02-يناير-2016

صورة لتسونامي في الهند سنة 2004(أ.ف.ب)

في مشهد مُثير للرّعب ترتفع موجة بحجم الجبل على الساحل الأطلسي مُتجاوزة صومعة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، وفي ثوانٍ قليلة تَرتطم الموجة بهذا الصرح المعماري مُخلفة دماره ودمار كل البنايات الساحلية. يحدث هذا في مشهد مُعدّل بتقنية ثلاثية الأبعاد ضمن فيلم وثائقي لقناة "ديسكوفري" حول تسونامي ضخم من المتوقع أن يضرب أربع قارات.

يرى الخبراء أن المغرب، بحكم التغيرات المناخية وموقعه الجيواستراتيجي، معرض بشكل كبير لمختلف أنواع الكوارث الطبيعية

يرى الخبراء الذين يُدفع لهم من أجل توقع أسوأ السيناريوهات، أن العالم سوف يشهد خلال القرن الحالي كوارث طبيعية غير مسبوقة. والمغرب بحكم التغيرات المناخية وموقعه الجيواستراتيجي معرض بشكل كبير لمختلف أنواع الكوارث الطبيعية فضلًا عن انعكاساتها السوسيواقتصادية.

التسونامي الضخم

كان المغرب منذ ماضيه السحيق معرضًا لكوارث عديدة، وقد أحصى باحثون نحو عشرين تسونامي ضرب المغرب منذ القرن الميلادي الرابع. وارتبطت ظاهرة التسونامي بالمثل المغربي القديم "البحر لا أمان له" من حيث أنها تأتي فجأة دون سابق إنذار مخلفة دمار كل المنشآت على الساحل وهلاك آلاف الأرواح في وقت وجيز.

وتُشكل الواجهة الأطلسية 14% من مُجمل مساحة المغرب، يتكدس داخلها حوالي نصف إجمالي السكان. وتتمركز على الواجهة البحرية معظم الاستثمارات السياحية والصناعية وأهمها الكيماويات والنسيج والصناعات الميكانيكية والكهربائية. ولايزال المغرب مستمرًا في إقامة استثماراته الاقتصادية على حدود البحر.

عادة ما ينبع التسونامي من المذنبات أو الزلازل، لكن موجة الميغا تسونامي أو التسونامي الضخم سوف تنبع من جزيرة "لابالما"، وهي جزيرة تبدو هادئة ضمن جزر الكناري الواقعة بالقرب من السواحل الجنوبية للمغرب. ويسيطر على الثلث الجنوبي من الجزيرة المذكورة بركان قديم يدعى "كومبري فيخا" وهو بركان غير اعتيادي، أي أنه لا يحتوي على فوهة بركانية ضخمة وإنما على قمة الجبل مجموعة من الفوهات والحفر التي أنشئت على مدار آلاف السنين.

تُشكل الواجهة الأطلسية 14% من مُجمل مساحة المغرب، وتتمركز بها معظم الاستثمارات السياحية والصناعية

هناك نظرية من الصعب تصديقها، هي التي لدى "سايمون دي" من مركز بينفيلد للأبحاث في جامعة لندن، و"ستيفن وارد" من جامعة كاليفورنيا. حيث أن الطريقة التي يَتخيل بها هذان الخبيران حدوث موجة التسونامي الضخم، هي أن ينفصل جزء من جزيرة لابالما وينزلق نحو البحر. وتُظهر النَمذجة الرقمية التي أعدها "وارد" و"دي" بأن انهيار بركان "كمبري فيخا" سَيسبقه أسابيع من العنف، ستقذف فتحات البركان الكثير من الغبار البركاني وتُعتّم السماء، وتتدفق الحمم البركانية من الشقوق وتنساب أسفل المنحدر إلى البحر ثم تنفصل الجزيرة وتنشأ موجة ضخمة بارتفاع 900 متر. في غضون دقائق سوف تُدمر الموجة معظم جزر الكناري، وبعد ساعة سوف يُدمر التسونامي الضخم أجزاء من إفريقيا الشمالية وأوروبا وقبل نهاية النهار ستواجه جزر الكاريبي وأمريكا الشمالية والجنوبية أمواجًا عاتية.

على خلاف ذلك يعتقد خبير علوم البحر الأمريكي "تشيك واتسون" أن فرضية التسونامي تلك مستحيلة التوقع ويرى في فرضية جديدة له بأن النمذجة الرقمية لحدوث التسونامي المذكور تُعطي علو موج لن يتعدى خمسة أمتار في أكثر الحالات تشاؤمًا. فضلًا على أن التسونامي سوف يتوغل في المحيط الأطلسي غربًا وليس شرقًا نحو الشواطئ المغربية.

جفاف، جوع وسيول

يعتمد المغرب في مخزونه المائي على التساقطات، وبسبب انحباس الأمطار تراجعت نسبة المياه في السدود. حيث أعلنت مؤخرًا الوزارة المكلفة بالماء أن "حقينة السدود الرئيسية بالمغرب بلغت 9.88 مليار متر مكعب بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر 2015، مُسجلة بذلك معدل ملء بلغ 63.5% وهو ما يقل عن نسبة الملء المُسجلة خلال نفس الفترة من 2014، والتي بلغت 11 مليار و15 مليون متر مكعب، بنسبة 71.7%.

وفق العديد من المعطيات، فإن المغرب يُصنف في خانة الدول التي ستعاني نقصًا حادًا في الموارد المائية خلال المستقبل القريب. لقد حذر تقرير عن معهد الموارد المائية بجامعة كاليفورنيا، أن يكون المغرب ضمن العشرين بلدًا الأكثر تضررًا من مشكلة نقص المياه بعد خمسة وعشرين عامًا، بسبب التغيرات المناخية والتنمية الاقتصادية والتمدن والنمو السكاني. كما نشرت الأمم المتحدة على موقعها خريطة لوضعية الموارد المائية في العالم، وصَنفت المغرب ضمن الدول التي ستعاني من تراجع كبير في موارده المائية خلال 2025. ووفقًا للأمم المتحدة فإن نصيب الفرد من الماء يجب أن يكون ألف متر مكعب سنويًا، في حين أن نصيب الفرد المغربي من الماء هو 720 متر مكعب في كل سنة.

يَزور الجفاف المغرب مرة كل ثلاث سنوات، وهو ما أثر تأثيرًا بالغًا على الاقتصاد الوطني الذي يعتمد إلى حد كبير على النشاط الفلاحي. وحذرت دراسة حديثة للوكالة الأمريكية لأبحاث الفضاء "ناسا" أن يطال المغرب أزمة غذاء بحلول سنة 2030، بسبب تراجع إنتاجه الفلاحي خصوصًا إنتاج الحبوب، مؤكدة أن يكون ذلك نتيجة الاحتباس الحراري، الذي سيؤثر سلبًا على حجم التساقطات المسجلة كل سنة، وهي التي يُعول عليها المغرب بشكل كبير في إنتاجه للطعام.

وتقول دراسة أنجزها البنك الدولي في مجموعة من دول العالم، إن سواحل إفريقيا الشمالية هي ثاني منطقة في العالم من حيث التعرض لخطر التغيرات المناخية كالفيضانات والتعرية الساحلية. وتؤكد دراسة رسمية نُشرت نتائجها في يونيو 2013، إن الأضرار الناجمة عن الفياضانات يمكن أن تصل 300 مليون دولار في السنة. علاوة على آلاف الأرواح التي أودت بها السيول على مر العقود الخمسة الماضية.

جاء في دراسة للبنك الدولي أن سواحل إفريقيا الشمالية هي ثاني منطقة في العالم من حيث التعرض لخطر التغيرات المناخية كالفيضانات

استراتيجية ما بعد الكارثة

كان تسونامي 2004 الذي ضرب سواحل آسيا الجنوبية درسًا للعديد من الدول التي تبنت استراتيجية جادة تهدف إلى التخفيف من أضرار الكوارث الطبيعية. لكن المغرب يبدو غير مكترث بالمخاطر المُحدقة به من خلف الأفق الأزرق الذي يبدو هادئًا اليوم، فهو لايزال كما قلنا يُكثف من جهوده الاستثمارية على الخط البحري. فضلًا عن أن البنية التحتية هشة لا تحتمل حتى الأمطار الغزيرة التي تتحول في لحظة إلى سيول مُدمرة وقاتلة.

لقد أظهرت الكوارث الطبيعية التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة ضعف سياسة صناع القرار في التعامل مع مثل هذه الحوادث حيث اقتصرت الجهود على مرحلة مابعد الكارثة. وخلال تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2014 تعرضت مدينتا ورزازات وكلميم في الجنوب المغربي لفيضانات بسبب الأمطار الغزيرة التي وصفت آنذاك بالاستثنائية. بدل أن يخفف المسؤولون من معاناة المتضررين اعتمدوا كوسائل للإنقاذ النعوش البدائية وشاحنات النفايات لنقل الجثامين.

اقرأ/ي أيضًا:

المغرب "العميق".. والرحلة الأصعب نحو المعرفة

صحراء المغرب.. وجهة للترفيه والاستشفاء