05-يناير-2018

توجهت الإمارات نحو التهدئة إبان الأزمة الأخيرة مع تونس لكنها تجنبت الاعتذار (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

كشفت وثيقة مسربة من وزارة الخارجية الإماراتية، نشرها موقع عربي 21، لم يتسن الجزم بصحتها بعد، الخطة الإماراتية لمواجهة الأزمة مع السلطات التونسية التي علقت استغلال شركة الخطوط الإماراتية لمجالها الجوي إثر منعها التونسيات من السفر على متن طائراتها.

جاء في وثيقة مسربة، أثارت جدلًا على مواقع التواصل، توصيات نحو التهدئة إماراتيًا بعد الأزمة مع السلطات التونسية التي علقت استغلال شركة الخطوط الإماراتية لمجالها الجوي

ويبدو أن الوثيقة المسربة والتي تضمنت توصيات نحو التهدئة قد أتت أكلها بإعلان وزارة النقل التونسية في ساعة متأخرة من مساء أمس الخميس الوصول لاتفاق مع الشركة الإماراتية يقضي باحترام المعاهدات الدولية وبالتالي رفع الإجراءات المتخذة من كلا البلدين.

اقرأ/ي أيضًا: #تونس_تؤدب_الإمارات.. تونس تنتصر لنسائها

هل الوثيقة صحيحة أم مزورة؟

نفى السفير الإماراتي بتونس لوسائل إعلام محلية صحة الوثيقة معتبرًا أنه "لا وجود لإدارة بوزارة الخارجية الإماراتية تسمى إدارة تخطيط السياسات"، وشكك، في نفس الإطار، ناشطون تونسيون في صحة الوثيقة خاصة مع غياب الختم.

وعلق أحد الصحفيين التونسيين للتدليل على ما وصفه بزور الوثيقة أن وزير الخارجية يُنادى بصفة "معالي الوزير" وليس "سمو الشيخ"، فيما رد عليه ناشط في تفسير استعمال هذه العبارة بأن "وزير الخارجية الإماراتي هو من العائلة الحاكمة". غير أن المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحكومة (في زمن مهدي جمعة) عبد السلام الزبيدي، في سياق تشكيكه في صحة الوثيقة، أشار إلى أن الوثيقة أسندت إلى وزير الدولة للخارجية والتعاون الدولي أنور قرقاش صفة "سمو الشيخ" و"الحال أنّ الأدبيات البروتوكولية تمنحه صفة معالي الدكتور". وعلق قرقاش بنفسه على حسابه على تويتر حول ما أسماه "التزوير الفاضح".

ومن جهته، دحض موقع عربي 21 نفي السفير الإماراتي بتونس وجود الإدارة المذكورة في التسريب، وذلك بنشره هيكلية وزارة الخارجية الإماراتية، التي تثبت وجود هذه الإدارة والتي تُنسب إليها الوثيقة المسربة.

 

ماذا تضمنت الوثيقة المسربة والتي أثارت الجدل؟

بعيدًا عن جدل مواقع التواصل والصحف المحلية في تونس عن صحة الوثيقة من عدمه، فقد كان أبرز ما تضمنته هذه الوثيقة توصية بـ"تحريك جمعيات ومواقع إعلامية داخل تونس؛ لقلب النقاش ضد حركة النهضة، بزعم أنها المسؤولة عن الأعداد الكبيرة من الداعشيات التونسيات اللواتي أصبحن يُسئن للمرأة التونسية". وهو ما يكشف عن أمرين، أولهما تأكيد الخطاب الإماراتي المتعود على الخلط بين حركة النهضة والجماعات التكفيرية الإرهابية، وذلك في سياق حرب ابن زايد ضد الإسلاميين، وهو يسعى من وراء هذا الخطاب لحشر الحركات الإسلامية المنخرطة في المسار الديمقراطي في الزاوية عبر اتهامها بالإرهاب أيضًا.

أما الأمر الثاني المستخلص من هذه التوصية فهو الحديث عن "تحريك" جمعيات ومواقع إعلامية في تونس، وهو ما يكشف مدى تأهب السلطات الإماراتية لحملات الدعاية، خاصة على النحو الذي خبره المتابعون في الأزمة الخليجية. فالصورة إماراتيًا لا تتعلق بمحاولة إقناع جمعيات أو مواقع تونسية بوجهة النظر الإماراتية بل بـ"تحريك" كما ورد في نص الوثيقة، بمعنى وجود هياكل حاضرة هي في الأصل بمثابة جنود ينتظرون الإشارة للتحرك فقط.

تؤكد الوثيقة المسربة وجود هياكل، من جمعيات ومؤسسات إعلامية، في تونس هي في الأصل بمثابة جنود إماراتية ينتظرون الإشارة للتحرك وفق التعليمات

وفي سياق الحديث عن توغل المال الإماراتي في تونس، يُستذكر تخصيص جريدة الشروق التونسية، المحسوبة محليًا على النظام القديم والمدافعة إقليميًا على النظامين السوري والمصري، صفحة كاملة للاحتفال باليوم الوطني في الإمارات عبر مقالات دعائية تشيد بالسياسات الإماراتية، ومنها مقال حول سياستها الخارجية بعنوان "حكمة، اعتدال، توازن ومناصرة الحق والعدل".

في نفس الإطار، تضمنت إحدى التوصيات من الوثيقة المسربة "الانتباه إلى أن الإضرار بموقف حزب نداء تونس سيصب في مصلحة حركة النهضة؛ لذلك يوصى بعدم إضعاف موقف الرئيس السبسي وحزبه"، وهو ما يكشف عن استمرار النهج الإماراتي في التدخل في الشأن الداخلي التونسي بنصرة طرف على حساب آخر، وعدم تعاملها بمنطق الدولة أي بتجاوز التأثير في التوازنات الداخلية للدول.

اقرأ/ي أيضًا: جريدة الشروق التونسية.. رائحة المال الإماراتي

تسريبات أخرى

من جانب آخر، نشرت مؤخرًا بوابة الشرق الإلكترونية في حلقتها التاسعة عشر برقيات مسربة من الخارجية السعودية موجودة في حزمة ويكليكس وتم إعادة ترتيبها. وتكشف إحدى البرقيات عن النهج السعودي في شراء ذمم الكتاب والصحفيين في تونس من خلال دعوتهم لزيارة المملكة، وكذلك من خلال تقديم الدعم المالي للمؤسسات الصحفية المؤثرة في تونس بالتنسيق مع سفارة السعودية هناك.

وليست التسريبات المتعلقة بالخطط الإماراتية لاستهداف الانتقال الديمقراطي في تونس بجديدة، حيث كشفت مواقع تونسية في الصيف الفارط عن ورقة بعنوان "الاستراتيجية الإماراتية المقترحة تجاه تونس"، صادرة عن "مركز الإمارات للسياسات"، الذي تأسس سنة 2013، والذي يظهر على موقعه الرسمي صورًا لشخصيات من بينها ضاحي خلفان، المعروف بعدائه الشديد للثورات العربية.

وتهدف "الاستراتيجية المقترحة" لضمان نفوذ إماراتي في مواجهة الجزائر وقطر، اللتين وصفهما التقرير بـ "الطرفين العربين الحاضرين بقوة في المشهد التونسي". وتتضمّن الورقة ثلاثة أسس، أولّها "محاربة التطرف الراديكالي في أبعاده الأمنية والسياسية والفكرية"، ومن ذلك التنسيق مع مراكز الأبحاث التي "تتصدر المواجهة مع حركة النهضة"، وثانيها بناء كتلة سياسية موالية، لها وزنها في الساحة الداخلية، فيما يتمثل الأساس الثالث في "كبح النفوذ القطري".

ليست التسريبات المتعلقة بالخطط الإماراتية لاستهداف الانتقال الديمقراطي في تونس بجديدة لكنها بتتاليها تؤكد حجم التدخل الإماراتي في الشأن التونسي

وبخصوص بناء كتلة سياسية موالية للإمارات، دعت الوثيقة إلى "كسر التحالف النهضوي الدستوري" الذي يقوم على أساسه التوافق السياسي الحالي، وذلك من خلال دعم حزب "مشروع تونس"، الذي يقوده محسن مرزوق، ليمثّل هذا التوجيه تأكيدًا لما هو معلوم لدى قطاع واسع من التونسيين، أن محسن مرزوق هو الحصان الإماراتي في تونس، والذي سبق وقابل محمد دحلان في صربيا وفق ما أكده قيادي سابق في حزبه.

وقد وجد محسن مرزوق نفسه مؤخرًا في موضع حرج على خلفية الأزمة الأخيرة وذلك لحيرته بين الإمارات التي تسنده وبين الدفاع عن التونسيات الذي دائمًا ما يدافع عنهن بعنوان التقدمية وذلك في سياق مواجهته للإسلاميين. حيث حاول مرزوق منذ بداية الأزمة تبرئة السلطات الإماراتية معتبرًا الواقعة مجرّد "خطأ من ناقلة جوية إماراتية" وادّعى أنه تم التراجع عنه وهو أمر غير صحيح، وهو ما جعله موضع تندر وسخرية لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:  

​تعرف على محسن مرزوق.. وكيل المشروع الإماراتي في تونس

"الثور الإماراتي الهائج".. وثائق تكشف خطة أبوظبي لإفشال الديمقراطية في تونس