04-مايو-2018

تعول الحكومة البريطانية على تعيين ساجد جاويد من أجل إسكات ضجة قضية "ويندراش" (Getty)

من المفترض أن يتسلم وزير جديد من أصول باكستانية، وزارة الداخلية البريطانية، خلفًا لآمبر راد التي تورطت في تضليل أعضاء البرلمان بخصوص ترحيل مهاجرين جدد ومجمل الفضيحة المرتبطة بالمهاجرين الكاريبيين التي عرفت إعلاميًا باسم "ويندراش". وتحاول حكومة تيريزا ماي، من خلال تعيين ساجد جاويد، إسكات النقاش المشتعل حول موقفها من الهجرة، باعتباره سليل مهاجرين آسيويين. في هذا التقرير المترجم عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، توضيح لأهداف هذه الخطوة ولمآلاتها، وعن إمكانية تحقيقها لأي تغيير.


عندما تمر أي حكومة بأزمة، فإن التكتيك المتكرر الذي تتبعه للحد من الضرر هو إعادة التوسيم أو تغيير مظهرها الخارجي الذي قد ينطوي على تصميم شعار جديد أو وضع اسم جديد لسياستها، أو الدفع بوجوه جديدة في المقدمة. في بعض الأحيان يؤدي ذلك إلى النتيجة المرجوة منه. ويبدو وكأنه استجابة ذات مغزى. لكن في أكثر الأحيان، لا تعني إعادة التوسيم بالضرورة حدوث تغيير جوهري في السياسة.

 خلفية جاويد العرقية ستمنحه المزيد من التعاطف إلا أن تاريخ عائلته وحده لا يعادل التغيير الذي تحتاجه بريطانيا

هذا ما تأمل رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، ألا يلاحظه البريطانيون مع تعيينها هذا الأسبوع ساجد جاويد وزيرًا جديدًا للداخلية. فمن المقرر أن يحل ساجد جاويد محل الوزيرة السابقة آمبر راد، التي اعترفت بأنها "ضللت عن غير قصد" أعضاء في البرلمان فيما يتعلق بأهداف ترحيل مهاجرين غير شرعيين. وقد كُلف ساجد جاويد بمهمة حل ما يسمى فضيحة مهاجري "ويندراش" الكاريبيين، التي انطوت على الكشف عن أن وزارة الداخلية، التي تشرف على تطبيق قوانين الهجرة، قد قامت بترحيل الأشخاص الذين انتقلوا إلى بريطانيا من المستعمرات الكاريبية في الأربعينات بناء على دعوة من الحكومة. وبعد مرور حوالي 70 عامًا، صرحت وزارة الداخلية أن هؤلاء الأشخاص لم يعد لديهم الأوراق المناسبة للبقاء في البلاد. وقد كشفت هذه المفاجآت عن عدم كفاءة الحكومة وقسوتها.

أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" في غضون ساعات من تعيين ساجد جاويد، أن "الميزة الوحيدة" التي يتمتع بها هي خلفيته. فقد جاء والداه إلى هذا البلد من باكستان، كما قال لأحد الصحف، ومن ثم فإن لديهم شيئًا مشتركًا مع عائلات ويندراش: "كان من الممكن أن أكون أنا، أو أمي أو والدي من يمرون بهذه المحنة"، وأضاف: "ولكن من جزء آخر من العالم، من جنوب آسيا وليس من منطقة الكاريبي. أما عدا ذلك فالتشابه قائم في جميع الأوجه تقريبًا".

اقرأ/ي أيضًا: رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي.. والسقوط في بئر الفوضى!

من المحتمل أن خلفية ساجد جاويد ستمنحه المزيد من التعاطف بالمقارنة مع أسلافه الذين شغلوا هذا المنصب. إلا أن تاريخ عائلته وحده لا يعادل التغيير الذي تحتاجه بريطانيا بشدة عندما يتعلق الأمر بسياسة الهجرة.

كشفت ردود الأفعال على تعيين ساجد جاويد عن مشكلة خطيرة بشأن عدد الأشخاص الذين يبدو أنهم يفهمون السياسة. فقد هلل له البعض لكسره هذا الحاجز باعتبار ساجد جاويد أول شخص ملون يقود وزارة الداخلية. بالطبع، لا يُعد ذلك التمثيل قليل الأهمية على الإطلاق. ولكن بالنسبة للكثيرين، هناك رغبة في قصر العنصرية ومكافحة التحيز الجنسي على القضايا المتعلقة بالتمثيل، وكأننا إذا استطعنا تعيين المزيد من النساء أو الأشخاص الملونين في مواقع السلطة، فإن المجتمع سيصبح أكثر مساواة. يمكن أن تُسمي هذه السياسة بالمساواة الخادعة، ومثلها مثل نظيرتها الاقتصادية، فإنها لا تنفع.

المعركة ضد نظام الهجرة غير العادل لن تتغير مع تعيين وزير جديد للداخلية في بريطانيا

يوجد درسان يُمكن تعلمهما من تعيين ساجد جاويد في هذا المنصب: يتمثل الأول في أن المعركة ضد نظام الهجرة غير العادل لن تتغير مع تعيين وزير جديد للداخلية، والثاني، هو أنه إذا ظللنا راضيين عن التمثيل باعتباره الوسيلة الوحيدة للتقدم، سيصبح التنوع درعًا للسياسات العنصرية الممأسسة التي تنتهجها الحكومة.

يكمن العداء تجاه الهجرة في صميم قلب حكومة ماي. فقبل أن تصبح رئيسة الوزراء، شغلت ماي منصب وزيرة الداخلية. وإبان شغلها هذا المنصب، تعهدت بتخفيض العدد الكلي للهجرة إلى "عشرات الآلاف". وقد قيل لها إن ذلك غير قابل للتطبيق، إلا أنها التزمت به بشدة. وقد كان ذلك ولا يزال مهمتها الرئيسية، على حد تعبير بيان حزب المحافظين الذي صدر في عام 2017، "ممارسة الضغوط للحد من الهجرة".

يكمن العداء تجاه الهجرة في صميم قلب حكومة تيريزا ماي

ومع الأخذ في الاعتبار أن الحكومة قد أوفت بالتعهد الذي قطعته ماي في عام 2012 بخلق "بيئة معادية حقًا للمهاجرين غير الشرعيين". فقد حرمت الدولة الناس من الحق في تلقي الرعاية الصحية والوظائف والإسكان وحتى من إنشاء حساب مصرفي إذا لم يكن لديهم الأوراق الصحيحة. بل إن وزارة الداخلية رفضت منح تأشيرات لأطباء استقدموا من الهند من قبل دائرة الصحة الوطنية لشغل الوظائف الشاغرة.

اقرأ/ي أيضًا: ما هي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

شغل ساجد جاويد منصب وكيل وزارة الداخلية أثناء حدوث كل ذلك، ودعم ماي. إذ يعتبر سجله البرلماني بمثابة دعم لا يُضاهى لسياسات الهجرة العقابية التي تنتهجها حكومته: فقد صوت لصالح التغييرات التي تشكل تلك "البيئة العدائية". ولذا، فهل هناك أي سبب يدعو إلى افتراض أنه سيفعل شيئًا آخر غير مواصلة تنفيذ سياسة الهجرة القاسية التي يتبعها حزب المحافظين؟

أزالت السياسات التي وافق عليها ساجد جاويد "الحصانة من الترحيل" التي تمتع بها المقيمون لفترة طويلة، الأمر الذي يعني أنه مع عدم تقديم أربعة أدلة سنوية على إقامتهم في البلاد، يرحل جيل ويندروش من البلاد، ويحرمون من تلقي العلاج الطبي الذي قد ينقذ حياتهم، ويفقدون وظائفهم ومنازلهم، ويجردون من كرامتهم.

أثارت إعادة التوسيم التي حدثت هذا الأسبوع الغضب العارم. ومع تولي وزير داخلية جديد للمنصب، ظهر لقب جديد للسياسة: سوف يتخلص جاويد من مصطلح "البيئة العدائية" ويستخدم بدلًا منه مصطلح "البيئة المتوافقة" الأكثر سلاسة. وسوف تقدم المساعدات إلى جيل ويندروش، وسيحاول المحافظون تحسين صورتهم.

لكن السياسات التي أدت إلى هذه القضية المروعة ستظل ثابتة في مكانها. وسيظل يعامل الأشخاص الذين تصنفهم الحكومة على أنهم "غير شرعيين" بازدراء، ولا يزال من السهل أن يواجه شخص ما خطر الترحيل بسبب ورقة في غير موضعها أو تغيير في القواعد، تمامًا كما حدث مع جيل ويندروش. وهذا من شأنه أن يردع الناس عن التحدث علانيةً إذا ما وقعوا في ورطة، وسيقلل من احتمال طلب الناس للمساعدة في مواجهة الأمراض، وسيستمر في إعاقة كافة صنوف الناس بغض النظر عن تفاصيل أوضاعهم.

لا يماثل تغيير تسمية السياسة التي تنتهجها وزارة الداخلية، حدوث تغيير جوهري في طريقة عملها، وكذلك الحال بالنسبة لتغيير الوزير. فبدون وضع حد لتلك البيئة العدائية، ونهج الحكومة غير الإنساني تجاه الهجرة، الذي يُلقي بظلال الشك على كل شخص يُعتقد أنه مهاجر، فإن تعيين ساجد جاويد لن يغير أي شيء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رغم فوزه.. يمين تيريزا ماي المحافظ يخسر الانتخابات البريطانية!

القفزة البريطانية إلى المجهول