01-مايو-2017

علم الاحتلال الإسرائيلي في الجولان المحتلة (ديفيد سيلفرمان/ Getty)

تعرّضت سوريا لاعتداءات إسرائيلية عديدة خلال الشهور القليلة الماضية، استهدفت مواقع مختلفة في محيط العاصمة دمشق ووسط البلاد وجنوبها، كان آخرها الاعتداء الذي وقع فجر السابع والعشرين من نيسان/أبريل 2017، وتزامن مع زيارة وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان موسكو لحضور مؤتمر للأمن بمشاركة نحو عشرين وزير دفاع، بينهم وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان. وقد استهدفت الطائرات الإسرائيلية مستودع أسلحة لحزب الله اللبناني وخزانات وقود للطائرات في محيط مطار دمشق الدولي. وكانت تقارير إعلامية أفادت بأنّ أربع طائرات شحن، ثلاثٌ منها إيرانية والرابعة سوريا، كانت قد وصلت إلى مطار دمشق قادمة من إيران قبل الضربة الإسرائيلية بنحو ساعتين.

منذ اندلاع الثورة السورية ثم تحولها لحرب أهلية، وإسرائيل تتخذ إستراتيجية إطالة أمد الحرب لإضعاف سوريا

وفي الثاني والعشرين من نيسان/أبريل 2017، استهدفت طائرات إسرائيلية معسكرًا تابعًا "لقوات الدفاع الوطني"، وهي تنظيم شبه عسكري تابع للنظام السوري في محافظة القنيطرة، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أفراد، وفي السابع عشر من آذار/مارس 2017، استهدفت طائرات إسرائيلية موقعًا قرب تدمر وسط سوريا، يحتوي على صواريخ متطورة، أشارت تقارير أنّها كانت معدّة لنقلها إلى حزب الله في لبنان.

وفي أعقاب هذا الهجوم استدعت وزارة الخارجية الروسية سفير إسرائيل في موسكو، وأبلغته احتجاج روسيا عليه. وكانت هذه المرة الأولى والوحيدة التي تحتج فيها روسيا رسميًا على الهجمات الإسرائيلية الموجهة ضد أهداف في الأراضي السورية. ويعزى هذا الاحتجاج إلى أنّ الأهداف التي قصفتها إسرائيل كانت قريبة من معسكر روسي. فلماذا تسارعت وتيرة الهجمات التي تنفّذها إسرائيل في عمق الأراضي السوريا خلال المدة الأخيرة؟ وهل تحاول إسرائيل من خلالها التعبير عن سياسة واضحة تجاه الصراع الدائر في سوريا؟ وما حدود الردّ المتوقع من النظام وحلفائه على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السوريا؟ 

اقرأ/ي أيضًا: الأسد يستنجد بروسيا لحمايته من إسرائيل

خطوط إسرائيل الحمراء

منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، وقيام النظام السوري بتحويلها إلى حرب أهلية، اتخذت إسرائيل مواقفَ تقوم على إستراتيجية إطالة أمد الحرب وإضعاف سوريا من خلالها. كما تابعت إسرائيل عن كثب تطورات الحرب، وحددت خلال مراحلها خطوطًا حمراء للنظام السوري، وشمل ذلك منع استخدام الأراضي السورية لنقل أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان، مثل السلاح الكيماوي، ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة وصواريخ "أرض - أرض" بعيدة المدى، وصواريخ "أرض - بحر" وطائرات دون طيار.

إلى جانب ذلك أضافت إسرائيل، في العامين الأخيرين، إلى خطوطها الحمراء منع وجود قوات عسكرية تابعة لإيران أو حزب الله أو مليشيات أخرى موالية لهما في جنوب سوريا في المنطقة القريبة من الجولان السوري الذي تحتله إسرائيل، أو المحاذية له. وفي الآونة الأخيرة، أولت إسرائيل موضوع منع أيّ وجود عسكري لإيران وحزب الله بالقرب من الجولان المحتل اهتمامًا كبيرًا. ويعود ذلك لسببين أساسيين: أوّلهما أنّه في ضوء ضعف الجيش السوري أو عجزه، تحاول هذه القوى الوجود في المناطق المحاذية للجولان المحتل.

وقد تعايشت إسرائيل مع القوات السوريا الرسمية الملتزمة باتفاقيات وقف إطلاق النار عقودًا طويلة، ولا توجد أيّ اتفاقيات أو ترتيبات تنظّم سلوك هذه القوى غير النظامية على الحدود؛ ويتمثل ثانيهما بأنّ إسرائيل أصبحت تطمع في ما هو أكثر من ذلك؛ إذ باتت تصرّ على أنّ أيّ حل سياسي لتسوية الحرب في سوريا يجب أن يضمن عدم وجود قوى عسكرية على الحدود المحاذية للجولان المحتل وإبقاءَه عمليًا منطقة نفوذ إسرائيلية منزوعة السلاح.

حرصت روسيا منذ تدخّلها في سوريا، على التنسيق مع إسرائيل بشأن تحركات الأخيرة في سوريا

ومنذ كانون الثاني/يناير 2012، تشنّ إسرائيل عشرات الغارات على مواقع مختلفة في سوريا كلّما رأت أنّ أحد هذه الخطوط الحمراء جرى اختراقه. وشجّعها على الاستمرار في عدوانها طوال السنوات الخمس ونيف الماضية، امتناع النظام السوري عن الردّ على أيٍ من هذه الاعتداءات، سواء تلك التي استهدفت قواته وقواعده العسكرية أم هاجمت مخازن الأسلحة التابعة لحزب الله على الأراضي السوريا، أم قوافل السلاح المتجهة إلى حزب الله في لبنان. ففيما عدا انشغاله بمعاركه مع الفصائل المسلحة السوريا، بدا النظام عاجزًا وفاقدًا الإرادة في الرد على الاعتداءات الإسرائيلية بينما كان يستبسل هو والمليشيات المتحالفة معه في استخدام مختلف أنواع الأسلحة التي بحوزته ضد المدن والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة السوريا المسلحة.

اقرأ/ي أيضًا: هل أصبح "ترحيل" بشار الأسد قريبًا؟

الموقف الروسي من الاعتداءات الإسرائيلية

حرصت روسيا منذ تدخّلها العسكري المباشر في سوريا، في نهاية أيلول/سبتمبر 2015، على التنسيق الدائم مع إسرائيل بشأن التحركات الإسرائيلية في سوريا؛ فأنشأ الطرفان لجنة تنسيق رسمية مشتركة مكونة من قيادة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وقيادة القوات الروسية في سوريا، لتجنّب أيّ صدام بين الطائرات الإسرائيلية التي أقرّت روسيا بـ"حقها" في قصف أهداف في داخل سوريا، وفقًا للخطوط الحمراء الإسرائيلية المعلنة، ومنظومات الدفاع الجوي الروسية المتطورة في سوريا.

ويسود قلق في إسرائيل، على الرغم من امتلاكها مطلق الحرية في شن اعتداءاتها داخل الأراضي السوريا وتنسيقها الدائم بين الطرفين، من خلال لجنة التنسيق العسكرية، أو الاجتماعات والاتصالات المستمرة بين القيادتين الروسية والإسرائيلية. وهو قلق من أمرين أساسيين؛ أولهما، زيادة نفوذ إيران والمليشيات التابعة لها في سوريا، لا سيما بعد معركة حلب في كانون الأول/ديسمبر الماضي، ومحاولات القوات الإيرانية وقوات حزب الله والمليشيات الموالية لهما التمركز في جنوب سوريا في المنطقة القريبة من الجولان السوري المحتل أو المحاذية له. وثانيهما، إمكانية إنهاء الحرب الأهلية في سوريا من خلال تسوية سياسية بتوافق روسي أميركي تحافظ على وحدة الأراضي السوريا من دون أن تعطي إسرائيل مكسبًا ملموسًا، بخاصة ما يتعلق بسعيها الدؤوب للحصول على شرعية دولية أو أميركية لضمّها الجولان السوري الذي تحتله منذ عام 1967. 

الموقف الأميركي

رفع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، توقعات القيادة الروسية في إمكانية زيادة التعاون بين الطرفين في ما يخص المسألة السوريا، لكن سرعان ما تبددت هذه الآمال جرّاء تعرّض مساعي ترامب للتقارب مع روسيا لعدة نكسات؛ كان أبرزها إقالة مستشار الأمن القومي السابق الجنرال مايكل فلين الذي ارتبط بعلاقات وثيقة بموسكو، فضلًا عن معارضة المؤسسة الأمنية الأميركية محاولات التقارب مع روسيا والدفع نحو التشدد حيالها.

لم تبلور إدارة ترامب إستراتيجية متكاملة في ما يخص الشرق الأوسط والمسألة السوريا. لكن، يمكن الإشارة إلى العديد من ملامحها الأولية، وأهمّها استعادة العلاقات الحميمة بإسرائيل وترميم العلاقات بالدول العربية "المعتدلة" وفي مقدّمها دول الخليج ومصر، وتبنّي سياسة صقورية تجاه إيران في ما يخص تمددها الإقليمي، وتدخّلها عبر أذرعها المختلفة في الدول العربية، وملفها النووي.

ولم تمهل جرائم النظام السوري بحق الشعب السوري ترامب كثيرًا؛ ففي الرابع من نيسان/أبريل 2017 قصف النظام السوري بلدة خان شيخون بالسلاح الكيماوي، ما أدى إلى قتل نحو 100 مدني سوري، وإصابة أكثر من 400 آخرين. وكانت هذه المجزرة أول تحدٍ تواجهه إدارة ترامب. ولم يتأخر رد الإدارة الأميركية كثيرًا، لا سيما في ضوء التيقن من أنّ النظام السوري هو الذي ارتكب المجزرة من خلال التقاط محطات التنصت الأميركية، محادثة الطيار السوري مع قيادته، وهو متّجه لإلقاء السلاح الكيماوي على بلدة خان شيخون؛ ففي ليلة السابع من نيسان/أبريل هاجمت الولايات المتحدة قاعدة الشعيرات العسكرية السورية، التي انطلقت منها طائرة النظام التي ارتكبت المجزرة، بنحو ستين صاروخًا أُطلقت من البحر الأبيض المتوسط، بعد أن أعلمت روسيا مسبقًا.

اقرأ/ي أيضًا: هل ترسم الضربة الأمريكية مسارًا جديدًا نحو سوريا؟

وحمل هذا القصف رسالة واضحة إلى جميع الأطراف، بأنّ إدارة ترامب على استعداد لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية على خلاف إدارة أوباما. لكن، يبدو أنّ هذه العملية في حد ذاتها لم تشر إلى حدوث تغيير جذري أو جدي في سياسة إدارة ترامب بشأن سوريا، ما عدا الإعلان عن عودتها للقيام بدور؛ فلا يمكن التوصل إلى أيّ حلٍ من دونها. ويبدو أنّ إدارة ترامب التي ما زالت تضع محاربة داعش في قمة أولوياتها، لم تحسم أمرها بعد في ما يخص طبيعة دور الولايات المتحدة في سوريا، ومدى استعدادها للتعاون مع روسيا في السعي للتوصل إلى تسوية سلمية للصراع في سوريا.

ومهما يكن الأمر، وسواء اتّبعت إدارة ترامب سياسة أكثر حضورًا وتأثيرًا في مجريات تطور الأحداث في سوريا أم لا، تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها في ما يخص المسألة السورية، من خلال اتصالاتها وعلاقاتها بكلٍ من أميركا وروسيا، واعتداءاتها المتكررة على أهداف مختلفة في سوريا التي من المتوقع أن تستمر وتزداد في الزمن المرئي؛ وفي مقدمة هذه الأهداف الاحتفاظ بالجولان السوري المحتل والسعي للحصول على شرعية لضمّها إياه، ومعارضة وجود قوات تابعة لإيران وحزب الله في جنوب سوريا في المنطقة القريبة من الجولان المحتل، وجعلها منطقة نفوذ إسرائيلية منزوعة السلاح.

من المستبعد حدوث مواجهة بين إسرائيل وحزب الله على الحدود اللبنانية، فالطرفان غير معنيين الآن بهذه المواجهة 

أما بالنسبة إلى الحدود اللبنانية، فمن المستبعد حدوث مواجهة بين إسرائيل وحزب الله عليها؛ فالطرفان غير معنيَين بهذه المواجهة في الزمن المرئي، وكلٌ له أسبابه. وقد عدّت إسرائيل التظاهرة الإعلامية التي أجراها حزب الله على الحدود في جنوب لبنان جزءًا من الحرب النفسية والإعلامية التي يقوم بها أساسًا تجاه جمهوره في لبنان، في ضوء استمرار تعرّض مواقعه ومخازن أسلحته في سوريا للضرب الإسرائيلي المتكرر. فالمعيار الحقيقي بالنسبة إلى إسرائيل هو التزام حزب الله التام وقف إطلاق النار ومنعه المطلق أيّ طرف لبناني أو فلسطيني من مقاومة إسرائيل من جنوب لبنان، مهما تعرّضت مواقعه في سوريا لقصف الطائرات الإسرائيلية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

اقتراب داعش من الجولان.. تذكرة إسرائيل المجانية

قانون "عزمي بشارة".. شرعنة الحرب على المواطنة