23-أغسطس-2021

توقعات سوداوية بشأن أزمة المناخ العالمية (أ.ب)

لا تزال تداعيات مسودة التقرير الذي أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لدى الأمم المتحدة ترخي بظلالها على العالم، وبالأخص منطقة "الشرق الأوسط" التي اعتبرت من أكثر المناطق تأثرًا بالتغيير المناخي الذي من المتوقع أن يؤدي إلى موجات حر غير مسبوقة، ظهرت معالمها بشكل واضح بعد موجة الحرائق المستعرة التي ضربت جنوب تركيا.

لا تزال تداعيات مسودة التقرير الذي أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لدى الأمم المتحدة ترخي بظلالها على العالم

لمحة سريعة عن تقرير الهيئة الحكومية الدولية

التقرير الذي من المتوقع أن يصدر رسميًا في شباط/فبراير القادم، حذر في مسودته من أن أكثر من نصف مليار شخص يسكنون في منطقة الشرق الأوسط قد يواجهون "مخاطر مناخية مترابطة للغاية"، موضحًا بأن "دواعي القلق تشمل مخاطر على صلة بارتفاع منسوب البحر وخسارات في التنوع الحيوي البري والبحري ومخاطر مرتبطة بالجفاف وحرائق الغابات وتغيّر دورة المياه وإنتاج الغذاء المعرّض للخطر، إضافة للمخاطر الصحية في المستوطنات الحضرية والريفية جرّاء الحرارة الشديدة وتبدّل ناقلات الأمراض".

اقرأ/ي أيضًا: تركيا: دعم عاجل من عدّة دول للمساعدة في إخماد حرائق الغابات

التوقعات التي ورت في مسودة التقرير أضافت بأن منطقة المتوسط ستشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة أسرع من المعدّل العالمي في العقود القادمة، وهو الأمر الذي سيهدد في حال حدوثه قطاعات مؤثرة في الحياة اليومية لسكان المنطقة، بما في ذلك الزراعة والثروة السمكية والسياحة، والتي يصفها التقرير بأنها "حيوية للغاية"، حيثُ تذهب التوقعات إلى تراجع المحاصيل الموسمية التي تعتمد على الأمطار بنسبة 64 بالمائة.

وكذلك، فقد أفادت مسودة التقرير الأممي أن 71 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيكون معرضًا لضغط ناجم عن شح المياه بدرجة عالية أو عالية جدًا، كما أن الأمر ذاته سيؤثر على 61 بالمائة من سكان المنطقة، مضيفًا توقعات يمكن وصفها بالسوداوية فيما يخص مساحات الغابات المحترقة التي قد تصل نسبتها إلى 87 بالمائة مع ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض لدرجتين مئويتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

وفيما كان قد أدى الاحترار العالمي حتى الآن إلى ارتفاع حرارة الكوكب ب1.1 درجة مئوية، فإن التقرير وصف منطقة الشرق الأوسط بأنها ستكون "مركز التغيّر المناخي"، وخلص في نهايته إلى أن الحد من الاحترار العالمي ليبقى ما دون الدرجتين مئويتين، وهو الهدف الأساسي لاتفاقية باريس الموقعة عام 2015، سيكون وحده القادر "على الأرجح على المحافظة على المستوطنات الساحلية ومواقع التراث الثقافي والأنظمة البيئية البرية والمحيطات بوضع قابل للحياة في معظم أجزاء حوض (المتوسط)".

نظريات المؤامرة تسيطر على موجة الحرائق

كان نشر التقرير في وسائل الإعلام الغربية مصحوبًا بموجة الحرائق المستعرة التي اندلعت في أماكن مختلفة من العالم، بدءًا من لبنان حتى تركيا وصولًا إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، بما يشمل الولايات المتحدة وروسيا.

ما كان لافتًا في تعاطي الرأي العام مع موجة الحرائق الأخيرة، هو ترويج نظريات مؤامرة في عدة مناطق. على سبيل المثال، تم اتهام حزب العمال الكردستاني، المدرج على لائحة الإرهاب في عدة دول، أنه كان وراء اندلاع موجة الحرائق الأخيرة في تركيا .وفيما دمرت الحرائق عشرات آلاف الأمتار من مساحات الغابات الشاشعة من سواحل المتوسط خلال الأسابيع الماضية، حيثُ سجل مقتل ثمانية أتراك على الأقل، بينما أصيب المئات من موجة الحرائق المستعرة، فإن الحديث يوجه مع عودة موجة الحرائق كل عام إلى اتهام أشخاص بإضرام الحرائق عمدًا، وهو ما يمثل تجاهلًا واضحًا للأزمة المناخية العالمية.

في هذا السياق، تشير الباحثة المناخية جوكسي سينكان في حديثها لصحيفة الإندبندنت البريطانية إلى أن "مواطني إيطاليا يعتقدون أن المافيا هي من أضرمت النيران، ويرى اليونانيون أن الأتراك هم من فعلوها، بينما يعتقد الأتراك أن حزب العمال الكردستاني هو السبب، لكن أحدًا منهم لم يتوقف ليفكر: هل رتبوا جميعًا لإضرام النيران في نفس الأسبوع؟ هذا لأن الناس لا يُحبون التركيز على الصورة الكبرى".

روسيا.. تجاهل عام للأزمة المناخية

في روسيا تبدو الحالة مشابهة وفقًا لتقرير من إعداد صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إذ إنه على الرغم من أن الحرائق التي تشهدها سيبيريا تعتبر أكبر من موجة الحرائق التي شهدتها اليونان وتركيا وإيطاليا والولايات المتحدة وكندا مجتمعة، فإن الحديث يجري في الأوساط العامة عن أن رجال الأعمال النافذين بالاشتراك مع المسؤولين الروس الفاسدين هم الذين يتسترون على مفتعلي الحرائق، بدون أن يكون هناك أي دليل يدعم هذه النظرية.

عند الحديث عن الحالة الروسية يبرز لنا – وفقًا للخبراء – تلاعب مسؤولي الأقاليم بالإحصائيات النهائية للأضرار التي خلفتها الحرائق الموسمية، ومع ذلك على الرغم من عدم إمكانية إخفاء الحرائق الناشبة نظرًا لانتشار الأقمار الصناعية، فإن المسؤولين الروس لا زالوا يحاولون في بعض الأحيان عدم الإشارة إلى الحرائق التي اندلعت في أقاليمهم، فضلًا عن أنه يجري التركيز على الغابات المعرضة للخطر بدون أن يذكروا أي إحصائيات مرتبطة بالحياة البرية والحيوانات النافقة.

وبدلًا من ذلك، يوجه الرأي العام الروسي اتجاه الشائعات التي تشير إلى أن المسؤولين الفاسدين ورجال الأعمال هم من يقومون بإضرام الحرائق للتستر على قطع الأشجار غير القانوني، وهو ما يمثل كما يقول خبراء تجاهلًا للأزمة المناخية المتصاعدة في روسيا منذ سنوات. إذ إنه على سبيل المثال لا الحصر، ذكرت دراسة من إعداد منظمة السلام الأخضر أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي نجمت عن حرائق الغابات الروسية في شهر واحد خلال العام الماضي تساوي الانبعاثات الناجمة في السويد لكامل العام الماضي.

كيف ستؤثر الأزمة المناخية على الكوكب بعد عقدين من الآن؟

يمكننا الإشارة سريعًا قبل الحديث عن دور الأنظمة الاستبداية في الأزمة المناخية إلى تقرير مكتب مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكي الذي تنبأ بشكل العالم في عام 2040 على مستويات مختلفة، موضحًا أن التأثيرات المادية للتغير المناخي ستظهر خلال العقدين القادمين.

وفقًا لتوقعات التقرير الاستخباراتي الذي نشر في آذار/مارس الماضي فإن الأزمة المناخية لن تقف عند حدود ذوبان الجليد في القطب الشمالي، أو حتى ارتفاع مستوى البحر إلى درجة تتراوح ما بين ثلاثة إلى 14 بوصة خلال العقدين القادمين، بل يُضاف إلى ذلك موجات الحر التي ستؤدي إلى المزيد من الكوارث البيئية، حيث ستصبح المناطق الجافة أكثر جفافًا، والمناطق الرطبة أكثر رطوبة، وسنشهد أيضًا زيادة في التدهور البيئي.

وهو ما يقودنا إلى توقعات التقرير الاستخباراتي بأن تؤدي الأزمة المناخية إلى زيادة الاضطرابات والانقسامات السياسية، كما الحال مع الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة التي ينظمها الشباب في مناطق مختلفة من العالم، فضلًا عن دخول الأحزاب القومية والشعبوية على خط الأزمة المناخية موظفة خطابها في التحذير من أن مشاريع الإصلاح البيئي ستؤثر سلبًا على الاقتصادات المحلية.

وأضاف التقرير بأن الخلاف حول الشفافية والمسؤولية البيئية والإجراءات المتبعة للحد من التغير المناخي سيزداد بين الدول، وكذلك سنشهد المزيد من الصراعات في سبيل الحصول الغذاء والماء والمعادن والطاقة، وستندلع صراعات بسبب المجاعات، بينما ستتجه دول روسيا والصين والهند للاستفادة من ذوبان الجليد في القطب الشمالي بحثًا عن طرق تجارية أقصر.

وكذلك فإن الأزمة المناخية ستؤثر على المشهد الجيوسياسي العالمي بشكل كبير بعد عقدين من الآن، بما يشمل تأثر الدول التي تعتمد على النفط كمصدر رئيسي في اقتصاداتها، بعد أن يتلاشى نفوذها النفطي بانحسار الآبار واختفائها مع مرور الوقت، مما يجعلها تفقد مكانتها في المشهد السياسي العالمي.

هل تستطيع الأنظمة الاستبدادية المساعدة في الأزمة المناخية؟

في مقال مطوّل للباحث في العلاقات الدولية بجامعة ليدز بالمملكة المتحدة، ألكسندر بتلر، نشر في مجلة ذا دبلومات الأمريكية نهاية الشهر الماضي، يناقش فيه دور الأنظمة الاستبدادية في الأزمة المناخية العالمية من خلال تحليل خطاب الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، والذي يمكن اختصاره بأن الأنظمة الاستبدادية أو الشمولية هي الوحيدة القادرة على مواجهة الأزمة المناخية.

ما يهمنا من مقال بتلر البحثي هو ما خلص إليه معتبرًا أن "الحماس المفرط تجاه قدرة السلطوية على التخفيف من تأثيرات تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية يتجاهل أهمية الحملات الشعبية من الأسفل إلى الأعلى في تحفيز النقاش العام، وتحقيق العدالة المناخية، وحمايتها"، وذلك مرجوعه إلى أن الواقع يشير إلى أن "الحكومات السلطوية لا تواجه الضغوط نفسها، أو الحوافز المألوفة للحكومات الديمقراطية من دون الضوابط والتوازنات التراكمية التي تمارسها الصحافة الاستقصائية، والنشطاء، والشخصيات العامة، والمنظمات غير الحكومية".

ويؤكد بتلر في مقاله على أن المجتمع المدني تمكّن من توقير الزخم لسياسة المناخ، مذكرّا بالقضية التاريخية التي رفعتها مؤسسة أ أورجندا ضد دولة هولندا في عام 2013 بسبب تحفيز المجتمع المدني على المستوى العالمي، ما أدى لاحقًا إلى ظهور العديد من القضايا المماثلة في دول نيوزيلندا، إيرلندا، النرويج، بلجيكا، المملكة المتحدة، ألمانيا، فرنسا، وسويسرا.

ويرى بتلر أن المدافعين عن النموذج السلطوي يتغاضون كذلك عن التفويض الذي تملكه جهات فاعلة مختلفة، سواء تابعة للدولة، أو غير حكومية، في التخفيف من تأثيرات تغير المناخ. وعلى الرغم من أن خروج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من اتفاق باريس لعام 2015 كان مقلقًا، فقد شهدنا أيضًا التفويض الجماعي للمدن المستقلة نسبيًّا في إعادة تأكيد التزاماتها باتفاق باريس، بما في ذلك رؤساء البلديات من لوس أنجلوس إلى مدينة نيويورك الذين أكدوا على التزامهم بالاتفاقية، بغض النظر عن الخيارات التي اتخذتها إدارة ترامب حينها.

يشدد بتلر على أنه بدون حرية التعبير، أو حرية الصحافة، لا يمكن للمجتمع المدني النشط أن يزدهر، ويظل النقاش الهادف بشأن تغير المناخ راكدًا وخاضعًا للرقابة

ويشدد بتلر على أنه بدون حرية التعبير، أو حرية الصحافة، لا يمكن للمجتمع المدني النشط أن يزدهر، ويظل النقاش الهادف بشأن تغير المناخ راكدًا وخاضعًا للرقابة. وكانت هذه هي الحال مع التلميذة الصينية أو هونجيي التي ألهمتها حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل" العالمية، بعدما قمعتها السلطات الصينية بسرعة مشترطة عليها التخلي عن نشاطها المناخي مقابل العودة إلى المدرسة. 

 

حرائق تركيا: إعلان ولايات أنطاليا وموغلا ومرسين وأضنة "مناطق منكوبة"