19-مارس-2025
المهاجرين في ليبيا

وضع مأساوي للمهاجرين في ليبيا (رويترز)

تصاعد الجدل في ليبيا بشأن قضية المهاجرين واللاجئين، خصوصًا مع تداول أنباء عن وجود خطة دولية لتوطين بعضهم في البلاد، وهو ما نفته الحكومة الليبية مرارًا. ورغم هذا النفي الرسمي، فإن بعض الأطراف السياسية لا تزال تثير القضية، محذرةً من تداعياتها المحتملة على الأمن والسلم في البلاد.
ويرى مراقبون أن تسييس هذه القضية وتحويلها إلى محور جدل إعلامي وقضية رأي عام قد يزيد من المخاطر التي يواجهها المهاجرون واللاجئون، خاصة بعد اكتشاف مقابر جماعية لمهاجرين قُتلوا على يد جهات لم تُحدد بعد. وقد دفعت هذه الحوادث منظمات حقوق الإنسان إلى إطلاق تحذيرات عاجلة، والمطالبة بتحقيقات موسعة، إلى جانب مراجعة الاتفاقيات التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع الحكومة الليبية في ملف الهجرة واللجوء.
وفي هذا السياق، دعت أكثر من 30 منظمة دولية، من بينها "هيومن رايتس ووتش"، إلى تعليق التمويلات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لليبيا، معتبرةً أنها لم تحقق الهدف المنشود في تحسين ظروف المهاجرين، بل زادت من معاناتهم. وأكدت هذه المنظمات أن تلك الأموال يجب أن تُخصص لإنقاذ الأرواح، وخلق بدائل آمنة تتيح للفارين من ليبيا تجنب الرحلات البحرية المحفوفة بالمخاطر.

بطغيان قضية توطين المهاجرين على باقي القضايا المتعلقة بالهجرة، تمّت التغطية على الواقع المأساوي الذي يعيشه المهاجرون والانتهاكات التي يتعرضون لها من طرف عصابات الاتجار بالبشر، في ظلّ اتهامات للجهات الرسمية بحرمان المهاجرين من أبسط الحقوق.

تتزايد حدة الجدل في ليبيا حول ملف المهاجرين واللاجئين، خاصة في ظل مزاعم بوجود خطة دولية لتوطين بعضهم داخل البلاد. ورغم النفي المتكرر للحكومة الليبية لهذه الادعاءات، فإن بعض الأطراف السياسية ما زالت تثير المخاوف، محذرةً من تداعيات محتملة على الأمن القومي والتركيبة الديموغرافية للبلاد.

وتشير الإحصائيات الأممية إلى وفاة أكثر من ثلاثة آلاف مهاجر العام الماضي خلال محاولتهم عبور البحر المتوسط من الشواطئ الليبية إلى أوروبا. وفي ظل غياب بيانات دقيقة حول عدد المهاجرين الموجودين داخل الأراضي الليبية، تقدر بعض المصادر عددهم بنحو ثلاثة ملايين، بينما ترى جهات أخرى أن هذا الرقم مبالغ فيه. لكن ما يتفق عليه الجميع هو أن ليبيا تظل محطة عبور رئيسية للمهاجرين وليس وجهة للإقامة الدائمة.

مع هيمنة قضية توطين المهاجرين على المشهد، تراجع الاهتمام بالواقع المأساوي الذي يعيشه هؤلاء المهاجرون والانتهاكات الجسيمة التي يتعرضون لها على يد عصابات الاتجار بالبشر. وفي ظل اتهامات متزايدة من منظمات حقوقية، تواجه الجهات الرسمية اتهامات بحرمان المهاجرين من أبسط حقوقهم الأساسية.

وفي هذا السياق، حذرت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، من "استمرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تطال المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا، بمن فيهم الأطفال، والتي تشمل التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية".

انفجار أزمة التوطين بعد اجتماع التومي وجيوردانو

تصاعدت المخاوف بشأن التوطين بعد لقاء جمع وزير الحكم المحلي الليبي، بدر الدين التومي، برئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، نيكوليتا جيوردانو. أعقب الاجتماع تداول معلومات تفيد بموافقة الحكومة الليبية على مشروع "يهدف إلى جعل ليبيا مركز استقرار دائم للمهاجرين الساعين إلى العبور نحو أوروبا".

ورغم أن الحكومة الليبية أصدرت بيانًا نفت فيه الموافقة على أي برامج توطين، ووصفت المعلومات المتداولة بأنها "أخبار مضللة لا أساس لها من الصحة"، فإن الجدل لم يهدأ، بل زادت حدته بانضمام عدة أطراف سياسية إلى النقاش.

المجلس الأعلى للدولة يرفض التوطين

أصدر المجلس الأعلى للدولة بيانًا أعرب فيه عن رفضه القاطع لما أسماه "تحركات بعض المنظمات الدولية نحو برامج الإدماج"، مشددًا على أن أي محاولة لتوطين المهاجرين في ليبيا تعد "انتهاكًا للسيادة الوطنية وخطرًا ديموغرافيًا يهدد أمن البلاد ومستقبلها". كما أكد رئيس المجلس خالد المشري أن ليبيا تلتزم بالاتفاقية الموقعة مع المنظمة الدولية للهجرة عام 2005، لكنه أشار إلى الحاجة لمراجعتها، رافضًا أي مخرجات لاجتماعات غير رسمية، في إشارة إلى لقاء التومي وجيوردانو.

وأضاف البيان أن "الوضع الأمني الهش في ليبيا يشكل عاملًا إضافيًا لرفض التوطين، إذ أصبح المهاجرون عرضة للاستغلال من قبل عصابات إجرامية أو للانخراط في تشكيلات مسلحة".

رفض سياسي واسع لمشاريع التوطين

لم يقتصر الرفض على المجلس الأعلى للدولة، إذ أصدر "ائتلاف القوى السياسية في ليبيا" بيانًا نبّه فيه إلى خطورة مشاريع التوطين، محذرًا من "فرضها على ليبيا من الخارج"، ومؤكدًا أن هذه الخطط ستزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

أما بعض أعضاء مجلس النواب المعارضين لحكومة عبد الحميد الدبيبة، فقد استغلوا القضية لتصعيد هجومهم على الحكومة. وقال النائب علي الصول إن الحكومة "غير موثوقة في نفيها لوجود توجه نحو التوطين"، مشيرًا إلى أن الاتفاقات التي توقعها مع جهات دولية، مثل المنظمة الدولية للهجرة، قد تكون مقدمة لفرض التوطين بشكل غير مباشر.

بدورها، أصدرت كتلة التوافق الوطني في المجلس الأعلى للدولة بيانًا اعتبرت فيه أن هناك محاولات لتحويل "ليبيا إلى سجن مفتوح أو مركز احتجاز دائم للمهاجرين".

توضيحات الحكومة الليبية

في ظل تصاعد الجدل، أصدرت وزارة الحكم المحلي الليبية بيانًا نفت فيه بشكل قاطع "ادعاءات التوطين"، مؤكدة أن تعاونها مع المنظمة الدولية للهجرة يقتصر على "دعم قدرات البلديات في تنظيم وإدارة النزوح الداخلي للمواطنين الليبيين وفق الأطر القانونية". كما شدد البيان على التزام الوزارة بالسياسات العامة للدولة الليبية ورفضها القاطع لأي مشاريع توطين للمهاجرين غير الشرعيين تحت أي مسمى.

وأوضحت الحكومة أن مواقفها يتم تحريفها "لإثارة البلبلة والتشويش على الرأي العام"، مؤكدة التزامها بمخرجات منتدى الهجرة عبر المتوسط، الذي استضافته العاصمة طرابلس في يوليو/تموز 2024، والذي شدد على رفض أي حلول تتضمن توطين المهاجرين داخل ليبيا.