09-يناير-2023
gettyimages

(Getty) نتج عن هذه المشكلة تأخر وصول الأسلحة لأوكرانيا

قدم الغرب المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ويتنامى هذا الدعم بشكلٍ مستمر لمواجهة الغزو الروسي، إلا أن طريقة وصول هذا الدعم كشفت عن نقاط ضعف عديدة، فقد ذَكر الغزو القادة العسكريين في حلف الناتو بمشكلة طالما أثارها بعضهم في السنوات الأخيرة، وهي صعوبة نقل المعدات العسكرية في طرقات القارة الأوروبية، حيث تداعت البنية التحتية للإمداد في دول حلف الناتو، وتوقف التشاور وانقطع التواصل بين خبراء الإمداد العسكري وسلطات النقل المدنية.

قدم الغرب المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ويتنامى هذا الدعم بشكلٍ مستمر لمواجهة الغزو الروسي، إلا أن طريقة وصول هذا الدعم كشفت عن نقاط ضعف عديدة

ويرصد تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية مكامن الضعف في الدعم الغربي لأوكرانيا، مع اقتراب دخول الحرب عامها الثاني. وتبرز الصحيفة عدة أمثلة على ذلك، فعندما أرادت فرنسا إرسال دباباتها "Leclerc" لتعزيز الدفاعات العسكرية لأوكرانيا، عبر رومانيا العضو في حلف الناتو في أيلول/ سبتمبر الماضي، عارضت  ألمانيا نقل الدبابات عبر طرقها السريعة، ولم يكن سبب الرفض الألماني مرتبطًا بالاحتجاجات المطالبة بالسلام، ولا بالمعارضة السياسية لدعم أوكرانيا بالأسلحة، وإنما كان السبب في الأوزان الثقيلة لناقلات الدبابات الفرنسية، فقد بررت السلطات الألمانية ذلك، بالقول إن الوزن الإجمالي لتلك الناقلات يتجاوز الحد القانوني للوزن المسموح به في معظم الطرق في البلاد، وعرضت استخدام طريق آخر، لكن باريس رفضت ذلك، وأرسلت دباباتها عبر خط السكك الحديدية، فتسبب ذلك في تأخر وصول الدبابات إلى أوكرانيا.

أما الواقعة الثانية، فتتعلق بالطائرات الحربية، فقد دمرت روسيا أغلب المطارات العسكرية، والطائرات والدفاعات الجوية الأوكرانية، في بداية الغزو، وبدا أن سلاح الطيران الروسي يسيطر بشكلٍ كامل على الأجواء الأوكرانية، لكن بولندا عرضت تقديم أسطولها من طائرات "Mig" إلى أوكرانيا، مقابل أن تعوضها الولايات المتحدة بطائرات أحدث، وبالفعل وافقت واشنطن على العرض، لكنها تراجعت عن ذلك  لاحقًا، وقيل وقتها إن سبب تراجعها هو خشيتها من ردة فعل موسكو، لكن اتضح لاحقًا أن الخلاف الحقيقي كان بشأن كيفية إيصال المقاتلات البولندية إلى كييف، سواء من القواعد الأمريكية، أو من قواعد أخرى تابعة للحلف.

getty

ومع تسارع وتيرة المساعدات الغربية لكييف بصورة لافتة، وتدفق شحنات الأسلحة، وبشكلٍ خاص الصواريخ المضادة للدروع والطائرات، ومنها صواريخ "FIM-92 Stinger" و"FGM-148 Javelin" الأمريكية، بدأت مطالب الرئيس الأوكراني للغرب أكثر تحديدًا، خاصةً مع ظهور مؤشرات على قدرة القوات الأوكرانية على وقف تقدم القوات الروسية، وبدأ زيلينسكي في رسائله اليومية المصورة، يطالب دول حلف الناتو، وجميع دول العالم بتقديم مساعدات عاجلة لأوكرانيا، واصفًا بلاده بأنها "تمثل الديمقراطية وتدافع عن أوروبا بأكملها"، وحدد مطالبه بشكل دقيق، والتي تمثلت في فرض منطقة حظر للطيران فوق أوكرانيا، وإرسال طائرات عسكرية إلى بلاده، لكن هذين المطلبين أثارا خلافات داخل حلف الناتو، وأظهرت تباينات وانقسامات بين الحلفاء.

ومع اتساع نطاق الغزو واستمراره، ظهرت مشكلة أخرى لدى حلف الناتو، تمثلت في البنية التحتية لنقل الأسلحة بين دول الحلف، فقد زاد توسع حلف الناتو عام 1999، بانضمام  دول من "حلف وارسو" السابق، والذي ضم دولًا كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي ومن خارجه، من تعقيد الأمور، لأن المسؤولين الجدد لم يكن لديهم خبرة بالطرق وخطوط السكك الحديدية المناسبة لاستخدامها أثناء الأزمات، وعلى مدى سنوات طويلة، لم تُفحص مناطق الإمداد مثل الجسور والأنفاق والمعابر في الدول التي انضمت للحلف بعد عام 1999، إذ لم يعتقد أحد أن ثمة حاجة إلى ذلك، وغاب عن معظم المراقبين المخاطر الأمنية المتعلقة في قلة الطرق السريعة عالية السعة في تلك الدول.

getty

وتشير "وول ستريت جورنال"، إلى أنه بعد استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، واندلاع الحرب في شرق أوكرانيا عام 2014، تصاعدت احتمالات وقوع الحرب بالقرب من أراضي دول حلف الناتو، واستدعى ذلك إعادة اكتشاف طرق النقل والإمداد المتوقفة منذ سنوات طويلة في أوروبا، وعكف قائد القوات الأمريكية في أوروبا آنذاك، الجنرال بن هودجز طيلة 4 أعوام، على محاولة تحسين طرق النقل العسكري في القارة الأوروبية، وكانت رؤيته تقوم على أن المعدات العسكرية يجب أن تتحرك بسهولة كما يفعل الناس داخل منطقة "اتفاقيات شنغن" بين معظم الدول الأوروبية، وبعد أن تقاعد الجنرال هودجز في عام 2018، أنشأ حلف الناتو، هيكلين جديدين للإشراف على خدمات النقل والإمداد في التحالف، أحدهما للخدمات اللوجستية الأوروبية، والآخر للشحن عبر المحيط الأطلسي.

وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا سعى الاتحاد الأوروبي لتجنب المشاركة المباشرة في الحرب، لكنه عمل جاهدًا على مساعدة الجيوش الأوروبية على العمل بكفاءة أكبر، وزاد من تركيزه على دعم قدرات التنقل العسكري، وشرعت وكالة الدفاع الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي في مشروع لتعزيز قدرات النقل العسكري تقوده هولندا، وضم بعض الدول غير المنتمية للاتحاد الأوروبي، مثل النرويج وكندا والولايات المتحدة، بالإضافة لبريطانيا. وتم العمل على تطوير نماذج جمركية رقمية، يمكن للسلطات المدنية والعسكرية الوصول إليها، لنقل الشحنات بسلاسة بين الدول.

getty

وقال وزير دفاع السويد بول جونسون، الذي ترأس بلاده  الاتحاد الأوروبي منذ مطلع هذا العام، إن "تعزيز قدرات النقل والإمداد العسكري أمر بالغ الأهمية لالتزام الاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو بالمادة 5 من ميثاق التحالف، وهو مجال متاح للتعاون".

ومع ذلك، فإن الخطوات العاجلة التي اتخذتها دول الحلف منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت "إنذارًا قاسيًا عن كثرة النواقص، والحجم الكبير للإصلاحات التي ينبغي عملها للوفاء بالاحتياجات"، وقال مسؤولون إن "تسليح القوات الأوكرانية، ومساندة الدفاعات العسكرية لدول الناتو القريبة من روسيا، مثل بولندا وبلغاريا ورومانيا، تطلَّب الكثير من التدابير الخاصة لتجاوز العقبات البيروقراطية واللوجستية".

وهو ما أكده نائب وزير الدفاع التشيكي جان جيريش، قائلًا إن "بلاده وجيرانها، تعاني صعوبات جمة، بسبب ضعف البنية التحتية المادية"، فقد كانت أغلب دبابات حلف وارسو، ومركباته العسكرية أصغر حجمًا وأقل وزنًا من نظيرتها الغربية، ومن ثم فإن الجسور والممرات المتاحة ذات تصميم مناسب لنقل المعدات الروسية والسوفيتية، لكنها ستنهار تحت ثقل المعدات والمركبات البرية التابعة لحلف الناتو.

المشكلة لا تقتصر على الدول السابقة لحلف وارسو، فالدول الغربية التابعة لحلف الناتو منذ زمن طويل تعاني من مشكلات في البنية التحتية

لكن المشكلة لا تقتصر على الدول السابقة لحلف وارسو، فالدول الغربية التابعة لحلف الناتو منذ زمن طويل تعاني من مشكلات في البنية التحتية أيضًا. ولتجاوز هذه العقبات يعكف حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، على البحث عن سبل معالجة أوجه القصور، وإزالة هذه العقبات، بحيث تكون تصميمات الطرق المدنية والبنية التحتية البحرية والسكك الحديدية قادرة على الوفاء بالاحتياجات العسكرية في الوقت نفسه، لا سيما أن الانضمام المرتقب لفنلندا والسويد، يعني أن الحلف سيشمل أكثر من 96% من سكان الاتحاد الأوروبي.