10-فبراير-2025
الكونغو الديمقراطية

الصراع في الكونغو الديمقراطية يضع حياة المدنيين على المحك (رويترز)

استولى المتمردون من حركة إم 23، المدعومة من رواندا، على مزيدٍ من الأراضي شرقي الكونغو الديمقراطية، الأمر الذي فاقم من وضع الأزمة الإنسانية في البلاد وزاد من مخاطر تصعيد الصراع إلى مستوى حربٍ إقليمية أوسع نطاقًا.

وعلى الرغم من عقد قمة إفريقية طارئة في تانزانيا، نهاية الأسبوع المنصرم، بحضور كلٍّ من الرئيس الكونغولي تشيسكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي، وتمخّض تلك القمة عن تعهّدات بوقفٍ فوري وغير مشروط لإطلاق النار، إلّا أنّ الأعمال القتالية التي هدأت نسبيًا بالتزامن مع القمة سرعان ما عادت، مهدّدةً مرةً أخرى بعواقب إنسانية وجيو سياسية وخيمة.

وفيما يلي نسلّط الضوء على خلفيات هذا الصراع واحتمالات تسويته أو تصاعده، وذلك على ضوء مجريات أحداثه ما بين الماضي والحاضر.

وفي أحدث حلقة من الصراع طويل الأمد في شرق الكونغو الديمقراطية عمِدت حركة إم 23 ـ بعد انهيار محادثات السلام في كانون الأول/ديسمبر الماضي ـ إلى شنّ هجومٍ عسكري مباغت، مكّنها من الاستيلاء على مدينة غوما، عاصمة مقاطعة شمال كيفو، وفي الوقت الذي ظنّ فيه كثيرون أنّ الحركة قد تكتفي بذلك، بدأت بالتحرّك جنوبًا، نحو عاصمة جنوب كيفو بوكافو، في محاولةٍ منها توسيعَ نطاق الأراضي الخاضعة لسيطرتها.

من المستبعد أن تتمكن حركة إم 23 من السيطرة على مفاصل الحكم في الكونغو الديمقراطية، وبالتالي فإنّ الهدف الواقعي الذي يمكن أن تحقّقه يقتصر حتى اللحظة على السيطرة على الشرق

وعلى الرغم من تضافر الآراء حول أنّ الهدف حاليًا يكمن في السيطرة على تلك المنطقة الغنية بالمعادن النادرة والإستراتيجية، إلّا أنّ ذلك التوسع يضع على المحك "مصير المدنيين هناك الذين يتعرضون بشكل متكرر لهجمات على أساسٍ عرقي".

وفي هذا الصدد تحدثت صحيفة الغارديان عن توظيفٍ كبير للعنف الجنسي كسلاح حرب، حيث تواترت الأخبار المروعة عن "اغتصاب مئات السجينات في سجن غوما وحرقهن أحياء بعد هروب جماعي من السجن الأسبوع الماضي".

يشار إلى أن تاريخ الصراع الذي يعود إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي ارتبط بانتهاكات إنسانية مريعة، شملت القتل على أساس عرقي وإجبار الأطفال على حمل السلاح، ونزوح الملايين ومقتل حوالي 6 ملايين شخص.

وفي المعارك الحالية، كشفت إحصائيات الأمم المتحدة عن مقتل نحو 3000 شخص، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع، كما نزح أكثر من 700 ألف شخص، بالإضافة إلى 3 ملايين فروا من منازلهم العام الماضي.

 بالإضافة إلى وضعه المدنيين على المحك فإنّ توسّع حركة إم 23 يضع على المحك أيضًا مسألة الحدود مع البلدان المتاخمة، وذلك إذا أخذنا في الاعتبار أنّ لدى حركة أم 23 مشروعًا "انفصاليًا" أو "إدماجيًا" بناءً على رؤيتها بحقّ سكانٍ من التوتسي خارج الكونغو في رواندا وكينيا وأوغندا في الحصول على جنسية الكونغو الديمقراطية والاستقرار فيها.

خلفية الصراع

تُعدّ موجة العنف الجديدة أحدث حلقةٍ من صراعٍ دام عقودًا من الزمان، إذ يعود الصراع في جذوره إلى الإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا المجاورة عام 1994، والتي قُتِل فيها حوالي 800 ألف شخص من أقلية التوتسي العرقية على يد الأغلبية "الهوتو". فمع انتهاء الإبادة الجماعية، فرّ حوالي مليون من الهوتو إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية التي كانت تسمى آنذاك زائير خوفًا من الانتقام، الأمر الذي نقل الأزمة إلى الكونغو التي اشتعلت فيها الحرب.

ومن حينها تسعى رواندا بحكومتها التي تقودها أقلية التوتسي إلى التدخل وممارسة النفوذ في شرقي الكونغو الديمقراطية، وقد وجدت ضالّتها لاحقًا في حركة إم23 المكونة بشكل كبير من أقلية التوتسي، وعلى الرغم من عدم اعتراف رواندا رسميًا بعلاقتها بالمتمردين في حركة إم23، وتشديدها على أنّ أولويتها في المنطقة هي مواجهة ميليشيات الهوتو وبالتحديد ما تسمى "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، التي تقول كيغالي إنها تشكل تهديدًا بإبادة جماعية ضد التوتسي، إلّا أنّ جميع المصادر، بما فيها الأمم المتحدة، تؤكد أنّ جماعة أم23 المسلحة "تحظى بدعم ضمني وعملي من رواندا".

وفي الصراع الدائر حاليًا شرقي البلاد تتهم السلطات في الكونغو الديمقراطية رواندا بتزويد إم 23 بالمقاتلين والأسلحة. يشار إلى أن الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي  تعهد عام 2023 بشن هجوم لقمع المتمردين لكن هذا الجهد سرعان ما فشل، واستولت حركة إم 23، بدعم من القوات الرواندية هذه المرة، على أراض جديدة.

مشروع إم 23

تستمد الحركة اسمها من اتفاق السلام الموقع بتاريخ 23 آذار/مارس عام 2009، الذي يدّعي المتمردون أن حكومة كنشاسا تنكّرت له.

وتشير المعلومات المتوفرة إلى أنّ الحركة تشكلت "من بقايا جماعة متمردة من التوتسي"، وتصرّح الحركة في منشوراتها أنّ هدفها هو حماية "التوتسي في المنطقة بسبب العنف العرقي الذي يتعرضون له".

ويضيفون على ذلك سعيهم إلى "ضمان الاعتراف باللاجئين من التوتسي الذين أُجبروا على الفرار إلى رواندا وأوغندا وبوروندي كمواطنين في جمهورية الكونغو الديمقراطية"، لكنّ السلطات في الكونغو الديمقراطية تعتبر أن ما تقوله الحركة هو مجرّد تغطية على المساعي الرواندية لبسط السيطرة على أجزاء من الأراضي الكونغولية، من المعروف أنها تحتوي على موارد معدنية استراتيجية بالنسبة لرواندا.

حرصت حركة إم 23 مؤخرًا على تطوير خطابٍ وطني تُقدّم فيه نفسها على أنها جزءٌ من حركة كونغولية أوسع نطاقًا، وتُطلق إم 23 على هذه الحركة اسم "منظمة تحالف نهر الكونغو، وهي تقوم بتجنيد أفراد من خارج التوتسي". ويرتبط هذا التطور بمسعى جديد عبّرت عنه حركة إم 23 مؤخرًا وهو أنها بصدد الزحف نحو العاصمة كينشاسا، وهي تُراهن في بلوغ هذا الهدف على ضعف الجيش الرسمي للكونغو الديمقراطية من جهة، وعلى الاضطرابات التي تعصف بنظام تشسكيدي، وآخرها ما شهدناه الأسبوع الماضي من اندلاع أعمال شغب وتخريب في العاصمة.

ويتزامن ذلك أيضًا مع تراجع مستوى الثقة في الرئيس تشيسكيدي الذي قد يجد نفسه مضطرًّا إلى ترك الحكم قبل نهاية ولايته في عام 2028، وبالتالي التخلي عن فكرة تغيير الدستور التي تراوده منذ فترة.

من المستبعد أن تتمكن حركة إم 23 من السيطرة على مفاصل الحكم في الكونغو الديمقراطية، وبالتالي فإنّ الهدف الواقعي الذي يمكن أن تحقّقه يقتصر ـ حتى اللحظة ـ على السيطرة على الشرق، وربما تأمين شكلٍ من أشكال الحكم الفيدرالي هناك، رغم رفض كينشاسا القاطع لذلك.