28-أغسطس-2021

تداعيات محتملة لانفجار كابول على طالبان وإدارة بايدن (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

بعد بضع ساعات من التصريحات التي أطلقتها الدول الغربية محذرة من استهداف مطار حامد كرزاي الدولي في كابول بهجمات انتحارية، بدأت وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم، يوم الخميس،بتناقل مقاطع مصورة تظهر استهداف المطار الدولي الذي يشهد عمليات إجلاء سريعة لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومدنيين أفغان، بتفجيرين انتحاريين، تبناها تنظيم خراسان المتطرف، الفرع الإقليمي المبايع لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أفغانستان وباكستان، الأمر الذي سيكون له تداعيات عديدة قد تؤدي إلى مزيد من الفوضى التي فرضها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مؤخرًا.

 تداعيات الهجوم لا تقتصر على مستقبل طالبان في الحكم، إنما تمتد إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية لما سيكون له من تداعيات سلبية على إدارة بايدن الديمقراطية في البيت الأبيض

تحذيرات أمريكية عن احتمالية تنفيذ المزيد من الهجمات

في الوقت الذي كان ينتظر آلاف الأفغان أمام مطار حامد كرزاي الحصول على فرصتهم لمغادرة أفغانستان بعدما أصبحت السلطة بيد حركة طالبان، بدأت وسائل الإعلام بتناقل خبر استهداف بوابة آبي المحاذية لبوابة المطار الشمالية، والتي تعتبر واحدة من بين ثلاثة نقاط يمكن من خلالها الوصول إلى المطار، وهي من البوابات التي تشرف عليها القوات الأمريكية والبريطانية.

اقرأ/ي أيضًا: "شركاؤنا الأفغان".. ماذا تعرف عن الدعم الأمريكي لطالبان ضد "ولاية خراسان"؟

وفيما كانت التعليقات الإخبارية تتحدث عن تبادل لإطلاق النار، بدأ الحديث عن تفجير ثاني وقع قرب فندق بارون قرب المطار عينه، وهو من المواقع التي تستخدمها القوات البريطانية لإيواء الأفغان المتعاونين مع القوات الأجنبية من أجل إخراجهم من البلاد.

وعلى الرغم من التصريحات المشتركة للدول الغربية بشأن وجود تهديد إرهابي "وشيك" يستهدف محيط مطار حامد كرزاي، فإن آلاف الأفغان استمروا بالتوافد إلى المطار أو البقاء قرب أحد مداخله على أمل الحصول على فرصة للخروج من البلاد، لكن الحال قد تتغير بعد التفجير المزدوج بالنظر لإعلان عدد من الدول الغربية إيقاف عمليات الإجلاء، بينما لا يزال خمسة آلاف أفغاني ينتظرون مغادرة البلاد، وتعهدت دول أوروبية أخرى بمواصلة عمليات الإجلاء حتى يوم الـ31 من الشهر الجاري.

وفي الوقت الذي تستمر فيه الدول الغربية بمواصلة عمليات الإجلاء عبر أضخم جسر جوي حتى نهاية الشهر الجاري، فإن قائد القيادة المركزية الأمريكية فرانك ماكينزيتحدث عن احتمالية تنفيذ تنظيم الدولة المزيد من الهجمات الانتحارية خلال الأيام القادمة، مشيرًا إلى أن الهجمات المحتملة في المستقبل قد تشمل إطلاق صواريخ على المطار أو محاولة الدخول بسيارات ملغومة، ومشددًا على عدم وجود أدلة تشير إلى سماح مقاتلي طالبان بوقوع الهجوم.

طالبان تلمح إلى أن الانسحاب الفوضوي كان سببًا بوقوع الهجمات

في مشهد التصريحات والإدانات الدولية المتعارف عليها عند وقوع مثل هذه الهجمات الإرهابية، بدا واضحًا الإشارة غير المباشرة من مسؤولي حركة طالبان إلى أن الفوضى التي سببها القرار الأمريكي كانت من أهم العوامل التي مهدت لوقع التفجير المزدوج، وهو ما انعكس في تصريح نقلته قناة خبر ترك التركية عن مسؤول في الحركة مؤكدًا على أنه "بمجرد اتضاح الوضع في مطار كابول ورحيل القوات الأجنبية، لن تقع عندنا مثل هذه الهجمات مرة أخرى"، بينما قال المتحدث الرسمي باسم ذبيح الله مجاهد  إن الانفجار وقع في المنطقة التي كانت بيد القوات الأمريكية، وليست تحت أيدي مقاتلي طالبان.

أما على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، فقد أقر الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه المسؤول الأول عن قتلى وجرحى القوات الأمريكية الذين سقطوا في كابول، لكنه في مقابل شدد على أن الولايات المتحدة سترد "بقوة ودقة بالتوقيت الذي نختاره والطريقة التي نختارها"، متهمًا تنظيم ولاية خراسان بالوقوف وراء التفجير الانتحاري المزدوج، قبل أن يشير إلى أنه سيسمح بإرسال قوات إضافية إلى أفغانستان إذا طلب القادة العسكريون ذلك.

في غضون ذلك أدان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ بشدة "الهجوم الإرهابي" الذي وقع، لافتًا إلى أن أولويتهم في الوقت الراهن "إجلاء أكبر عدد ممكن من الأشخاص إلى مكان آمن في أسرع وقت ممكن"، وبينما وصف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسونالتفجير المزدوج بـ"الوحشي"، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أشار إلى أن "الوضع الأمني ليس تحت سيطرتنا"، في إشارة إلى القوات الغربية المتواجدة في مطار كابول، رافضًا وصف الانسحاب الأمريكي الفوضوي بـ"الخيانة"، وفقًا لما نقلت النسخة الأوروبية من مجلة بوليتيكو.

تنظيم ولاية خراسان يتبنى الهجوم المزدوج

ومع بدء التحليلات الإخبارية بالإشارة إلى وقوف الفرع الأقليمي لتنظيم الدولة في آسيا الوسطى وراء الهجمات، فإن التنظيم لم يتأخر عن إعلان مسؤوليته عن التفجير المزدوج الذي ضرب محيط مطار حامد كرزاي، وقالت وكالة أعماق، الذراع الإعلامي للتنظيم المتطرف، إن "مقاتلًا من الدولة الإسلامية تمكن من اختراق كافة التحصينات الأمنية... واستطاع الوصول إلى تجمع كبير للمترجمين والمتعاونين مع الجيش الأمريكي عند مخيم باران قرب مطار كابول، وفجر حزامه الناسف وسطهم".

وكان تنظيم ولاية خراسان قد أعلن عن مبايعته لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبي بكر البغدادي، الذي قتل في عام 2019، بعد وقت قصير من إعلان التنظيم إقامة ما كان يُعرف بـ"دولة الخلافة الإسلامية" في العراق وسوريا في عام 2014، وبحسب ما نقل موقع أن بي أر الأمريكي فإن خراسان هو الاسم القديم الذي يطلق على منطقة تضم أجزاء من أفغانستان الحالية وباكستان وإيران وآسيا الوسطى.

وقام بتأسيس تنظيم ولاية خراسان أعضاء سابقون في حركة طالبان الباكستانية، قبل أن ينضم إليهم أعضاء منشقون عن حركة طالبان الأفغانية، واعترف تنظيم الدولة بأن ولاية خراسان أحد الأفرع التابعة له في عام 2015، ويتمركز مقاتلوه في منطقة أشين الجبلية، في مقاطعة ننغارهار شرقي البلاد.

ووفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية الدولية فإن الجماعة المتطرفة نفذت قرابة مائة هجوم انتحاري في أفغانستان وباكستان بحلول عام 2018، بينما يعتقد الخبراء أن الجماعة لديها ما لا يقل عنألفي مقاتل في شرق وشمال أفغانستان، لكنهم قالوا أيضًاإن الجماعة اضطرت إلى العمل بمبدأ "اللامركزية" بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها مما أسفر عن خسارتها مساحات واسعة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها.

وبحسب شبكة أن بي سي نيوز الأمريكية، فإن الخبراء أشاروا إلى أنه في الوقت الذي تتخذ حركة طالبان وتنظيم الدولة الشريعة الإسلامية أساسًا للحكم، فإن طالبان تختلف من ناحية كونها  "حركة شعبوية" تركز بشكل شبه حصري على أفغانستان، على عكس تنظيم الدولة الذي يسعى لإنشاء خلافة إسلامية في الشرق الأوسط وآسيا، وأضاف الخبراء بأنه بينما قامت طالبان بتعزيز موقفها بعد استعادتها السيطرة على أفغانستان، فإن تنظيم خراسان لا يزال يحاول تأكيد تواجده من خلال شنه مثل هذه الهجمات.

هل تستطيع حركة طالبان الوفاء بالوعود التي قطعتها للأمريكيين؟

في تعليقها على الهجوم المزدوج لتنظيم خراسان في محيط مطار حامد كرزاي، أشارت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى أن طبيعة الهجوم سلطت الضوء على القوة المدمرة التي لا يزال يتمتع بها تنظيم الدولة، فضلًا عن إثارتها الأسئلة حول ما إذا كان بإمكان طالبان الوفاء بالوعود التي قطعتها للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بأن الأراضي الأفغانية لن تكون مركزًا لانطلاق الهجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها، عندما توصلا إلى اتفاق انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في عام 2020.

وكان تقرير أممي قد صدر في حزيران/يونيو الماضي، قبل أقل من شهرين على بدء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، أشار إلى وصول ما بين ثمانية آلاف إلى 10 آلاف مقاتل جهادي، من مناطق مختلفة، بما في ذلك آسيا الوسطى، وشرق آسيا، وشمال القوقاز إلى أفغانستان، معظمهم من المقاتلين المرتبطين إما بحركة طالبان أو تنظيم القاعدة، بينما فضّل آخرون الانضمام إلى تنظيم خراسان، وهو ما ترى الصحيفة الأمريكية بأنه يمثل تحديًا كبيرًا للأمن والاستقرار الذي وعدت بتحقيقه طالبان.

وعلى عكس طالبان التي أكدت التزامها بمنع استخدام الأراضي الأفغانية لمهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها، فإن تنظيم الدولة لا يعترف بمثل هذه القيود، وفي هذا الصدد تقول نيويورك تايمز إنه من الممكن استغلال الفوضى التي خلفها الانحساب الأمريكي لتنفيذ المزيد من الهجمات، بالأخص أن طالبان ترفض الإعلان عن تشكيل الحكومة الانتقالية قبل تنفيذ الانسحاب كاملًا.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن الخبير في الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن الخلافات الناشبة بين أعضاء طالبان بسبب نهجها المعتدل من الممكن أن تؤدي بالأعضاء المحسوبين على التيار المتشدد إلى الانشقاق، وهو ما يعني انضمامهم إلى تنظيم الدولة، الأمر الذي يعتبره "تحد كبير" لطالبان، حيثُ يرى بأنه حتى لو أرادت الحركة "التخلص من الجناح المتطرف، فإن ذلك لن يكون بالأمر السهل".

تداعيات الهجوم الإرهابي المزدوج ستمتد إلى إدارة بايدن

لكن تداعيات الهجوم لا تقتصر على مستقبل طالبان في الحكم، إنما تمتد إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية لما سيكون له من تداعيات سلبية على إدارة بايدن الديمقراطية في البيت الأبيض، حيث تشير في هذا الجانب مجلة نيوزويك الأمريكية أن الهجوم الانتحاري المزدوج يمثل "إخفاقًا تامًا" للقوات الأمريكية في أفغانستان.

وترى المجلة الأمريكية أنه في حال استطاع الجمهوريون استعادة السيطرة على الكابيتول هيل في دورة التجديد النصفي العام القادم، فإنهم من المؤكد سيقومون بإغراق إدارة بايدن بجلسات التحقيق والاستماع حتى نهاية ولايته في عام 2024، لافتةً إلى أنه على الرغم من عدم تجاوز الفترة التي قضاها بايدن في البيت الأبيض لأكثر من سبعة أشهر، فإن معدلات الموافقة على أدائه بدأت تنخفض في استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرًا.

فقد ذكرت المجلة الأمريكية أنه في أحدث استطلاع للرأي أجرته جامعة سوفولك في 24 آب/أغسطس الجاري، أي قبل يومين من وقوع الهجوم المزدوج، وافق 41 بالمائة ممن شاركوا في الاستطلاع على أداء بايدن في البيت الأبيض، مسجلًا بذلك انخفاضًا بنسبة 10 بالمائة عن آخر استطلاع، وأوضحت أن المقاطع المصوّرة التي أظهرت فوضى الانسحاب الأمريكي من كابول كانت من بين الأسباب التي أدت إلى انخفاض نسبة تأييده بين الأمريكيين، ومن المتوقع أن تنخفض إلى أكثر من ذلك بعد الهجوم الانتحاري الأخير.

في حال استطاع الجمهوريون استعادة السيطرة على الكابيتول هيل في دورة التجديد النصفي العام القادم، فإنهم من المؤكد سيقومون بإغراق إدارة بايدن بجلسات التحقيق والاستماع حتى نهاية ولايته

وختمت المجلة الأمريكية تقريرها بالإشارة إلى أن بعض الأصوات الديمقراطية أثارت مجموعة من الأسئلة فيما يتعلق باعتبار بايدن المرشح الديمقراطي الأوفر حظًا لانتخابات الرئاسة في 2024، وهو ما عبر عنه أحد جامعي التبرعات الديمقراطيين المؤثرين في كاليفورنيا، بينما طالب أحد كبار الموظفين الديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الإدارة الأمريكية بتقديم الإجابات عن أسباب الانسحاب الفوضوي من أفغانستان.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المشاورات مستمرة بشأن طبيعة نظام الحكم الجديد في أفغانستان

بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي.. ما مستقبل القطاع الصحي في أفغانستان؟