نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المحافظة على العلاقة الودية بينه والرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد حرص بوتين على مهاتفة ترامب في ذكرى عيد ميلاده التاسع والسبعين، وعلى الرغم من أن الاتصال خُصّص في المقام الأول للتصعيد في الشرق الأوسط ومصير المفاوضات الأوكرانية الروسية المباشرة في إسطنبول، إلا أن بعده الرمزي مما لا يمكن حجبه؛ ولعل ذلك ما دفع بالرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي إلى إعلان امتعاضه من العلاقة الروسية الأميركية، قائلًا إن على واشنطن مراجعة "نهجها التصالحي جدًّا إزاء روسيا وزعيمها بوتين"، معبّرًا في الوقت ذاته عن عدم رضاه على تأخر وصول المساعدات العسكرية الغربية إلى كييف.
استعداد روسي لجولة مفاوضات ثالثة:
أفاد الكريملن في بيانه الصادر عقب المحادثة بين الرئيس الروسي ونظيره الأميركي بأن بوتين أطلع ترامب على "تطبيق الاتفاقات التي تم التوصل إليها في الاجتماع بين الوفدين الروسي والأوكراني في إسطنبول في 2 حزيران/يونيو"، وأضاف بوتين لنظيره الأميركي أن "روسيا مستعدة لمواصلة التفاوض مع أوكرانيا بعد 22 حزيران/يونيو الجاري"، فيما "أكّد الرئيس الأميركي مجددًا اهتمامه بالتوصل إلى حل سريع للنزاع الروسي الأوكراني"، وفقًا لبيان الكرملين.
ويعدّ هذا الاتصال هو الخامس من نوعه بين بوتين وترامب منذ مطلع العام الجاري، وفي هذا الصدد ذكَر بيان الكريملن أن بوتين وترامب أعربا "عن رضاهما على العلاقة الشخصية التي تجمعهما"، وأضاف بيان الكريملن أن بوتين وترامب "يتواصلان بطريقة عملية ويسعيان إلى إيجاد حلول للقضايا الملحة على الأجندة الثنائية والدولية، بغض النظر عن مدى تعقيد هذه القضايا".
أبدى زيلينسكي امتعاضه من نهج التصالح الأميركي الروسي وانتقد تأخّر الدعم الأوروبي
بدوره نشر ترامب على منصته الخاصة "تروث سوشيال" تعليقًا على المكالمة الهاتفية بينه وبوتين، حيث قال إن الرئيس الروسي "اتصل ليهنئنه بعيد ميلاده الـ79"، مشيرًا إلى أن التركيز انصبّ أكثر على مناقشة التصعيد في الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران، وبدرجة أقل على الصراع الروسي الأوكراني، قائلًا "بوتين يشعر مثلي، بأن هذه الحرب بين إسرائيل وإيران يجب أن تنتهي، وقد أوضحت له أن حربه أيضًا يجب أن تنتهي" في إشارة إلى الحرب في أوكرانيا. ويحاول ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض كانون الثاني/يناير الماضي التوصل إلى وضع حدّ للحرب الروسية الأوكرانية، لكن مساعيه اصطدمت بتعقيدات تلك الحرب، إلى الحد الذي دفعه إلى التلويح بترك الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، لكنه عدل عن ذلك، معطيًا فرصة جديدة لتلك الوساطة حسب تعبيره.
الرئيس الأوكراني يشكّك:
شكك الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي في جدوى عقد جولة ثالثة من المفاوضات المباشرة مع روسيا، مؤكدًا في الوقت نفسه أنّ أي عرض روسي باستئنافها "سيتم بحثه ومناقشته في كييف".
وقد جدد زيلينسكي، خلال مؤتمره الصحفي اليومي، رفضه للمطالب الروسية خلال التفاوض، وعلى رأسها تنازل كييف عن 4 مناطق تسيطر عليها روسيا بشكل شبه كامل "خيرسون وزباروجيا ولوغانسك ودونيتسك"، إضافة إلى مطلب التخلي عن مسعى الانضمام لحلف شمال الأطلسي، وتقليص القوات الأوكرانية، وعدم استضافة أي قوات أجنبية على الأراضي الأوكرانية. واعتبر زيلينسكي أنّ المطالب الروسية "صيغت بطريقة متعمدة لكي لا تكون أوكرانيا قادرة على قبولها"
يشار إلى أن الجولات السابقة من المفاوضات المباشرة لم تفض إلى تحقيق أي اتفاق بشأن وقف إطلاق النار، وإنما اقتصر الاتفاق فيها على تبادل الأسرى وجثث القتلى.
قلق على المساعدات العسكرية:
عبّر زيلينسكي عن مخاوف من أن تؤدي الحرب بين إسرائيل وإيران إلى "تراجع المساعدات الغربية لأوكرانيا"، معربًا في الوقت نسه عن أسفه لما وصفه بـ"تباطؤ الدعم الأوروبي لأوكرانيا". وقال زيلينسكي إن "تحالف الراغبين يتباطأ في تقديم الدعم، وقد أظهر هذا الوضع أن أوروبا لم تقرر بعد بنفسها ما إذا كانت ستدعم أوكرانيا بشكل كامل بدون الولايات المتحدة"، وأضاف زيلينسكي "عندما انضموا بزخم إلى تحالف الراغبين، اكتشفوا عدم وجود هذا الزخم لدى الولايات المتحدة"، معتبرًا أن "شكوكًا بدأت تظهر بين حلفاء أوكرانيا الأوروبيين".
ولم يفوت زيلينسكي الفرصة لتوجيه سهام الانتقادات إلى التقارب الأميركي الروسي قائلًا في منشور على منصة إكس: "في الوقت الحالي، تبدو نبرة الحوار بين الولايات المتحدة وروسيا تصالحية للغاية. لنكن صادقين: هذا لن يوقف بوتين. ما نحتاجه هو تغيير اللهجة" وفق تعبيره.
التطورات الميدانية:
ترفض روسيا أي وقف لإطلاق النار قبل المفاوضات، بذريعة أن ذلك سيتيح للأوكرانيين فرصة التقاط أنفاسهم والحصول على مزيد من الدعم الأوروبي بالعتاد والأسلحة، ولذلك تكثف موسكو من الهجمات عبى مختلف جبهات المواجهة، ولا سيما في منطقة سومي شمال شرق أوكرانيا، حيث تسعى موسكو إلى إقامة "منطقة عازلة"، بغية منع تكرار سيناريو توغل القوات الأوكرانية في منطقة كورسك في عمق الأراضي الروسية مرة ثانية.
وكشف الرئيس الأوكراني أن قوات بلاده تواجه باستبسال تقدم القوات الروسية في سومي، قائلًا إن موسكو دفعت بأكثر من 50 ألف جندي روسي في عملية سومي. يشار إلى أن الجيش الروسي بات على بعد 20 كيلومترًا فقط من عاصمة منطقة سومي.
