيرها.
إدانة من المعارضة
أدانت عدة أحزاب معارضة في تونس اعتقال المحامي والقاضي السابق أحمد صواب، من بينها الحزب الجمهوري، حزب التكتل، حركة النهضة، وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي. واعتبرت هذه الأحزاب أن توقيفه يعكس تمادي السلطة في محاولة إسكات أصوات المعارضين، بعدما ضاقت ذرعًا، حسب بياناتها، بحرية التعبير، وأصبحت تلجأ إلى تأويلات بعيدة لتجريم أي صوت مخالف.
وأكّد الحزب الجمهوري في بيانه أن تصريحات أحمد صواب لا تحتمل أي ربط بالإرهاب أو التهديد، مشيرًا إلى أنها "تندرج في إطار ممارسة مشروعة لحق التعبير، وخطاب قانوني صادر عن رجل عُرف باستقلاليته وجرأته ومبدئيته". واعتبر الحزب أن "استهداف رجال القانون والدفاع محاولة بائسة لإسكات ما تبقى من الأصوات الحرّة في البلاد".
من جهتها، وصفت حركة النهضة توقيف أحمد صواب بأنه "منعرج خطير في استهداف أعضاء هيئة الدفاع عن الموقوفين في ما يُعرف بقضية التآمر على أمن الدولة"، داعية السلطات إلى الكفّ عن "تحريف التصريحات وتلفيق التهم ضدّ المحامين بهدف الترهيب وإسكات الأصوات المدافعة عن الحقوق والحريات".
أما حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، فرأى في توقيف صواب "خطوة تهدف إلى بث الرعب في صفوف المواطنين، وتكميم الأفواه، ومزيد من التضييق على الأصوات الحرّة في تونس، في محاولة لصرف الأنظار عن التجاوزات المتكررة والفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة وخارجها".
عصام الشابي وجوهر بن مبارك يوجهان رسائل من السجن: "لن ترهبنا الأحكام"..
بقية التفاصيل هنا👈https://t.co/Iqzg6zbtve#تونس #Tunisia pic.twitter.com/FQH7ckpgvY— Ultra Tunisia الترا تونس (@ultra_tunisia) April 22, 2025
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان تُحذّر من انهيار دولة القانون:
قالت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تعليقها على التطورات الأخيرة في محاكمة النشطاء والسياسيين والمهتمين بالشأن العام، إن تونس تقف اليوم على "مفترق طرق خطير"، محذّرة من "انهيار دولة القانون"، وذلك في أعقاب ما وصفته بـ"الانتكاسة الخطيرة لمكاسب الحقوق والحريات"، عقب صدور أحكام قاسية بحق عشرات من المعارضين السياسيين والنشطاء المدنيين والإعلاميين، في ما يُعرف بـ"قضية التآمر على أمن الدولة".
ولفتت الرابطة، عقب متابعتها لمجريات المحاكمة، إلى "خطورة الانتهاكات والخروقات الإجرائية والقانونية" التي شابتها، مشيرة إلى أن "الأحكام صدرت دون توافر الأدلة أو القرائن القانونية الكافية، ودون تمكين المتهمين من حقهم في الحضور والمرافعة في جلسات علنية، كما لم تُتح فرص المتابعة لوسائل الإعلام والملاحظين ومكونات المجتمع المدني، في انتهاكٍ صارخ لحقوق الدفاع ومبدأ المواجهة القضائية".