20-نوفمبر-2018

انتهى المطاف برامبو ليُسلم إلى العدالة الدولية (تويتر)

لم يكن الفريد يكاتوم قائد ميليشيا الإبادة الطائفية هو الرجل الوحيد في أفريقيا الوسطى الذي ارتبط اسمه بالفظائع، ومع ذلك انتهى به الأمر في ذمة العدالة الدولية، حيث سقطت منه الحصانة البرلمانية وتحول إلى مجرم حرب. لكن ثمة قادة وجيوش لدول أخرى أيضًا تورطوا في ذلك القتال دون أن ينالهم نصيب من التجريم، أو حتى شعور بالقلق من قِبل الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي.

كان يكاتوم الشهير برامبو من وطأة مغامراته ومعاركه التي أشعلها منذ العام 2014، أشبه بكابوس مُرعب أدخل أفريقيا الوسطى في حالة من الحرب الأهلية

مغامرات رامبو

كان ألفريد يكاتوم الشهير برامبو من وطأة مغامراته ومعاركه التي أشعلها منذ العام 2014، أشبه بكابوس مُرعب أدخل أفريقيا الوسطى في حالة من الحرب الأهلية، ليعيد للأذهان مجازر التوتسي والهوتو في رواندا، وقد تحول إلى شخصية مثيرة للجدل عندما  انتخب نائبًا في البرلمان عام 2016 ، على الرغم من خضوعه لعقوبات حالت بينه وتسلم موقع رسمي، فتم اعتقاله بعد واقعة إطلاقه النار على زميله داخل البرلمان، ثم هرب من بعد ذلك، وأنشأ ميليشيا ضد المسلمين لخوض معارك أكبر اتسع نطاقها خارج العاصمة بانغي.

وصل ألفريد يكاتوم مطلع هذا الأسبوع إلى مركز الاعتقال التابع للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، متهمًا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقالت المحكمة الجنائية إنه مسؤول عن القتل والتعذيب ومهاجمة المدنيين واستخدام المقاتلين الأطفال، كما أنه ووفقَا لما نشرته تقارير صحفية تولى قيادة ميليشيا مسيحية لمناهضة صعود مجموعة من الإسلاميين إلى سُدة السلطة في العام 2013.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تورط الفرنسيون في مجازر الإبادة في رواندا؟

تهافت فرنسي روسي

ورغم الأحاديث التي يبذلها القادة الأفارقة حول عملية السلام في أفريقيا الوسطى، إلا أن شبح الحرب ظل جاثمًا في سماء البلاد الغنية بالثروات المعدنية، ولم يتوقف العنف الطائفي منذ سنوات، حيث قتل نحو 40 شخصًا في اشتباكات نهاية الأسبوع الماضي. بينما تواجه قوات حفظ السلام الأفريقية المدعومة بقوات فرنسية هجمات متعددة عوض أن تقوم بدورها في حماية المدنيين، وذلك بسبب اتهامات لها بالتسبب في العنف ومناصرة مجموعات سكانية على الأخرى، وساهم ذلك في تنامي رأي سالب حولها.

وفي ظل هذه الفوضى، أصبحت أفريقيا الوسطى التي نالت استقلالها من فرنسا في العام 1960 نهبًا للمطامع الدولية، تحديدًا من قبل روسيا وفرنسا التي تشعر بأحقية ووصاية على البلاد لأنها تقع من ضمن مستعمراتها القديمة، وقد حاول الفرنسيون تنصيب كاثرين سامبا رئيسة للجمهورية، ولم ينقطع وجودهم عن مباركة الانقلابات العسكرية في أفريقيا الوسطى، التي وصلت حتى الآن إلى خمسة انقلابات متتالية خلال خمسة عقود. كما حاول الروس في المقابل إيجاد موطئ قدم لهم والسعي إلى بناء قاعدة عسكرية بالتنسيق مع حكومة الرئيس فوستين تواديرا، وأسفر هذا الحلف السياسي عن صفقات بيع أسلحة روسية إلى بانغي، وتوفير أطقم حماية روسية خاصة لضمان سلامة الرئيس تواديرا، ما دفع باريس إلى وضع العراقيل أمام وساطة السودان، التي تحظى بدعم موسكو، وكادت تنزع فتيل القتال بصورة نهائية، لاسيما وأن السودان متضرر من حرب أفريقيا الوسطى، من خلال موجات النزوح التي زحفت أيضًا نحو الكاميرون وتشاد.

مفاوضات الخرطوم المُجهضة

وعطفًا على ذلك، استضافت الخرطوم اجتماعًا في آب/ أغسطس مع الجماعات المتمردة في أفريقيا الوسطى بعيدًا عن الأضواء، ليومين بين ميليشيا (بالاكا) المسيحية بقيادة ماكسيم موكوم وميليشيا إسلامية بقيادة نور الدين آدم، في محاولة لإنهاء الصراع الدامي، وهو أول لقاء مباشر بين الفرقاء السياسيين في أفريقيا الوسطى ينظر إلى جملة من التحديات، من بينها تجنيب بلادهم ويلات العنف وشبح التدخل الأجنبي. 

 أصبحت أفريقيا الوسطى التي نالت استقلالها من فرنسا في العام 1960 نهبًا للمطامع الدولية، تحديدًا من قبل روسيا وفرنسا

وفي السياق، التقى الرئيس السوداني عمر البشير على هامش القمة الأفريقية الاستثنائية منتصف هذا الأسبوع، بالرئيس التشادي إدريس دبي، للتباحث حول تطورات الأوضاع في أفريقيا الوسطى، واتهم البشير جهات لم يسمها بعرقلة جهود بلاده لإحلال السلام في الجارة الغربية، فيما حذرت روسيا فرنسا من أنه يتعين عليها أن تضع جانبًا "المصالح الوطنية الضيقة"، وتعترف بجهودها السلمية فى جمهورية أفريقيا الوسطى، واتهمتها بعرقلة تلك الجهود من داخل مجلس الأمن الدولي.

اقرأ/ي أيضًا: المرتزقة الجدد.. الجيوش الخاصة والنظام العالمي

التعاون الإسلامي على الخط

لتدارك تلك الجهود على ما يبدو، أعلنت منظمة التعاون الإسلامي إدانتها لاستمرار العنف في جمهورية أفريقيا الوسطى، وآخر أشكاله الهجوم على مخيم للنازحين داخليًا في مدينة ألينداو في منتصف الشهر الجاري، وأشار بيان للمنظمة تلقى "ألترا صوت" نسخة منه، إلى مقتل 37 شخصًا على الأقل وأحد أفراد قوات حفظ السلام من تنزانيا على أيدي الجماعات المسلحة، ودعت المنظمة إلى ضرورة تقديم المتسببين في العنف إلى العدالة، ووصف البيان الهجمات بالجبانة، وبأنها "تستهدف المدنيين العزل وأفراد حفظ السلام الذين يحمون المدنيين في إطار جهود المجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار في البلد والمنطقة، وهي محاولات من جانب أعداء السلام لتقويض هذه الجهود".

ويعد المسلمون في أفريقيا الوسطى أقلِّيَّة عدديَّة؛ إذ يُشَكِّلُون 15% فقط من سُكَّان البلاد البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة تقريبًا، ومع ذلك وصلوا أيضًا للحكم بالانقلاب عن طريق الرئيس الْمُقال "ميشيل دوتوجيا" الذي ينتمي لما يعرف بحركة السيليكا.

عودة الجيوش الفرنسية

بدأت ورطة فرنسا التي تحاول في هذه الفترة تداركها، عندما انسحبت تدريجيًا من أفريقيا الوسطى وانتقلت إلى جمهورية الغابون ومالي، في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، فوجد الروس الطريق مواتيًا للدخول إلى هنالك، إلا أن فرنسا حاولت العودة من خلال تنفيذ عملية سنغاريس، فمُنيت بالمزيد من الخسائر وسط مواجهات أهلية حادة بين المسلمين والمسيحيين. وتلمست باريس في تلك العودة آثار أقدامها الاستعمارية القديمة، بحثًا عما يمكن أن يشبع ولعها بالكنوز الموجودة تحت الأرض، إذ تتمتع أفريقيا الوسطى بمعادن وثروات نفيسة، مثل الذهب والماس واليورانيوم والحديد والمطاط، وهو السبب نفسه الذي يجعل فرنسا وروسيا والصين وإسرائيل تتدافع لتحظى بنفوذ عليها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا لو فازت لوبان برئاسة فرنسا؟

تجارب فرنسا النووية.. جرح الجزائر الغائر