06-يوليو-2017

اتهم التقرير السعودية بإغراقها المتطرفين بالأموال (Getty)

هناك مثل شعبي في مصر أحبذ استخدامه في الكثير من المواقف، المثل يقول "القحبة تلهيك، واللي فيها تجيبه فيك"، يطلق المثل في تلك المواقف التي يبدأ فيها شخص ما أو مؤسسة ما أو حتى دولة بمهاجمة المنافس أو العدو ونعته بصفات ذميمة أو اتهامات كاذبة لا يخلو منها صاحب الاتهام، وقد تعلمنا في السياسة أن ما أكثر القحاب!

لم يستبعد تقرير "هنري جاكسون" وقوف المملكة السعودية وراء تلك الهجمات الأخيرة التي ضربت مانشستر ولندن بشكل مباشر

بالأمس صدر تقرير من مؤسسة "هنري جاكسون" البريطانية يتهم المملكة العربية السعودية بدعم التطرف والإرهاب ليس في الوطن العربي فقط ولكن في العالم كله، والوقوف خلف بعض الهجمات الإرهابية التي نالت بريطانيا مؤخرًا، يأتي ذلك بالتزامن مع فرض المملكة السعودية حصارًا على دولة قطر واتهامها بدعم التطرف والإرهاب ومطالبتها بالتوقف عن دعم الجماعات المتطرفة!

ما الذي نفهمه من تقرير هنري جاكسون؟
شهدت المملكة المتحدة مؤخرًا هجمات إرهابية طالت مدنًا كبيرة مثل مانشستر ولندن، كان آخرها الهجمات التي وقعت بالعاصمة الإنجليزية في الشهر المنصرم، لم يستبعد تقرير "هنري جاكسون" وقوف المملكة السعودية وراء تلك الهجمات بشكل مباشر.

فاتهم التقرير سعي السعودية لنشر الفكر الوهابي المتطرف منذ أكثر من نصف قرن، واستغلال الرخاء الاقتصادي الذي تنعم به من أجل إغراق المتطرفين بالأموال.

فحسب التقرير، أنفقت السعودية ما يقرب من 67 مليار دولار في الثلاثين سنة الأخيرة فقط، سعيًا لنشر الفكر الوهابي وتقديم تفسيرات دينية تتوافق مع أفكارها، وأشار التقرير كذلك لتمويل السعودية لهؤلاء الدعاة والشيوخ وحتى الجمعيات والمساجد الموجودة بالمملكة المتحدة لترويج خطاب يتسم بالكراهية والتحريض على العنف والأفكار المتشددة، وأن الكثير من الدعاة المتشددين يستندون في تأويلاتهم على كتب دينية مُوّلت ونُشرت بالسعودية، أو تلقوا تعليمهم داخل المدارس والجامعات السعودية.

اقرأ/ي أيضًا: "التدخل السافر".. سياسة بن سلمان لجر السعودية نحو الهاوية

بالإضافة إلى انضمام 850 مواطنًا بريطانيًا إلى تنظيمات جهادية بالعراق وسوريا، يعتقد بوجود أصابع سعودية وراء تمويلها، صبّ التقرير تركيزه على نقطة أساسية مرتبطة بتمويل السعودية للفكر المتطرف داخل بريطانيا، الأمر الذي أدى إلى تنامي تلك الأفكار داخل المجتمعات المسلمة في بريطانيا مهددًا بخلخلة النسيج الاجتماعي وتفكيك تماسكه.

ولم يُبرّئ التقرير السعودية من التطرف الإسلامي والجماعات الجهادية التي غزت العالم العربي وامتدت عملياتها الإرهابية للمجتمع الغربي، بل اتهم السعودية كداعم وممول أساسي يأتي على رأس قائمة من الدول الداعمة للتطرف والإرهاب.

نخلص من هذا، بأن حكومة المملكة السعودية، التي أوافق –شخصيًا- على منحها لقب "مملكة الجهل والظلام"، سعت لدفع تهمة الإرهاب بعيدًا عنها، بإلقائها في أحضان دولة أخرى، لتظهر أمام المجتمع الدولي على أنها الدولة التي تحارب الإرهاب والتطرف وتعادي من افترضت أنها تدعمه، مستغلة في ذلك نفوذها المالي الذي يمكن أن يشتري الحكومات والذمم والضمائر، فتُغرق المتطرفين بالأموال والهبات من ناحية، ثم تُغرق حكومات دول أخرى بالأموال من ناحية أخرى، قد تدفع التهمة بعيدًا عنها.

مصير العلاقات البريطانية-السعودية
تقرير "هنري جاكسون" ليس الأول من نوعه، ولكنه الأكثر جرأة ووضوحًا، وفتح الأبواب أمام الكثير من التساؤلات، نحاول معًا الوصول لإجابات منطقية عنها، إذ تتوافق نتائج ذلك التقرير مع دراسة سابقة أعدتها الداخلية البريطانية في العام المنقضي، بأمر من رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، وكان من المقرر أن تُنشر الدراسة في كانون الثاني/ يناير السابق، لكنها تعرقلت بتدخل من رئيسة الوزراء الحالية تيريزا ماي، لأن نتائج الدراسة تحمل اتهامات مسيئة للمملكة العربية السعودية.

اتهم تقرير هنري جاكسون سعي السعودية لنشر الفكر الوهابي المتطرف منذ أكثر من نصف  قرن

وانطلاقًا من مبدأ الحق في المعرفة وحرية تداول المعلومات، طالب العديد من البريطانيين بالإعلان عن نتائج الدراسة، وانتقدوا تيريزا ماي في موقفها، وإذا نظرنا إلى العلاقات الاقتصادية بين الدولتين والأموال التي يمكن أن توفرها السعودية لبريطانيا، يمكن وقتها فهم مساعي تيريزا ماي من أجل الغطاء السياسي على جرائم السعودية ودعمها للإرهاب، خاصة في حاجة بريطانيا للاستقرار الاقتصادي، وتدعيم علاقاتها مع دول غنية مثل السعودية توفر لها الغطاء المالي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

قد يكون هذا التقرير ورقة ضغط قوية على حكومة تيريزا ماي من أجل الإفصاح عن المزيد من الخبايا المتعلقة بجرائم المملكة السعودية، الأمر الذي سيؤثر بالسلب بكل تأكيد على العلاقات بين الدولتين، وسيكون له مردود إيجابي بحق المكافحة الحقيقة للإرهاب وفي الأزمة الخليجية أيضًا، ويدفع دول الحصار إلى التراجع عن هوس السيطرة والحماقات السياسية المستمرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السعودية عملاق تمويل الإرهاب في بريطانيا.. الفضيحة مستمرة

ما تبقى من أوراق الضغط السعودي والإماراتي على قطر.. فشلٌ من وراء فشل