من اللافت للانتباه، وفقًا لوسائل إعلام غربية عديدة، أنَّ التفكيك الوشيك للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) لاقى ترحيبًا منقطع النظير من طرف الأنظمة التي تُصنَّف عادة على أنها استبدادية.
ومن اللافت أيضًا أن تتقاطع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع تلك الأنظمة في التقييم السلبي لعمل الوكالة، مع فارقٍ موضوعي بسيط، وهو أنَّ ترامب ومساعده إيلون ماسك يرَيان أنَّ الأموال المخصصة لوكالة المساعدات الخارجية الأميركية تُهدَر في أمور لا طائل منها، في حين ترى الأنظمة المرحِّبة بقرار تفكيك الوكالة أنها كانت أداةً للتدخل السياسي الأميركي في شؤون البلدان التي تعمل فيها.
وترى هذه الدول، وعلى رأسها روسيا وبيلاروسيا والمجر وفنزويلا ودول أخرى، أنَّها حققت بقرار تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية نصرًا طالما انتظرته لفترة طويلة.
أداة لتغيير الأنظمة
قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إنَّ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يمكن وصفها بأي شيء ما عدا كونِها وكالة مساعدات وتنمية، إذ لطالما مثَّلت أداة وآليةً لتغيير الأنظمة والنظام السياسي وبنية الدولة في المناطق التي تدخَّلت أو عمِلت فيها.
ترامب وإيلون ماسك يرون أنّ أموال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تهدر في أمور لا طائل منها
وفي المجر، احتفى رئيس وزرائها فيكتور أوربان بما أسماه "نهاية منظمات سوروس العالمية"، قائلًا في منشور على منصة "إكس" إنَّ ترامب قلب العالم رأسًا على عقب ببعض التدابير القليلة التي اتخذها في غضون 14 يومًا، منهيًا بتلك التدابير "جنون الجنس في أمريكا، وتمويل منظمات سوروس العالمية، كما انتهت الهجرة غير الشرعية، وانتهى أيضًا دعم الحرب الروسية الأوكرانية.
بعبارة أخرى، انتهى كل ما حاول البيروقراطيون في بروكسل فرضه علينا في السنوات الأخيرة. ولكن هناك شيء آخر مهم، وهو أنه بات يمكننا أن نقول أيضًا وداعًا لقواعد التجارة العالمية كما نعرفها. سيدافع الرئيس ترامب عن المصالح الأميركية، حتى ضد أوروبا"، وفق تعبيره. وكان أوربان قد التقى ترامب وإيلون ماسك في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
الملياردير إيلون ماسك قال إن ترامب وافق على إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بعد أيام من التكهنات حول مستقبل الوكالة.
اقرأ أكثر: https://t.co/dfrcxezSjH pic.twitter.com/bUSNOSxIJF— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 4, 2025
لم يتأخر رئيس السلفادور، نجيب أبو كيلة، عن ركْب المحتفين بتصفية (USAID)، حيث اتهمها بتمويل "مجموعات معارضة ومنظمات غير حكومية ذات أجندات سياسية وحركات مزعزعة للاستقرار"، مضيفًا في منشور على منصة "إكس" أنَّ أغلب الحكومات "لا تريد أن تتدفق أموال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى بلدانها لأنها تدرك أين ينتهي المطاف بالكثير من هذه الأموال في الواقع"، مردفًا القول: "وفي حين يتم تسويقها على أنها دعم للتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن غالبية هذه الأموال يتم توجيهها إلى جماعات المعارضة والمنظمات غير الحكومية ذات الأجندات السياسية والحركات المزعزعة للاستقرار"، معتبرًا أنَّ "خفض هذه المساعدات المزعومة ليس مفيدًا للولايات المتحدة فحسب؛ بل إنه أيضًا فوز كبير لبقية العالم"، وفق تعبيره.
أما الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، فاعتبر أنَّ ما قام به ترامب هو استجابة لدعواته المتكررة بضرورة ضبط العلاقات الثنائية، في حين قالت وسائل إعلام رسمية في نيكاراغوا إنَّ ترامب بقراره "أغلق الصنبور الذي يتزوَّد منه الإرهابيون".
في فنزويلا، كشف وزير الداخلية ديوسدادو كابيلو عن خطط للتحقيق في تمويلات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، قائلًا إنَّ "الانتخابات التمهيدية للمعارضة الفنزويلية تم تمويلها من قبل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية".
وكانت السلطات الأذربيجانية قد استبقت قرار ترامب برفض تجديد اتفاقية التعاون بينها وبين الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بذريعة أن لها أجندة سياسية.
تراجع النفوذ الأميركي
من الواضح إذن أنَّ وجهة النظر المعبَّر عنها في المواقف والتصريحات السابقة تنطوي على فرضية مفادها أنَّ تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من شأنه أن يحدَّ من النفوذ الأميركي على أكثر من دولة، خاصةً إذا وضعنا في الاعتبار أنَّ ميزانية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تُقدَّر بنحو 43 مليار دولار من الميزانية الفيدرالية الأميركية.
وتذهب صحيفة "الغارديان" البريطانية أبعد من ذلك، بتوقُّعها أنَّ تجميد هذا التمويل ينطوي على "تحوُّل دراماتيكي في ديناميكيات القوة الناعمة العالمية"، إذ من المحتمل أن تبادر قوى عالمية مثل الصين وروسيا إلى ملء هذا الفراغ، في ظل صعوبة أن تقوم الدول الأوروبية بتلك المهمة، نظرًا لأوضاعها الاقتصادية وتحدِّي ترامب المستمر لها عبر التلويح بفرض رسوم جمركية على وارداتها.
قرار ترامب بتجميد المساعدات الخارجية الأميركية أثار صدمة في عموم أوروبا الشرقية، الأمر الذي جعل الحكومات المحلية الموالية للغرب تواجه مصيرًا مجهولًا في ظل الصراع المحتدم بين الدول الغربية من طرف وروسيا والصين من طرف آخر.
اقرأ أكثر: https://t.co/EpyQY5fA8N pic.twitter.com/15Tx22IidP— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 1, 2025
تحذيرات من تداعيات خطيرة
وفي هذا الصدد، حذَّر السيناتور الجمهوري عن ولاية ميسيسيبي، روجر ويكر، من أن "تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية قد يمنح الصين انتصارًا استراتيجيًا كبيرًا في سعيها إلى النفوذ العالمي، وخاصة في إفريقيا وأميركا الجنوبية".
وأضاف ويكر في حديث للصحافيين: "الأمور تحدث بسرعة. نحن بحاجة إلى برنامج مساعدات يضاهي الجهود الصينية، ولكن يجب أن يتم ذلك بالطريقة التي قرر صناع السياسات في الولايات المتحدة أنها يجب أن تتم".
مخاوف منظمات حقوق الإنسان
في مقابل الدعاية السلبية حول عمل (USAID)، يرى الناشط الحقوقي ثور هالفورسن، الذي يدير مؤسسة لحقوق الإنسان في نيويورك ولا تتلقى تمويلًا من الحكومة الأميركية، في حديث مع وكالة "أسوشيتد برس" أنَّ "خفض تمويلات الوكالة لجهود الدفاع عن حقوق الإنسان ومناصرة القضايا العادلة يرسل إشارة خاطئة إلى الدكتاتوريات، ويقوِّض جهود الأفراد الشجعان الذين يقاتلون من أجل الحرية".
أزمة إنسانية تلوح في الأفق
ومهما قيل عن الدوافع السياسية لتمويلات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فإنَّ تخفيض تمويلاتها بهذه الصورة المفاجئة يُنذر، حسب عمّال الإغاثة، بإمكانية وقوع أزمات إنسانية في أكثر من مكان. وفي هذا الصدد، حذَّرت منظمات الإغاثة من خطر تفاقم الأمراض والمجاعة، وتفاقم المشاكل المرتبطة بتعليم الفتيات وبرامج تنظيم الأسرة. فعلى مستوى المساعدات الغذائية، تقدم الوكالة مساعدات سنوية بقيمة 1.9 مليار دولار، وفي أوغندا وحدها تقدم الوكالة أكثر من 500 مليون دولار سنويًا في شكل مساعدات.
وبالتزامن مع حديث الأوساط السياسية في واشنطن عن قرب تجميد تمويلات الوكالة، التقى الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني بالسفير الأميركي في أواخر كانون الثاني/يناير، تحسُّبًا للتخفيضات المزمعة في التمويلات.