28-ديسمبر-2024
اقتصاد سوريا

ارتفعت أسعار السلع بشكل جنوني في الشمال السوري (الترا صوت)

يعاني الشمال السوري من تحديات اقتصادية كبيرة جديدة ومعقدة خصوصًا بعد تحرير البلاد وسقوط نظام الأسد، وتكمن هذه المشكلات بالتفاوت الكبير بأسعار السلع والخدمات، مما يضاعف معاناة الأهالي شمال سوريا، لا سيما المهجرين الذين يعيشون في ظروفٍ قاسية، بينها أسعار المواد الغذائية المتقلبة والمحروقات والخضروات والفواكه، يجد الكثيرون أنهم عاجزين عن تلبية حاجاتهم الأساسية أو تأمين جزءٍ منها حتى.

هذا التفاوت بالأسعار والمواد والمحروقات لم يأتِ من فراغ بل من عواملٍ كثيرةٍ جدًا، شملت التقلبات الخاصة بالعملات في ظل انفتاح السوق على كامل سوريا من الشمال السوري، بعد تحرير الأراضي وسقوط الأسد، وضعف البنية الاقتصادية المحلية لكثافة السكان وقلّة فرص العمل، والاعتماد الكبير على الاستيراد لأسباب تتعلق بضيق البقعة الجغرافية، وقلة المساحات المزروعة في ظل قيام قوات النظام والميليشيات الموالية لها بتهجير أكثر من 6 ملايين شخص من أراضيهم للشمال السوري.

كيف تتفاوت الأسعار بعد التحرير في الشمال السوري؟

وفي الحديث عن تفاوت الأسعار عمومًا قال تاجر المواد الغذائية وصاحب محل تجاري، عبد الستار صالح الحسين، لشبكة "الترا صوت": "إنّ ارتفاع الأسعار في الحقيقة بدء منذ عشرة أيام على، حيث ارتفعت المواد التموينية بشكل ملحوظ في مناطق شمال سوريا عمومًا لأسباب متعددة، فقد بلغ سعر عبوة الزيت النباتي اللتر 57 ليرة تركية بعد أن كان 50 ليرة، والسكر ارتفع من 20 ليرة حتى 28 ليرة تركية، والبرغل من 19 ليرة حتى 30 ليرة والأرز من 27 ليرة إلى 38 ليرة تركية، وقد تتفاوت الأسعار بشكل طفيف حسب سعر صرف الليرة التركية على الدولار الأمريكي.

تحرير المدن السورية جعل الشمال السوري قبلة للتجار، كي يجلبوا بضائع ويبيعوها في المدن المحررة حديثًا، ما أدى لأزمات اقتصادية كبيرة في الشمال السوري

وبالانتقال إلى الأسباب المباشرة في ارتفاع أسعار المواد الأساسية شمال سوريا، أكد الحسين أنّ هذا الارتفاع جاء على خلفية انفتاح السوق السوري بعد تحرير كامل الأراضي السورية من نظام الأسد، وذلك من خلال قدوم تجار كُثر على أخذ المواد الأساسية من التجار الكبار شمال سوريا، ونقلها للأراضي المحررة حديثًا، والتي تعاني من شح شديد بالمواد الأساسية التموينية، ما انعكس سلبًا على الأهالي هنا، خصوصًا أنهم يعانون من مشاكل اقتصادية شديدة وفقر مدقع بسبب قلة فرص العمل، وأنّ غالبيتهم ممن يمتهنون الزراعة في مدنهم وبلداتهم السابقة.

 لكن المشكلة الأساسية، حسب عبد الستار صالح الحسين، كانت بعدم سد الفجوة بعد نقل هذه المواد، علمًا أنّ المواد في الشمال السوري هي مستوردة من تركيا، ما جعل التجار الأتراك الترانزيت يحولون غالبية عملهم إلى المدن الجديدة الكبرى، على سبيل المثال محافظة حلب، الأمر الذي جعل الأهالي يستاؤون من الارتفاع الجديد، والذي شمل حتى الخضروات والفواكه، وإن كانت مزروعة في الشمال السوري أو مستوردة، فكلها أصبحت تمّر مرور الكرام من الشمال السوري كي تعبر للأراضي الجديدة.

وفي السياق ذاته، تابع الصالح أنّ التجّار المتواجدين شمال سوريا بدأوا باحتكار المواد التموينية في المستودعات، حتى يرسلوها بأسعار أعلى إلى الداخل السوري، وهو ما يزيد الاستيراد من تركيا، ويؤدي إلى متابعة شاحنات البضائع طريقهم إلى داخل المدن المحررة حديثًا.

كيف انعكس ارتفاع المحروقات على المدنيين المقيمين والمهجرين شمال سوريا؟

أوضح لؤي أبو دقنين، وهو مواطن في مدينة عفرين لشبكة "الترا صوت" أنّ المهجّرين يعانون من ارتفاع أسعار المحروقات، مما يزيد من صعوبة تأمين احتياجاتهم الأساسية، "هنا لا نتحدث عن المحروقات كوسيلة مستخدمة للسيارات ولا للعربات فحسب، بل أنها مصدر وعامل أساسي يعتمد عليه سكان الشمال السوري للتدفئة، وأتحدث هنا عن مادة المازوت بكلِّ انواعهِ".

يضيف أبو دقنين: "فقدت محطات الوقود ومراكزها مادة المازوت المعالج، والمازوت نوع أول، وغيرها من النوعيات، من محطات الوقود والمحروقات بسبب ارتفاع سعرها بشكل ملحوظ مقارنة بالسابق القريب، وهذه الأنواع تعتبر بديلًا للمازوت الأوروبي الأصلي، والذي وصل سعر الليتر منه اليوم إلى 39 ليرة تركية، بينما وصل سعر اللتر من المُحسن أو بديل الأوروبي إلى 36 ليرة تركية، والذي كان سعر اللتر منه سابقًا 22 ليرة تركية، مما فاقم أوضاع الناس بشكل أكبر".

محطة وقود
محطة وقود في عفرين (الترا صوت)

وتحدث أبو دقنين عن ارتفاع أسعار باقي مواد التدفئة الأخرى، ويعود ذلك لفتح السوق السورية دون سد الفجوة، بإنتاج أو استيراد المحروقات بشكل أكبر من مصادرها، مما جعل أسعارها ترتفع بشكل ملحوظ في الشمال السوري، ولندرة المحروقات في المناطق المحررة حديثًا، وهو ما يزيد من صعوبة تأمين احتياجات السكان المقيمين والمهجرين الأساسية.

 توجه المهجّرين والمقيمين إلى مصادر وبدائل غير آمنة للتدفئة، مثل شراء مادة البيرين أو الفحم الحجري أو حرق الملابس أو الإطارات، مما يشكل مخاطر صحية على حياة الناس وعلى البيئة، ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، زادت الأعباء المالية على الأسر المهجرة ومنها المقيمة، هذا ما يفتح الباب لاستغاثة عاجلة لتخفيف الأعباء عن الأهالي، خصوصًا مع دخول أشهر الشتاء الأشد بردًا.

أسباب تفاوت الأسعار لكل البضائع والحلول

قال الأستاذ هيثم عرور، وهو مقاول وصاحب محل عقارات في بلدة أطمة شمالي إدلب: "إنّ الأسباب تعلقت بشكل أساسي بين تحويل بضائع المناطق المحررة قديمًا إلى المحررة حديثًا، وهو ما زاد أسعار المواد للضعف".

وفيما يخص أسعار المحروقات، قال هيثم عرور: "كانت تتوفر لدينا المحروقات بشكل كبير جدًا وبأسعار دقيقة تتناسب مع دخل الفرد وفقًا للظروف المحيطة، لكن الأزمة ظهرت مع تحويل كل هذه المحروقات إلى المناطق المحررة حديثًا، مما انعكس سلبًا على سكّان الشمال السوري جميعهم، ليصبح الفارق أكثر من 15 ليرة تركية باللتر الواحد من جميع أصناف المحروقات، وحتى عبوة الغاز أيضًا تأثرت مع هذه التغييرات الكبيرة بنسب فارقة قد وصلت 6 دولار أميركي زيادة عن السابق".

يضيف المقاول في بلدة أطمة: "أما بالنسبة للآليات أو سيارات النقل، فقد كانت تتوفر بكثرة وبأسعار مقبولة جدًا حيث كان الحد الأدنى لسعر السيارة 1800 دولار أميركي إلى 3500 أو 4000 دولار أميركي حسب نوعها، وهنا نتحدث عن سيارة بجودة وحداثة فوق المتوسط وإلى صناعة حديثة تصل 2008، لكن اليوم بسبب التحول والتوجه إلى المناطق المحررة حديثًا، ارتفعت الأسعار لأكثر من الضعف لأي سيارة مهما كان نوعها، مما أثر على الوضع المعيشي عمومًا".

اقتصاد سوريا
أسعار متفاوتة وبضائع تنفد في الشمال السوري (الترا صوت)

وفيما يخص المواد التموينية والغذائية، أكد هيثم عرور أن التجار قامو بتحويل بضائعهم بمختلف أنواعها وأصنافها إلى المناطق المحررة حديثًا، مما جعل التجّار يرفعون أسعارهم ويحتكرون موادهم، وهو ما انعكس على الأسعار في المنطقة بشكل كبير مقارنة مع الأسعار السابقة، ومتوسط مدخول الفرد والأسرة شمال سوريا.

وأشار إلى صعوبة تحصيل المحروقات سواء الغاز أو المازوت، بسبب قدوم سيارات تجارية صغيرة لشمال سوريا لتقوم بشراء كل المحروقات المتوفرة، أو عبوات الغاز، وأخذها للمناطق المحررة حديثًا لبيعها بأسعار أغلى بشكل ملحوظ، مما أثر على المواطن في الشمال السوري بشكل كبير جدًا.

وبيّن المقاول أنه وفي الحديث عن زيادة نسبة المواد المستوردة للداخل من قبل التجار بمختلف أنواع عملهم، فالأمر متعلق بوجود شحن وجمركة عند الشحن من تركيا، مما يجعل ذلك يأخذُ وقتًا قد يصل من 20 حتى 30 يوم كي تصل بضائع التاجر الجديدة إلى سوريا، والتاجر بدلًا من أن يربح في المناطق المحررة قديمًا بنسبة 20% ، أصبح يحتكر ويتوجه ببضائعه للمناطق الحديثة كي يربح أكثر من 50%، مما جعل كل التجار يسحبون بضائعهم بمختلف أنواعها، للمناطق المحررة حديثًا.

ودعا العرعور إلى تعزيز الرقابة على الأسواق لمنع الاحتكار والتلاعب بالأسعار، من خلال تشكيل لجان رقابية محلية تضمن توزيع السلع بشكل عادل، ووضع خطط واضحة لتوزيع الموارد مثل المحروقات والمواد التموينية وغيرها، بحيث تصل لكافة المناطق دون تمييز.

كذلك اقترح تقليل البضائع المستوردة من خلال دعم الإنتاج المحلي من قبل الحكومة الجديدة، مما يساهم في توفير فرص عمل وتحسين الواقع الاقتصادي المحلي، والعمل على تنويع مصادر استيراد المحروقات لضمان استقرار التوريد وتخفيف تأثير الأزمات، ونوه إلى ضرورة التوعية سواء للمستهلكين أو التجار، فيما يخص أهمية التعاون وتجنب الجشع والاحتكار، مع تعزيز دور المجتمع المدني في مراقبة الأسواق ودعم الفئات الأكثر تضررًا، وبالتنسيق مع كل الأطراف.