12-ديسمبر-2016

من تفجير العباسية (Getty)

بحثت عن الله، فوجدت اسمه مكتوبًا في قعر كل قنبلة انفجرت في مصر، على باب مسجد السلام، وداخل كاتدرائية العباسية، واكتشفت أن الله ليس واحدًا، فلا يمكن أن يكون الإله الذي صلّى له الأقباط لحظة الانفجار هو نفسه الذي استعان به القتلة، ودعوه أن يوفقهم قبل تنفيذ العملية.

الإله الذي أوصى: "أحبوا أعداءكم"، ليس الذي أوحى لأحمد الطيب، شيخ الأزهر، بعدم تكفير داعش لأنهم أهل قبلة لا يستطيع أن يحكم عليهم بالكفر أو الخروج عن الإيمان.

لا يمكن أن يكون الإله الذي صلّى له الأقباط لحظة الانفجار هو نفسه الذي استعان به القتلة، ودعوه أن يوفقهم قبل تنفيذ العملية

بل سيكتفي فقط باعتبار الداعشي، الذي فجر القنابل في الأطفال وحرق الكنائس والمساجد وقتل وسفك الدماء ودمّر البيوت وبقر بطون الحوامل واغتصب من يعتبرهم سبايا، مؤمنًا عاصيًا حتى ولو ارتكب كل الفظائع (الكلام لشيخ الأزهر).

اقرأ/ي أيضًا: ماذا نفعل بالمسيحيين؟

في خطبة الجمعة يدعو الإمام على النصارى: اللهم يتّم أولادهم وفرّق شملهم، ويشير إليهم بـ"الضالين" دون أن يذكر اسمهم، أو وصفهم. لكنه يعتبر داعش بكل فظائعها أقرب إليه منهم، من زميله في العمل، وجاره في البيت. تنفيذًا لفقه شيخه وإمامه الأكبر. فلا يكفّر داعش بينما يتعلّم تلاميذه في المشيخة، وفي المدارس والمعاهد أن المسيحي كافر فاجتنبوه، وأنّ "عدوك عدو دينك".

يسمع الطفل المسيحي ذلك من زميله في المدرسة، يسمعه أيضًا أبوه في خطبة الجمعة. يقف في كمين فيسخر منه أمين شرطه لأنه صليب حلة، يصمت منتظرًا أن يرتّب المسيح الأمور من جديد، ويدافع عنه، ويقاتل من أجله، ويردّد من الإنجيل: "الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون"، ويعتبر التطبيق العملي، على الأرض، للآية أنه لابد أن يسكت، ويسلم المسيح الدفة حتى يغيّر مصيره، وينتصر للحق، وينصر العدل، ويهزم الباطل.

لكن المسيح، طوال السنين الماضية لم يفعل، لم يظهر، لم يقاتل من أجلهم، فبالغوا في الصمت والتعامل كأقلية مضطهدة، ومغلوبة على أمرها حتى تحوَّل إلى خوف وموت بطيء يأكل قضاياهم، ويجعل لهم في كل خطوة كسرة نفس، ووجع قلب، ودم لم يبدأ بتفجير كنيسة القديسين بقنابل مسامير، ومذبحة ماسبيرو، وحرائق الكنائس، ولن ينتهي بتفجير الكاتدرائية.

عقلية الدولة في مصر، باختلاف الرئيس والحكومة، لا تؤمن بحقوق الأقباط كاملة في الحياة.

تبدأ النظرة من فوق، من ناصر العبد، مدير مباحث الإسكندرية، الذي وقف لحظة تفجير "القديسين" يدخّن سيجارة، ويضحك من رعب وغضب وحزن شباب الأقباط من منظر الجثث على الأرض، وتصل إلى أصغر حارس أمن يقف على باب كنيسة، ويحمل في قلبه غضبًا من تأمين "كفار" وأهل ذمة لن يدخلوا الجنة مهما فعلوا، لأن الإسلام هو دين الحق، وهم ليسوا مسلمين، ويحمل في عقله ما يسمعه من مديريه والرتب الأعلى منه، بأن هؤلاء الأقباط "حمل ثقيل" لا بد أن نؤمنه، ولولا ذلك لفجرناه!

أين البابا الآن؟ كان شنودة الثالث، البطريرك الراحل، سياسيًا، مراوغًا لدرجة أنه لاعب أنور السادات بورقة الأقباط، وأرهقه، ويعرف من أين تؤكل الكتف، ورغم تأييده لحسني مبارك، الذي أعاده إلى الكاتدرائية من المنفى، لم يركع له، ولا للأمن. كان يعامله رأسًا برأس، ومدّ خطوط اتصال مع كل الأطراف، الإسلاميين وأنصاف الإسلاميين، والليبراليين، والعلمانيين، والمعارضة، والمؤيدين.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. تقديم مكثف في الملف القبطي

وضع شنودة الثالث الكل في جيبه، وكانت الصفقة مع مبارك واضحة: لا أريد طائفية ولا غضب دولي، اضمنوا لي رضا أمريكا، سأضمن لكم أن تعيشوا حياة لم تحلموا بها. وبالفعل، كان الأقباط أكثر الغاضبين من رحيل مبارك عن الحكم.

يدعو تواضروس الأقباط إلى نزول مظاهرات والامتناع عن أخرى، ويوجه أصواتهم في الانتخابات، يريد منهم أن يكونوا خدمًا لكي يعيشوا

حصد الأقباط من نظام مبارك مكاسب فقط، مكاسب على طول الخط، وإذا فتشت عن السبب فهو أنه لم يتورّط معه أكثر ممّا يجب، فلم يكسب أعداءه. وضع هدفًا سعى إلى تحقيقه، وهو أمان الأقباط، فحققه، لكن البابا تواضروس خلع عباءة البطريرك، وتحوَّل إلى ناشط سياسي فاكتسب أعداء استهدفوا كنائسه، وسيستهدفون صليبه ورأسه شخصيًا.

يدعو تواضروس الأقباط إلى نزول مظاهرات والامتناع عن أخرى، ويوجه أصواتهم في الانتخابات، يريد منهم أن يكونوا خدمًا لكي يعيشوا، حتى إنه انتقد "حقوق الإنسان"، انتقد أن يكون للإنسان حقوق من الأساس!

استجاب الأقباط لما يريده البابا، بعضهم اعتبر أوامره فرضًا دينيًا لا يكتمل إيمانه إلا به، والبعض الآخر فضل الصلاة والصمت وانتظار المسيح، الذي سيأتي يومًا ما ويكوِّن جيشًا ويقاتل ويأخذ حقه، فطال انتظاره، وتحول التسامح إلى انحناء، والمحبة إلى مظلومية، والمظلومية إلى أزمة نفسية. وأصبحت "أحبوا أعداءكم" دعوة صريحة لتقبل منظر الجثث والدم والرصاص بابتسامة، فاللهم لا تكتب علينا أن نكون مسيحيين في مصر!

اقرأ/ي أيضًا:
أريد أن أبني كنيسة
 مذبحة ماسبيرو.. من يحمي الجيش من بطش الأقباط؟