10-أبريل-2021

يسعى تنظيم الدولة إلى تجديد تمدده من خلال أفريقيا (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

على الرغم من سقوط دولة "الخلافة الإسلامية" بعد مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبي بكر البغدادي، وحالة الشتات التي يعيشها مقاتلو التنظيم المنتشرين في الصحراء السورية العراقية، فإن تقريرًا من إعداد كريستينا جولدباوم وإريك شميت نشر في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية يتحدث عن أن التنظيم المتطرف وجد في القارة الأفريقية شريانًا جديدًا للحياة من خلال إنشائه تحالفات مع الجماعات المتطرفة على المستوى المحلي، وهو ما جعله يتجه مرةً أخرى لإعادة تنظيم صفوفه من خلال جمع الأموال وتجنيد المزيد من المقاتلين.

تنظيم داعش المتطرف وجد في القارة الأفريقية شريانًا جديدًا للحياة من خلال إنشائه تحالفات مع الجماعات المتطرفة على المستوى المحلي

تنظيم الدولة يتبنى حصار مدينة بالما الساحلية

يبدأ الكاتبان التقرير بالإشارة إلى أنه على الرغم من ارتباط غالبية الجماعات المسلحة – على المستوى المحلي للدول الأفريقية – ارتباطًا ضعيفًا بتنظيم الدولة، فقد تمكن على مدار العام الماضي مع صعود الجماعات الإسلامية المتطرفة على المستوى الأفريقي تسجيل مستوى قياسي من العنف، سمح لتنظيم الدولة بالتفاخر بهذه الانتصارات في المعارك في محاولة لتأكيد صورته القوية التي تقدم الإلهام لأنصاره المنتشرين في جميع أنحاء العالم.

اقرأ/ي أيضًا: الدليل المختصر لفهم إستراتيجية داعش الإعلامية

وكان التنظيم قد أعلن مسؤوليته عن الهجوم الذي نفذته جماعة مسلحة في شمال موزمبيق تطلق على نفسها "تنظيم الشباب" في آذار/مارس الماضي، حيثُ هاجم المسلحون المرتبطون بالتنظيم المتطرف مدينة بالما الساحلية شمال شرق موزمبيق، ووفقًا لما ورد في عديد التقارير فإن الهجوم أسفر عن سقوط عشرات القتلى، فضلًا عن تسجيل نزوح عشرات الآلاف من المدنيين، بينما قامت منتديات تنظيم الدولة عبر المنصات التي يرتادونها على الإنترنت بالترويج لإقامة خلافة إسلامية جديدة في المدينة الساحلية.

وقال تنظيم الدولة في بيان جرى تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعية إن مقاتليه "شنوا هجومًا واسعًا على مدينة بالما (يوم 24 آذار/مارس الماضي) الأربعاء"، مضيفًا أن "الاشتباكات استمرت لثلاثة أيام، تم خلالها استخدام مختلف أنواع الأسلحة، وانتهت بالسيطرة على المدينة الساحلية، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 75 ألفًا"، لافتًا إلى أن مقاتليه "هاجموا ثكنات عسكرية، ومقرات حكومية"، وتابع أن الهجوم أسفر عن "مقتل 55 شخصًا على الأقل من جيش موزمبيق ورعايا الدول الأجنبية".

ووفقًا لأستاذ التاريخ الإفريقي إريك مورييه جينود فإن التنظيم المحلي نشأ في بدايته تحت مسمى جماعة "أنصار السنة" في عام 2007، التي عُرفت حينها ببنائها "مساجد جديدة تتبنى تفسيرًا صارمًا لتعاليم الإسلام"، ولاحقًا أعلنت الجماعة تحت مسمى "تنظيم الشباب" مبايعتها لتنظيم الدولة في عام 2019، وعلى الرغم من أن قادة التنظيم غير معروفين، فإن الولايات المتحدة صنفته على أنه كيان إرهابي عالمي وفرضت عقوبات على زعيمها، وقال المسؤولون الأمريكيون إن اسمه أبو ياسر حسن.

هل لا يزال تهديد تنظيم الدولة قائمًا؟

في تعليقه على الهجوم الأخير في مدينة بالما الساحلية، يرى المحلل المتخصص بمكافحة الإرهاب كولين بي. كلارك أن تنظيم الدولة "يعاني كمنظمة على نطاق أوسع"، لذلك فإن تبني التنظيم لمثل هذه الهجمات يكون بهدف "تحسين الروح المعنوية بين مؤيديه"، مضيفًا بأن الهدف من وراء ذلك تقديم الدعم "للفروع الإقليمية لإظهار أفضل النتائج في شن الهجمات والحفاظ على وتيرة عمليات قوية".

يصف الكاتبان الحصار الذي فرضته الجماعة المبايعة للتنظيم على مدينة بالما بأنه "الهجوم الأكثر جرأة حتى الآن من قبل (تنظيم الشباب) المحلي"، وهو جزء مقلق من تصاعد الاشتباكات الوحشية التي يشارك فيها متطرفون في جميع أنحاء القارة، إذ أنه وفقًا لمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية – وهو مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية – فإن العنف المرتبط بهذه الجماعات ارتفع بنسبة 43 بالمائة في عام 2020 مقارنة بعام 2019.

ويضيف الكاتبان بأنه لأكثر من عقد من الزمان، استمر المسؤولون العسكريون الأمريكيون ومسؤولو مكافحة الإرهاب بالتحذير من أن أفريقيا تستعد لأن تصبح الجبهة التالية للمنظمات الإرهابية الدولية مثل القاعدة ومؤخرًا تنظيم الدولة الإسلامية، بعدما أقامت المنظمتان تحالفات مع الجماعات الجهادية المحلية في السنوات الأخيرة، وعملت كذلك على إنشاء معاقل جديدة في غرب وشمال ووسط أفريقيا تسمح لهم بالانطلاق منها لشن هجمات واسعة النطاق.

وكان المسؤولون الأمريكيون قد حذروا في الآونة الأخيرة من أن تنظيم الدولة الإسلامية حتى في حالته الضعيفة، فإنه لا يزال تنظيمًا متماسًكا في معاقله السابقة في العراق وسوريا، مقدرين وجود قرابة 10 آلاف مقاتل منضوين ضمن صفوفه سرًا، حيثُ لا تزال القوات العراقية بالاشتراك مع التحالف الدولي يطاردون جيوب مقاتلي التظيم، بعدما نفذوا على مدى أسبوعين من الشهر الماضي ما لا يقل عن 312 غارة جوية استهدفت معاقل مقاتليه، في واحدة وصفت بأنها من أكبر العمليات العسكرية ضد التنظيم منذ عام 2019.

ويوضح الكاتبان بأنه على الرغم من أن الهزائم التي تكبدها التنظيم خلال السنوات الماضية، وظهور جائحة فيروس كورونا الجديد، الأمر الذي ساهم بإضعاف دعاية وعمليات التجنيد التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية عبر الإنترنت، فإن مسؤولي مكافحة الإرهاب الأمريكيين والتابعين للأمم المتحدة أشاروا إلى أن التنظيم لا يزال يحتفظ بصندوق حرب تقدر قيمته بمائة مليون دولار، فضلًا عن امتلاكه لشبكة عالمية من الخلايا خارج الشرق الأوسط تمتد من الفلبين إلى أفغانستان.

وحتى في الوقت الذي يتصارع فيه القادة السياسيون في أوروبا والولايات المتحدة مع تهديد جديد للإرهاب المحلي، أي تهديد المتطرفين اليمينيين والعنصريين البيض، فإن الخوف من هجوم انتحاري في مدينة غربية من شخص وحيد متأثر بأيديولوجيا تنظيم الدولة لا يزال قائمًا، إذ إنه خلال لقاء وزراء خارجية التحالف الدولي المكوّن من 80 دولة للقضاء على تنظيم الدولة، توصل وزارء الدول بحضور وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين إلى ضرورة التصدي لما قالوا إنه نشاط متزايد في المناطق التي كان يسيطر عليها مقاتلو التنظيم، مشيرين في بيانهم إلى أن "التهديد لا يزال قائمًا".

يتوصل الكاتبان بالاستناد إلى تحليل الخبراء من خلال ما سبق إلى نتيجة تقول إنه في الوقت الذي يحاول فيه تنظيم الدولة استعادة السيطرة على الشرق الأوسط، تحول إلى موطئ قدم جديد في أفريقيا حيث أدى الغضب ضد الحكومات الفاسدة وقوات الأمن المحلية غير المجهزة إلى ظهور جماعات مسلحة محلية.

فقد توغلت الجماعات المسلحة في مناطق لم يمسها عنف المتطرفين سابقًا عبر منطقة الساحل الممتدة من السنغال إلى السودان، وفرض المسلحون المرتبطون بالقاعدة سيطرتهم على أجزاء كبيرة من المناطق الريفية على طول ساحل المحيط الهندي في الصومال، بينما تصاعد التمرد الذي شارك فيه بضع عشرات من المقاتلين قبل ثلاث سنوات إلى حرب شاملة في أقصى الجنوب في موزمبيق.

ويرى مدير الأبحاث في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية جوزيف تي سيغل أن الجماعات المتطرفة المحلية "لا تتمتع أي منها بقوة غير عادية"، نظرًا لأنها "فقط لديها القدرة الكافية لزعزعة استقرار هذه الدول الهشة التي لا تستطيع الحفاظ على وجود أمني".

ووفقًا للمحللين فإن تنظيم الدولة استطاع إنشاء العديد من العلاقات بما يوصف بأنه "زواج مصلحة: بالنسبة للمتشددين"، من حيثُ أن العلاقة مع التنظيم تمنح "مجموعات حرب العصابات المحلية الشرعية والاعتراف من الحكومات المحلية" وهو ما كانت تحلم بالحصول عليه، فيما استطاع تنظيم الدولة من جهته استخدام هجمات المسلحين المحليين كدليل على أن دورهم العالمي ما زال على قيد الحياة.

وينقل التقرير عن مسؤولين أمريكيين وغربيين في مجال مكافحة الإرهاب قولهم إن عدد الهجمات التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها في أفريقيا ارتفع إلى أكثر من الثلث ما بين عامي 2019 – 2020، فقد اعتبر المؤسس المشارك لنظام تتبع النزاعات تشارلي وينتر أن "أحد الفوائد الرئيسية لتنظيم الدولة الإسلامية في الوقت الحالي، إن لم تكن الفائدة الرئيسية، هي قدرته على القول، نعم، لقد فقدنا أراضينا في العراق وسوريا، لكن انظروا إلينا إننا نتوسع في أفريقيا".

وبحسب مجموعة الأزمات الدولية فإن تنظيم الدولة يمارس نفوذه على الأفرع المحلية في أماكن مثل شمال شرق نيجريا في غرب أفريقيا من خلال تزويدها بالدعم اللوجستي المتمثل بـ"التدريب والتمويل"، غير أن الباحثين يقولون إن التنظيم يحتفظ بعلاقات مرنة كثيرًا مع الجماعات المتشددة الأخرى مثل "تنظيم الشباب" في موزمبيق، الذي لا يزال حركة محلية إلى حد كبير ولدت من مظالم محلية.

ويمضي التقرير شارحًا كيف شاهد السكان المحليون الفقراء ما يتم نهبه وسرقته من منطقة كابو ديلغادو المطلة على المحيط الهندي والغنية بالموارد من قبل النخب في العاصمة مابوتو، ومن ثم إجبار السكان المحليين على ترك أراضيهم وتعرض بعض العاملين في التنجيم على نطاق صغير للضرب والقتل بعد اكتشاف مخزون الغاز الطبيعي الذي تقدر قيمته بعشرات المليارات من الدولارات.

وينقل التقرير عن باحثين محليين قولهم إنه بحلول الوقت الذي شن فيه المتمردون هجماتهم الأولى من خلال استهدافهم مراكز الشرطة وقادة الحكومة المحلية في عام 2017، كانوا قد حظيوا بجاذبية واسعة بين التجار الصغار في الموانئ والشباب المحبطين، بينما ساعدت حملة القمع العنيفة – التي نفذها الجيش الموزمبيقي – على كسب المتمردين المزيد من دعم السكان المحليين، بسبب الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبها الجيش الموزمبيقي ضد المدنيين.

 تنظيم الدولة يمارس نفوذه على الأفرع المحلية في أماكن مثل شمال شرق نيجريا في غرب أفريقيا من خلال تزويدها بالدعم اللوجستي المتمثل بـ"التدريب والتمويل"

وينهي كاتبا التقرير بالإشارة إلى أن طبيعة الحرب بين الجماعات المتطرفة من طرف، والحكومة المحلية من طرف آخر، تغيرت بحلول العام الماضي، ووفقًا لمنظمات المراقبة التي ترصد أماكن الصراع في موزامبيق فإن الجماعات المتطرفة قامت خلال هجماتها بتدمير بلدات بأكملها، فضلًا عن تشريدها 670 ألف شخص، وتوثيق مقتل أكثر من ألفي شخص إضافة لعشرات المختطفين، وهو ما يرى محللون بأنه ساهم بجعل جماعة "تنظيم الشباب" المبايعة للتنظيم معزولة لدرجة كبيرة داخل أماكن سيطرتها.