25-أكتوبر-2016

رجل يقرأ جريدة الاهرام المصرية على أحد مقاهي ميدان التحرير (أ ف ب)

بعض رؤساء تحرير الصحف الحكومية المصرية، أو القومية كما يحب أصحابها تسميتها، اخترعوا زوايا تصوّروا أنها كفيلة بأن تفتح لهم باب النيل من خصوم النظام الذي يستخدمهم. وأستطيع القول بملء فمي أن من يحرّر هذه الأبواب هم رؤساء الصحف أنفسهم وليس غيرهم.

وإلا بماذا نفسّر الاعتذار عن صدورها واختفائها عند سفرهم إلى الخارج لمرافقة رئيس الجمهورية في جولاته الخارجية، وأنها تختفي عندما يغيب مقال رئيس التحرير، بما يؤكد أن عذرًا طرأ أجبره على عدم كتابة أي من المقال العلني والزاوية السرية.

هذه الزوايا تنتهك مواثيق الشرف الصحفية كونها تُكتب بواسطة مجهولين

وبالطبع فإن هذه الزوايا تنتهك مواثيق الشرف الصحفية كونها تُكتب بواسطة مجهولين حيث يخشى رؤساء التحرير الإعلان عن أنهم كُتابها وتُكال الاتهامات للأبرياء من دون سند ولا نعرف إلى مَن يتوجه هؤلاء لإنصافهم، ولا ندري سببًا وجيهًا لتجاهل لجنة إعداد تقرير الممارسة الصحفية هذه الزوايا في تقاريرها الدورية ولا تشير إليها باعتبارها مخالفة صريحة لميثاق الشرف الصحفي.

هذه الزوايا أشبه بمطواة "يَغُزّ" بها المسؤول عنها من يرى أنه خصم له أو من يرى أنه يمثل الجناح الذي لا يرضى عنه النظام. وهذه الزوايا لا توجد سوى في صحف الإثارة الشعبية -الصحف الصفراء- في الدول المتقدمة في عالم الصحافة، لكنها تسلّلت إلينا في الصحف الحكومية أو القومية. التي من المفترض فيها أن تكون محافظة من الناحية المهنية وتهتم بإعلام الرأي العام الذي يملكها، وليس بتسطيح وعيه كما تفعل هذه الأبواب التي لا يقرأها سوى من يهتم فقط بالنميمة، ولا يتصوّر كاتبها أنه يحقق بها مجدًا صحفيًا وإنما ستدخل تاريخه باعتباره مخالفة مهنية جسيمة.

وإذا كان رؤساء تحرير الصحف التي توجد بها هذه الزوايا يكتبون ليل نهار تمجيدًا أو تحقيرًا من هامش الحرية غير المسبوق الذي تعيشه مصر، فكيف يفسرون لنا تخفّيهم وراء اسم مجهول وباب بدون صاحب من أجل توجيه انتقاداتهم لمسؤولين كبار، سواء كانوا وزراء أم في مناصب أخرى أو رجال أعمال مقرّببن من السلطة.

اقرأ/ي أيضًا: لا تضغط على الرابط التالي

فإذا كانت الحرية متوفرة فلماذا تلجأ الصحف إلى هذه الأساليب الملتوية لنقد المسؤولين؟! وإذا كان السحر ينقلب على صاحبه أحيانًا، فعلى الذين ينددون بانتشار الفساد أن يلجؤوا إلى هذه الزوايا لكي يقرؤوا ما يرد فيها عن تجاوزات مسؤولين وبعض قضايا الفساد الإداري.

وهو ما يؤكد أن ما تذكره الصحف والمواقع المستقلة في هذا الشأن صحيح وليس تجنّيًا على هؤلاء المسؤولين، حسبما تصوِّر لنا نفس الصحف التي تنشر هذه الزوايا، وهو ما يعكس حالة الشيزوفرينيا التي تعيشها الصحف الحكومية.

هذه الزوايا أشبه بمطواة "يَغُزّ" بها المسؤول عنها من يرى أنه خصم له أو من يرى أنه يمثل الجناح الذي لا يرضى عنه النظام

وهذا الأمر يرجع إلى حالة انعدام الوزن التي تعيشها الصحف الحكومية حيث يعرف رئيس التحرير من يؤيد ولكن بسبب تشابك المصالح وتعقيدات السلطة الحالية لا يعرف من يعارض، فيلجأ إلى تلك الزوايا الخفية التي ينكر أنه هو نفسه الذي يكتبها، حتى يرفع عن نفسه المسؤولية عمّا نشره في الصحيفة التي يرأس تحريرها.

وهو الأمر الذي يعيدنا مرة أخرى إلى أزمة الهوية التي تعاني منها هذه الصحف، فهي من ناحية من المفترض أنها تعبّر عن أطياف المجتمع المصري الذي يملكها، ومن ناحية أخرى فإن أسلوب التعيينات فيها يجبرها على أن تكون لسان السلطة الحاكمة.

الأمر الذي أدى إلى حالة الشيزوفرينيا التي أوجدت هذه الزوايا غير المُبررة أخلاقيًا، لكنها قد تكون مُبررة عمليًا بسبب غياب الحرية تمامًا عن هذه الصحف، وعدم إدراك رؤساء التحرير لتعقيدات نظام الحكم الذي يعملون تحت إمرته.

اقرأ/ي أيضًا:
صحف لندن في موسم تصفية الحساب مع توني بلير
الصحافة في عهد "عبده هيصة"