08-فبراير-2017

الرئيس التونسي مع راشد الغنوشي قائد حركة النهضة (فتحي بيليد/أ.ف.ب/Getty)

أثارت تسمية المعتمدين، وهم رؤساء المعتمديات وهي وحدات إدارية تعمل تحت إشراف المحافظ، جدلاً واسعًا مؤخرًا في الساحة السياسية في تونس، وقد شملت هذه التعيينات 114 معتمدية ما يعني قرابة نصف عددها في البلاد.

أثارت تسمية المعتمدين، وهم رؤساء المعتمديات وهي وحدات إدارية تعمل تحت إشراف المحافظ، جدلاً في تونس بسبب اعتماد المحاصصة الحزبية

ومردّ الجدل الدّائر يعود بالأساس لاعتماد المحاصصة الحزبية حيث كشفت إذاعة خاصّة مقرّبة من دوائر السلطة في تونس عن حصص التعيينات حسب الأحزاب الحاكمة، حيث كان نصيب حزب نداء تونس 34 معتمدًا، مقابل 27 لحركة النهضة، و10 لآفاق تونس و9 معتمدين موزّعين بين أحزاب الجمهوري والمسار والمبادرة، فيما لا ينتمي بقية المعتمدين لأي حزب.

اقرأ/ي أيضًا: تونس..السبسي أنجز ثلث وعوده الانتخابية فقط

وقد رفضت المعارضة هذه التعيينات حيث اعتبرت حركة مشروع تونس، أكبر كتل المعارضة في البرلمان، أن التعيينات تحمل شبهة فساد إداري وتمت "وفق المحاصصة الحزبية والمحسوبية والقرابة العائلية"، فيما وصفتها الجبهة الشعبية، ثاني أكبر كتل المعارضة، بـ"الفضيحة السياسية"، مشيرة بأن التعيينات تمّت على أساس "الترضيات الحزبية لا الكفاءة". فيما أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية في البلاد، عن استغرابه "من بعض التسميات التي لم تعتمد فيها مقاييس شفافة ولم تراع الكفاءة والخبرة والدراية بمشاغل المواطنين".

وفي تناول مسألة تعيينات المعتمدين، يمكن حصر ثلاث ملاحظات مترابطة:

أولًا: الجدل الدائم حول المحاصصة الحزبية

أثارت هذه التعيينات مجدّدًا الجدل بخصوص المحاصصة الحزبية أي تعيين المسؤولين في أجهزة الدولة على أساس انتماءاتهم الحزبية وبحسب الثقل البرلماني لكل حزب حاكم. لا تمثّل حقيقة المحاصصة الحزبية خللًا بذاتها لأنها إحدى أدوات ممارسة الأحزاب لسلطتها في العملية الديمقراطية ولتنفيذ برنامجها الانتخابي. وقد برّر محسن مرزوق، أمين عام حركة مشروع تونس، هذه المحاصصة قبل سنتين حينما كان قياديًا في حزب نداء تونس، غير أنه يرفضها بشدّة في الوقت الحاضر حينما انضمّ للمعارضة، فيما يعكس عن عدم مبدئية في رفض المحاصصة.

لكن الاعتداد بمعيار المحاصصة الحزبية على مستوى التشكيل الحكومي يختلف عن مستوى التعيينات في الأجهزة المحليّة للدّولة، خاصة في ظلّ ممارسة ديمقراطية ناشئة من جهة أولى، وفي غياب سلطات رقابة محليّة من جهة ثانية. وهو ما كان يستوجب محدودية الأخذ بمعيار المحاصصة الحزبية لضمان حيادية المرفق الإداري خاصة في فترة انتقال ديمقراطي، فيما يبدو عكس ذلك في هذه التعيينات حينما طغى عنصر المحاصصة الحزبية على بقية العناصر ومنها الكفاءة، خاصة وأنه لا يزال يصعب التمييز بين الانتماء الحزبي وواجب الحياد لدى المسؤولين الحزبيين المحلّيين.

وما يُلاحظ في توزيع المعتمدين بأن نصيب نداء تونس كان أكثر من نصيب حركة النهضة في تعيينات المعتمدين رغم أن حركة النهضة هي الكتلة البرلمانية الأولى في البرلمان. ورغم أن هذه الملاحظة تنسحب كذلك على الحكومة فإنه يؤكد أن نداء تونس هو الحزب الحاكم الأول الذي يقود الائتلاف الحكومي، والمعيار يتجاوز ترتيب الكتل البرلمانية بقدر ما يتعلق بانتماء قيادات المؤسسات السيادية في الدولة، وهي رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، حيث ينتمي جميعهم لحزب نداء تونس.

اقرأ/ي أيضًا: 6 سنوات في مسار ثورة تونس..تحديات تنموية حارقة

وتستحوذ هذه الحركة بأغلبية حصص المعتمدين في الوقت الذي تستمر فيه الأزمة داخلها بين جناح حافظ قائد السبسي نجل رئيس الجمهورية وجناح رضا بلحاج مدير الديوان الرئاسي السابق. حيث تنقسم كتلة الحزب البالغ عدد أعضائها 67 نائبًا بين هذين الجناحين المتصارعين في الحزب، الجناح الأول المؤيد للحكومة والجناح الثاني المعارض لها. واتهم بلحاج، الذي يقود هيئة تسييرية غير معترف بها من الجناح الآخر، رئيس الحكومة بالخضوع لجهات نافذة في الحزب، في إشارة للسبسي الابن، بتوظيف التعيينات "للاستقواء بأجهزة الدولة في خلافات الحزب".

ثانيًا: محدودية اعتماد عنصر الكفاءة

الأصل أن يقع اعتماد عنصر الكفاءة في التعيينات ثم بقية العناصر بما فيها المحاصصة الحزبية، فأن يكون جميع المعتمدين من ذوي الكفاءة فذلك هو الأصل، غير أن عديد التعيينات أهملت هذا العنصر بشكل تامّ. وهو ما أثار سخرية في مواقع التواصل الاجتماعي ورفضًا لدى أحزاب المعارضة.

هناك تخوف مشروع من استغلال المعتمدين، المعينين في المحافظات بطريقة المحاصصة الحزبية، لمناصبهم في استعدادات أحزابهم في الانتخابات

ففي معتمدية ميدون التي يتجاوز عدد سكانها 60 ألف مواطنًا في جنوب تونس، تمّ تعيين معتمد غير متحصّل على الثانوية العامّة وينتمي لنداء تونس. وهو تعيين أثار رفض المكونات المدنية والسياسية في المدينة، لتسارع الحكومة لتغييره بمعتمد آخر. وكشف هذا التعيين الذي أثار موجة سخرية في مواقع التواصل الاجتماعي عن مدى إهمال عنصر الكفاءة عبر الحدّ الأدنى من التحصيل العلمي وذلك لحساب المحاصصة الحزبية.

كما أثارت تعيينات في معتمديات أخرى الجدل حول غياب عنصر الكفاءة، وهو ما لا يسبب تجاوزه في محدودية القدرة على إدارة المعتمدية ومشاغل مواطنيها فقط، بل كذلك في جعل المعتمد غير الكفء كموظف لصالح حزبه الذي بارك تعيينه، ليكون مطالبًا بردّ الجميل في علاقة زبونية مع الأعضاء المحلّيين لهذا الحزب.

ليظلّ السؤال، من هي الجهة التي أعدّت التعيينات في سلك المعتمدين؟ وما هي منهجيتها وما هو سلّم المقاييس المعتمد؟

ثالثًا: التوقيت والانتخابات البلدية

تتزامن هذه التعيينات مع المصادقة على القانون الانتخابي وانطلاق استعداد الأحزاب للانتخابات المحليّة المزمع تنظيمها في الخريف القادم.

ومن المنتظر أن تمثل هذه الانتخابات موعدًا لتقييم أداء الائتلاف الحاكم المكوّن بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في خريف 2014. ففي ظلّ تواصل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، وعدم تحقيق الأحزاب الحاكمة لوعودها الانتخابية، فهي تخشى هزيمة في المحليّات، التي تتمتّع بصلاحيات واسعة، ستزيد من متاعبها قبل سنتين من الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة.

ويظلّ التخوّف المشروع، بالنظر لغلبة عنصر المحاصصة الحزبية على حساب الكفاءة، من استغلال المعتمدين المتحزّبين لأجهزة الدولة في استعدادات أحزابهم للانتخابات المحليّة، وهي الأولى من نوعها بعد إقرار الدستور سنة 2014.

اقرأ/ي أيضًا:

شهداء ثورة تونس وجرحاها ..تهميش وتوظيف

في الذكرى الـ6 لاندلاع الثورة.. "تالة عصيان أبدي"