03-يوليو-2018

يحكم التنوع وغنى النفط على كركوك بالقلق الدائم (Getty)

في صباح أول يوم من تموز/ يوليو، تعرض مخزن أوراق الاقتراع الانتخابية في في مدينة كركوك العراقية لهجوم مزدوج، بدأ بقذيفة صاروخية استهدفت القوة المكلفة بحماية المؤسسة، ومن ثم حاولت سيارة مفخخة مطابقة بالشكل والنوع لسيارات الشرطة اقتحام المخزن وتفجيره. لم ينجح الانتحاري الذي كان يستقل العجلة، لكن انفجار سيارته رغم ذلك أودى بحياة شخص وأصاب 20 آخرين معظمهم من القوات الأمنية، بحسب ما أفادت وكالة رويترز.

إن صدى الرصاص أو الانفجارات في كركوك يسمع كما لا يسمع في أماكن أخرى

رسمت عدة سيناريوهات للحادثة؛ تقول إحداها إنها استمرار لحريق المفوضية الذي أعلن القضاء العراقي عن اعتقال الكثير من المشتبه بتورطهم فيه، ويحيل هذا السيناريو الجريمة إلى الفائزين الخائفين من تغيير نتائج الانتخابات لتزويرهم من جانب، ومن جانب آخر يحيله إلى الخاسرين الذين لن ينتفعوا بغير إلغاء نتائج الانتخابات وإعادتها نهاية العام الحالي مجددًا.

لكن صدى الرصاص أو الانفجارات في كركوك يسمع كما لا يسمع في أماكن أخرى. فالمدينة منذ عام 2003 وهي تمثل عراقًا مصغرًا، لما فيها من تنوع قومي وطائفي. ومن جانب آخر هي المدينة الأغنى نفطيًا في البلاد، والمتنازع عليها من قبل العرب والأكراد، بالإضافة إلى الجالية التركمانية، التي لا تقل من حيث النفوذ والسكان عنهما.

اقرأ/ي أيضًا: رقصة كركوك مع الموت.. مدينة التنوع العراقي على حافة العنف المزمن

وفي أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، قامت حكومة إقليم كردستان، رغم تحذيرات من الحكومة المحلية والسفارات الأجنبية، بإجراء استفتاء للأكراد على انفصال الإقليم عن العراق بدولة مستقلة، وكان الخط الأحمر لدى الحكومة المركزية هو إجراء الاستفتاء في كركوك، لكن الكرد تمسكوا بالمحافظة وأصروا على إجراء الاستفتاء تنفيذًا لتوصية رئيس جمهورية العراق السابق والقيادي الكردي الشهير جلال طالباني، والذي كان يصفها بـ"قدس كردستان".

ولم تكن تحذيرات رئيس الوزراء حيدر العبادي هواء في شبك، بل نفذها بعملية أمنية في المدينة أطلق عليها اسم "فرض القانون في كركوك"، لكنها تجاوزت المحافظة المتنازع عليها لتشمل أجزاء من محافظتي ديالى ونينوى أيضًا، وتمكنت القوات الاتحادية بإمرة العبادي خلال مدة قياسية من دفع القوات الكردية إلى حدود الإقليم عام 2003 في بعض المناطق، وتجاوزت ذلك إلى حدود عام 1991، تاريخ بداية الحكم الذاتي للأكراد في العراق.

تجدر الإشارة هنا، إلى أن إقليم كردستان وسع من الأراضي الواقعة تحت سيطرته، عند دخول تنظيم داعش إلى محافظة نينوى.

بعد هذه العملية والتي استبدلت القوات الكردية التي كانت مسؤولة عن الأمن في كركوك بقوات اتحادية من الشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب، أصبح الوضع الأمني في المدينة تحت عدسة مكبرة، يحاول الجميع تحويل استقراره أو تزعزعه إلى مكسب سياسي.

وهنا يأتي سيناريو جديد حول حادثة مخزن الأصوات؛ إذ يقول مصدر مطلع في قيادة الحشد الشعبي بتصريح صحفي لوسائل إعلام محلية، أن وفدًا تابعًا لبعثة الأمم المتحدة في بغداد، التقى قبل الحادثة بعدة أيام قائد محور الشمال في الحشد الشعبي، للحديث عن مطالبات الأكراد بعودة القوات الأمنية الكردية إلى مدينة كركوك، لسوء أوضاعها الأمنية، لا سيما بعد حادثة اختطاف ثمانية أشخاص على طريق بغداد – كركوك وإعدامهم من قبل داعش.

ويواصل المصدر حديثه قائلاً، إن "القائد رفض عودة القوات الكردية رفضًا قاطعًا"، مؤكدًا على أن "قوات فرض القانون بقيادة الجنرال في جهاز مكافحة الإرهاب العراقي معن السعدي، كفيلة بضبط الأمن داخل المدينة".

ويرجح المصدر أن "الحادثة جاءت لإرسال صورة مشوشة عن طبيعة الوضع الأمني في المدينة".

يأتي الصراع في كركوك في ظل اتهامات عديدة موجهة لحزب الاتحاد الوطني الديمقراطي بتزوير الانتخابات

يأتي هذا الصراع في ظل اتهامات عديدة موجهة لحزب الاتحاد الوطني الديمقراطي بتزوير الانتخابات، واحتجاجات كبيرة قادها عرب وتركمان، أسفرت عن اقتحام مكتب المفوضية العليا للانتخابات قبل أن تجمد المحكمة الاتحادية العليا النتائج وتعلن شرعية قرار البرلمان العراقي، بتعديل قانون الانتخابات وإعادة العد والفرز اليدوي الكامل، ثم أعيد تفسير القرار ليصبح عدًا وفرزًا يدويًا بشكل جزئي، محصورًا على المناطق التي يدَّعى حدوث تزوير فيها، ومدينة كركوك إحدى هذه المناطق.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: استفتاء كردستان العراق.. تداعياته ومستقبل الأزمة

ويبدو أن الحكومة العراقية، عازمة على طي صفحة كركوك الأمنية بقدر الإمكان، فرغم العمليات الأمنية الكثيرة التي نفذت بالأطراف الجنوبية للمحافظة ضد داعش، أرسلت قيادة الشرطة الاتحادية يوم أمس الإثنين، لواءين من قواتها إلى محيط المدينة، لتنفيذ عملية عسكرية بالتزامن مع انطلاق عمليات العد والفرز اليدوي من قبل القضاة المنتدبين لأداء مهام مفوضية الانتخابات المجمدة.

ما يزال الأهالي في كركوك قلقين ممّا سيحمله الثلاثاء بجعبته، فسكين داعش لا تزال قاطعة في محيط المدينة، وبوسع الصراع السياسي أن يفتح أبوابًا واسعة للتنظيم المتطرف، لإعادة بناء صورتها ولو بانتصار مؤقت، كما أن توتر الأوضاع بين القوات الكردية من جانب وقوات الحشد الشعبي من المكون التركماني والقوات الاتحادية من جانب آخر، قد يعيد أيضًا صفحة المعارك إلى المدينة التي حكم عليها تنوعها المكوناتي وغناها النفطي بالقلق الدائم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ترحيل قسري لنازحين عرب في كركوك يُهدد بكارثة

استفتاء كردستان.. استعراض انعزالي وهروب سياسي!