26-سبتمبر-2017

الجولة التفقدية لمتحف اللوفر أبوظبي (فيسبوك)

بعد ما يقرب من عشرة سنوات من العمل على المشروع، يُفتتح متحف "اللوفر أبو ظبي" في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وهو متحف تم إنشاؤه وفق اتفاقية موقّعة بين وزارة الثقافة الفرنسية ومدينة أبوظبي "ليكون امتدادًا للنسخة الأصلية من متحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية باريس"، كما قيل. وفي أثناء الجولة التفقدية للمتحف التي قام بها الشيخ محمد بن زايد والشيخ محمد بن راشد، ظهرت بعض القطع الأثرية المصرية، مما صعّد الشكوك حول تهريب آلاف القطع الأثرية في السنوات السابقة بعلم السلطات، من مصر إلى أبوظبي. في هذا التقرير، تحاول فهم بعض هذه الشكوك.

خلال الجولة التفقدية لمتحف اللوفر أبوظبي، ظهرت العديد من القطع الأثرية المصرية مما صعّد الشكوك حول تهريبها إلى أبوظبي

يذكر أن مشروع متحف اللوفر أبوظبي واجه العديد من الانتقادات منذ بداية العمل في مشاريع البناء، بسبب ما تعرّض له العمال من انتهاكات وإساءات وترحيل تعسفي، الأمر الذي جعل منظمة هيومان رايتس ووتش تنشر تقريرًا مصورًا ومكتوبًا في شباط/ فبراير 2015 بعنوان "الأسرار القذرة وراء مشروع متحف اللوفر أبو ظبي" وثّقت فيه بعض الشهادات الشخصية من العمال الذين تعرضوا لإساءات، وأشارت إلى ضرورة الالتزام بتدابير الحماية للعمال بشكل أكثر جدية، ودفع التعويضات لهؤلاء الذين تعرضوا لإساءات أو الذين تم ترحيلهم تعسفيًا بعد إضرابهم.

لكن ما القصة خلف آلاف القطع الأثرية المختفية؟

على مواقع التواصل الاجتماعي، نُشرت بعض التدوينات التي تربط بين موافقة السيسي على رئاسة مجلس أمناء المتحف المصري والقطع الأثرية المفقودة، حيث تذكر التدوينات أن الرئيس السيسي عُيّن كرئيس لمجلس أمناء المتحف المصري في السابع عشر من حزيران/ يونيو الماضي.

وبعد تعيين السيسي بيومين فقط، قررت الإدارة المركزية للمخازن المتحفية إصدار قرار بعدم تركيب كاميرات المراقبة بداخل قاعات التخزين "حفاظًا عليها من السرقة"!، حسب قولهم، حيث صرح سعيد شبل، رئيس الإدارة المركزية للمخازن المتحفية وقتها "فضلنا عدم تركيب كاميرات داخل قاعات التخزين، حفاظاً على سرية محتويات القاعات، وعدم كشف ما بها أمام الكاميرات، خاصة أن المختص بمراقبة القطع الأثرية ليسوا أصحاب العهد الأثرية".

تدوينات تربط بين موافقة السيسي على رئاسة مجلس أمناء المتحف المصري والقطع الأثرية المفقودة

وفي أواخر شهر تموز/يوليو الماضي، انقطعت الكهرباء عن مطار القاهرة الدولي، مبنى الركاب 3، لأسباب غير معلومة ولأكثر من ساعة، ليتم بعد ذلك إثبات تورط بعض قيادات المطار، ليصدر حكم قضائي يوم الأربعاء الماضي بحبس 10 متهمين لمدة ثلاث سنوات، بتهم الإضرار العمد والإهمال الجسيم، في واقعة انقطاع الكهرباء.

وبعد حادثة انقطاع الكهرباء بأيام قليلة، أصدرت وزارة الآثار بيانًا عن اختفاء 32638 قطعة أثرية من مخازن الوزارة، ثم ظهرت قطع أثرية مصرية في متحف اللوفر أبوظبي منذ أيام، ليربط البعض بين هذه الوقائع، ويشيرون باتهامات وشكوك حول تورط المسؤولين في تهريب الآثار المصرية أو بالأحرى بيعها للحكومة الإماراتية الموالية للنظام المصري.

بعد ذلك خرج أيمن عشماوي، رئيس قطاع الآثار بوزارة الآثار المصرية موضحًا أن آلاف القطع الأثرية لم تختفِ من المخازن كما قيل، وإنما يرجع الأمر لأحد تجار الآثار كان يمتلك 34 ألف قطعة أثرية قبل وضع قانون يجرم امتلاكها، وأخذت الدولة عهدة عليه بعدم التصرف فيها، ورغم ذلك قام بتبديد ما يقرب من 31 ألف قطعة، كما قال.

ليزداد الأمر غموضًا بعد هذه التصريحات، وهذا التخبط بين التصريحات الرسمية حول اختفاء الآثار من المخازن أو تبديدها عن طريق تاجر آثار، وفي الحالتين يؤكد ما يحدث حالة من الإهمال المزري للتفريط في تاريخ مصر وتراثها.

اقرأ/ي أيضًا: المتحف المصري الكبير: مغارات الآثار والأربعين حرامي!

قرار السيسي عدم تركيب كاميرات مراقبة داخل المخازن الأثرية أثار حفيظة الكثيرين وتخوفاتهم من أن يكون تمهيدًا لسرقات أثرية

ردود فعل مستنكرة: "علاقات التبعية لا تبرر نهب الآثار"

طرح الصحفي المصري عبدالناصر سلامة منذ أيام بعض التساؤلات المشروعة عن كيفية وصول الآثار المصرية إلى متحف أبوظبي، وطالب الرئيس السيسي بالتدخل والتوضيح، كونه رئيس مجلس أمناء المتحف المصري، وطالب النائب العام بالتحقيق في الأمر واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

كما ذكر سلامة في مقاله الأخير، أن زاهي حواس وزير الآثار المصري الأسبق، قاد حملة في عام 2008 ضد مشروع متحف اللوفر أبوظبي، لما ورد من أخبار حول احتواء المتحف على آثار مصرية، ونسبت بعض التصريحات إلى حواس التي جاء فيها أن "المصالح مع بلدان العالم المختلفة، لا تبرر نهب الآثار المصرية، وتحويلها إلى بضاعة تباع وتشترى في مشروعات متخفية تقام في دول أخرى، مثلما يحدث الآن بين باريس وأبوظبي".

غير أن تصريحات زاهي حواس الأخيرة التي أدلى بها لجريدة التحرير يوم الثلاثاء الماضي، حملت قدرًا من التهاون الذي يتعارض مع الشدة والحرص "الشديدين"، اللتين تعامل بهما بخصوص متحف الإمارات في بداية إنشائه في 2008، حيث قال "إن كل ما في الأمر أن أبوظبي عقدت اتفاقية مع متحف اللوفر تمنحهم حق الحصول على آثار فرعونية وإسلامية لعرضها في متحفهم، وذلك بناء على تفاهمات بين الدولتين".

وهو الأمر الذي رفضه بشدة من قبل، مدعيًا أن المصالح بين البلدان لا تعني نهب الآثار المصرية، وأشار إلى "أن مصر لم تشترك في هذه المسألة نهائيًا، ولا يوجد قانون بيننا وبين أي متحف أجنبي يعطينا الحق في عدم عرض القطع الفرعونية إلا بعد موافقتنا"، كما نفى حواس الأقاويل حول تهريب الآثار من مخازن الوزارة بعد منع استخدام كاميرات المراقبة واصفًا إياها بالشائعات المغرضة!

اقرأ/ي أيضًا: "حاميها حراميها".. ضباط في الجيش والشرطة وراء سرقة وتهريب آثار مصر!

الإمارات وإسرائيل كمعبر سري للآثار المهرّبة من مصر

نشرت جريدة التايمز البريطانية تحقيقًا صحفيًا في بداية الشهر الجاري، ذكرت فيه تورط ضباط بالجيش المصري في عمليات تهريب للآثار المصرية عبر الإمارات وإسرائيل كمعبر سري قبل الوصول إلى الوجهة النهائية المتمثلة في الولايات المتحدة وأوروبا، ولم تكن المرة الأولى التي تتهم الصحافة العالمية الإمارات وإسرائيل بالتورط في عمليات تهريب الآثار أو سرقة التراث التاريخي للدول العربية، ففي السادس من تموز/ يوليو الماضي، نشرت جريدة التلغرام البريطانية تحقيقًا لمّح إلى دعوى قضائية رفعتها وزارة العدل الأمريكية على شركة "هوبي لوبي" المتخصصة في بيع الأعمال والتحف الفنية بعد أن ثبت تورطها في شراء نحو 5500 قطعة أثرية هُربت من العراق عبر سماسرة من الإمارات وإسرائيل بوثائق شحن مزوّرة، واضطرت الشركة إلى تسوية الأمر بدفع 3 ملايين دولار.

بهذين التقريرين نجد أن الإمارات وإسرائيل تحولا إلى مركزين للتجارة بالآثار المهرّبة أو المسروقة عبر سماسرة تربطهم علاقات برجال في مناصب تحميهم من المساءلة القانونية، مما يجعل الاتهامات الأخيرة حول تورط الإمارات في تهريب أكثر من ثلاثين ألف قطعة أثرية، وظهور بعض القطع الأثرية المصرية في متحف اللوفر أبوظبي، اتهامات وجيهة للغاية حتى وإن لم نمتلك الدليل الواضح عليها حتى الآن، ولكن كل المؤشرات تدل على سوق إماراتي خفي لتجارة الآثار المهرّبة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يمهد هولاند لـ"امتلاك" آثار العراق وسوريا؟

سرقات الآثار الكبرى في مصر.. تسريب التاريخ