28-يوليو-2019

من إعلان بيان لجنة التحقيق (أ.ف.ب)

جاء تقرير لجنة فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش السوداني، في 29 رمضان الماضي، صادمًا للجميع، رغم أنه أخذ نحو شهرين من التحريات والاستماع إلى إفادات الشهود. 

اعتبر كثيرون أن تقرير لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة بالسودان، لا يكشف كل الحقائق ويتجاهل الأسئلة الحقيقة حول المجزرة

لكنه بصورة أخرى ربما لم يخالف سوء الظن العريض بالدور المرسوم للنائب العام ولجنة التحقيق، كونها أخفت الحقائق عن عمد، كما يرى البعض، متجاهلةً الأسئلة الحائرة حول من أمر بفض الاعتصام وأطلق الرصاص الحي، ليخلف مئات الضحايا في ساحة انهمر فيها الموت فجأة وغمرتها الدماء.

اقرأ/ي أيضًا: بعد انقطاع دام شهرًا.. عودة الإنترنت في السودان بـ#توثيق_مجزرة_القيادة_العامة

وكان رئيس لجنة التحقيق السودانية في فض الاعتصام، فتح الرحمن سعيد، قد قال في مؤتمر صحفي أمس السبت، 27 تموز/يوليو 2019، أن قوات شبه عسكرية تابعة للدعم السريع متورطة في العملية الدموية التي جرت في الثالث من حزيران/يونيو الماضي، دون أن تتلقى أوامر بذلك.

 وزعم أن السلطات أمرت بتطهير منطقة كولومبيا المحاذية لمنطقة الاعتصام، لكن جنرالًا برتبة لواء، لم يذكر اسمه كاملًا، مكتفيًا بالحروف الأولى منه، خالف التوجيهات وحرك قوة عسكرية صوب منطقة الاعتصام، بحسب رئيس لجنة التحقيق. كما أن المؤتمر الصحفي منعت فيه الأسئلة الصحفية، وبدا أحاديًا أشبه بالبيانات المصورة .

تكريس الغموض

مضى رئيس لجنة التحقيق في تكريس الغموض أكثر من الأول، دون أن يشير إلى أي من أعضاء المجلس العسكري بالمسؤولية، حتى غير المباشرة، مركزًا فقط على المظاهر السلبية التي حفلت بها المنطقة التي تسمى بـ"كولومبيا"، والتي بدت كما لو أنها ذريعة لاستخدام العنف المفرط. 

وأشار رئيس اللجنة إلى وجود ملثمين داخل ساحة الاعتصام وثلاثة آخرين بزي مدني أطلقوا الرصاص على المعتصمين، دون أن يكشف هوياتهم، رغم أن فريق التحقيق ضم وكلاء نيابات وممثلين عن القضاء العسكري ومستشارين قانونيين للشرطة وجهاز الأمن وقوات الدعم السريع.

يأتي ذلك الغموض في الوقت الذي قالت فيه اللجنة إنها استمعت إلى 59 شاهدًا، واعتمدت على سجلات المشارح والشرطة بتحديد أعداد المتوفين والمصابين، وحصلت على صور وفيديوهات لمكان الاعتصام من أحد شهود العيان، و"اتبعت أسلوب التحقيق الاستقصائي وتطبيق المعايير الدولية"، كما قالت! 

شكوك حول اللجنة

في الحال ارتفعت الأصوات الرافضة لتقرير لجنة التحقيق في عملية الفض، وعقد تجمع المهنيين السودانيين مؤتمرًا صحفيًا ركز فيه على رفض تقرير اللجنة. وقال المتحدث باسم التجمع، إسماعيل التاج، إن نتائج لجنة التحقيق الحكومية التي شكلها النائب العام "لاتعنيهم في شيء، ولا يعترفون بها".

ووصف التاج نتائج اللجنة بـ"الصادمة"، كاشفًا عن أن هناك 38 مفقودًا لم تتطرق إليهم اللجنة بالذكر، معتبرًا أن الأجهزة العدلية لا تزال خاضعة لسيطرة حزب الرئيس المقال عمر البشير، وأن تقرير هذه اللجنة "يقوّض العدالة".

إسماعيل التاج
إسماعيل التاج، المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين

من جهة أخرى، شهدت ضاحية بري وسط الخرطوم، تظاهرات أدت لإغلاق الطرق بالمتاريس، وذلك عقب الإعلان عن تقرير لجنة تقصي الحقائق. 

كما توقفت حركة المرور في شارع الأربعين بمدينة أم درمان، ومناطق الحاج يوسف والصحافة، بسبب إشعال مواطنين لإطارات السيارات احتجاجًا على نتائج التقرير. 

وأغلقت المحال التجارية في مناطق الاحتجاج أبوابها عصر يوم أمس السبت، وذلك بعد أن تصدت قوات الشرطة للمحتجين، وأطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

دفن الحقائق 

ومن القوى السياسية، رفض حزب المؤتمر السوداني، أحد مكونات قوى الحرية والتغيير، تقرير اللجنة معتبرًا أنه "محاولة الهدف منها إخفاء الحقائق ودفنها تحت الركام".

وأشار المؤتمر السوداني في بيان تلقى "الترا صوت" نسخة منه، إلى أنّ تقرير لجنة التحقيق أنكر حدوث اغتصابات داخل محيط الاعتصام، موضحًا أنّ ذلك يخالف تقارير معتمدة لمنظمات عديدة دونت هذه الجرائم، ووثقت لاغتصاب عدد كبير من النساء والرجال على السواء، مؤكدًا أنّ هذه الوقائع ثابتة.

وعلى إثر حزب المؤتمر، مضى حزب الأمة القومي، الذي رفض رئيس المكتب السياسي فيه محمد المهدي حسن، تقرير اللجنة، قائلًا إنّ "التقرير لا يعنينا في شيء".

وبينما غطى تقرير لجنة فض الاعتصام جوانب محدودة من مأساة الثالث من حزيران/يونيو، أثيرت على ضوئه مخاوف الإفلات من العدالة، والرهان على الذاكرة بتجاوز ما حدث، من خلال ترحيل مواجهة الحقائق. 

ووصف قانونيون تحدثوا لـ"الترا صوت" التقريرَ بأنه يفتقر إلى تحديد المسؤول بصورة واضحة عن فض الاعتصام، واعتبروه أيضًا عبارة عن "مرافعة دفاع عن الذين ارتكبوا المجزرة وقتلوا الشابات والشباب الأبرياء". 

كما لفت القانونيون إلى ضرورة الطعن في عبارة "نظافة" منطقة كولومبيا الواردة في التحقيق، والتي قد تعني كما لو أن البشر الذين كانوا يتواجدون فيها بلا معنى، ومجرد أوساخ، أو شيء من هذا القبيل.

وعلى صفحته بفيسبوك، كتب المرشح لمنصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية، عبد الله حمدوك، تدوينة قال فيها: "‏العدالة ليست أولًا، بناء مؤسسات العدالة أولًا، مؤسسات قادرة على تحقيق العدالة، وسن قوانين ناجزة، وبعد ذلك العدالة ثانيًا و ثالثًا ورابًعا وخامسًا إلى ما شاء الله" .

احتمالات احتجاجية

ومن المرجح أن يتسبب تقرير لجنة فض الاعتصام، في أزمة جديدة بين الشارع السوداني والمجلس العسكري الانتقالي، خصوصًا وأن الأوضاع عمومًا في السودان تمضي إلى حال أسوأ من تردS اقتصادي وغلاء للأسعار وقطع خدمة الكهرباء، وحالة من السيولة الأمنية.

برزت حالة غضب تجاه قوى الحرية والتغير، حيث يرى كثيرون إنها مضت في شراكتها مع المجلس العسكري غير عابئة بالمواطنين

فضلًا عن بروز حالة غضب تجاه قوى الحرية والتغيير، التي يرى كثيرون إنها مضت في شراكتها مع المجلس العسكري غير عابئة بالمواطنين، مكتفيةً فقط بالاحتجاج على التقرير، دون موقف صارم، الأمر الذي من شأنه أن يتطور بعزل هذه القوى من حاضنتها الشعبية، ما قد يفتح الباب على كل الاحتمالات الاحتجاجية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الانقلاب الفاشل في السودان.. مسرحية حميدتي لإتمام السيطرة؟

المجال العام للحراك السياسي في السودان.. مُقاربة نَقدِية