04-فبراير-2020

وجد اللبنانيون اتحاد كرة قدم مثل السياسيين ومنهم (العربي الجديد)

في أواخر العام الفائت، وبعد أسابيع على الانتفاضة اللبنانية، أصدر الاتحاد اللبناني لكرة القدم بيانًا. أعلن أن الدوري اللبناني لموسم 2019/2020 سيجري "بمن حضر". الأندية التي أعلنت أنها غير قادرة على دفع رواتب لاعبيها، وعلى عدم قدرتها على تحمل التكاليف الأخرى، في ظِل تعنت المصارف وإصرارها على احتجاز الودائع، أقصيت من المشاركة. الاتحاد يقول إنها أقصت نفسها وإنها انسحبت. الفرق تقول إنها تحتاج إلى دعم.

فيما يخص كرة القدم وأحوالها، اعتاد اللبنانيون "التمرير" ولم يعرفوا كيف "يسددوا" إلى الهدف ولو لمرة واحدة. مرروا الوقت، ووجدوا أنفسهم أمام اتحاد للعبة مثل السياسيين ومنهم، يعيد إنتاج نفسه منذ ثلاثين عامًا

بناءً على هذه المعطيات، حددت اللجنة التنفيذية في الاتحاد منتصف كانون الثاني/يناير الفائت، كمهلة نهائية للفرق لتأكيد طلبات مشاركتها في الدوري الذي كان يفترض أن ينطلق في شباط/فبراير. لكن حتى هذه الصيغة ألغيت قبل أسبوعين. لا دوري. لا كرة قدم حتى إشعار آخر.

اقرأ/ي أيضًا: كرة القدم السياسية في لبنان.. نادي العهد الرياضي من "العهد" السياسي!

من يتحمل مسؤولية الترقيع؟

"الدوري" الناقص الذي كان يتحدث عنه الاتحاد، لم يكن دوريًا حقيقيًا. كان يتألف من نصف عدد الفرق. وكان دوريًا بنتائج لن تحتسب في السجلات التاريخية. لن يكون هناك هابطون إلى الدرجة الثانية. إلى ذلك، ولاستحالة دفع رواتب اللاعبين الأجانب، بسبب احتجاز المصارف للودائع خاصة بالدولار، تقرر أن يجري الدوري باللاعبين المحليين فقط. حتى هذه الصيغة، لم تصمد. قبل أسبوعين تقريبًا، وبسبب اعتراضات من الفرق المتبقية، وهي خمسة، على الصيغة الملتوية، تحديدًا النجمة - صاحب الشعبية الأكبر في لبنان - وشباب الساحل، الذي يعد من فرق الضاحية الجنوبية الأساسية إلى جانب العهد والبرج، تم توقيف كل شيء، ولا سيما هذه الصيغة "العجيبة".

فيما يخص كرة القدم وأحوالها، اعتاد اللبنانيون "التمرير" ولم يعرفوا كيف "يسددوا" إلى الهدف ولو لمرة واحدة. مرروا الوقت، ووجدوا أنفسهم أمام اتحاد للعبة مثل السياسيين ومنهم، يعيد إنتاج نفسه منذ ثلاثين عامًا، وتاليًا يعيد إنتاج الأزمات نفسها. وجدوا الكرة في مرماهم دائمًا: لا عقود احترافية. لا ملاعب بمواصفات معترف بها. التحكيم ملتبس دائمًا.

فضائح المراهنات هي الحدث الأبرز كل فترة. المدرجات غير آمنة. النقل التلفزيوني "مزاجي". الفرق تمثّل طوائفها. والاتحاد يتلقى دعمًا تقليديًا من الاتحاد الآسيوي مثل بقية الاتحادات، وينظّم المباريات بدلًا من أن تنظمها الفرق، ويحصل على كتلة كبيرة من العائدات. المنتخب الوطني لا يتمرن إلا فيما ندر، وصودف في أكثر من مرة، أنه لم يجد ملعبًا يتمرن فيه. يكتبون عنه في الصحافة المحلية منتخب "رجال الأرز" مديحًا، لكنه في الواقع، وفي أحيان كثيرة، يتسول ملعبًا يتمرن عليه قبل التصفيات الآسيوية والقارية، التي لم يفلح في اجتيازها، إلا بوصوله إلى بطولة آسيا الأخيرة بعدما تم رفع عدد الفرق التي يحق لها التأهل. رغم كل شيء قدّم اللاعبون مستوى جيدًا، بالقياس إلى "إنجازات" القيّمين على اللعبة.

ربما من الإنصاف التذكير بأن وزارة الشباب والرياضة، كانت "وزارة ترضية" دائمًا خلال "توزيع" الحقائب الوزارية. الاتحاد هو الذي يدير اللعبة تنفيذيًا، وهو الذي "علّق" الدوري بقرار مستقل تمامًا عن الحكومة. لم "تعلّق" على قراره حتى أي مصادر وزارية. لا يراقبه أحد، ولا يسأله أحد، ولا يتابع معه أحد. علّق الاتحاد الدوري على حبال غسيل الأزمة الاقتصادية والأمنية ويمكننا إضافة السياسية والاجتماعية. ما نعرفه هو أن عشرات اللاعبين صاروا بلا عمل، وعائلاتهم صارت بلا دخل. والجماهير، عليها أن تشجع فرقًا أخرى، وأن تنتظر "ترقيعًا" جديدًا. "تكنوقراط" جديد، ربما؟

من يتحمل مسؤولية الفراغ؟

لا كرة قدم في لبنان. انتهى كل شيء. على اللبنانيين أن يكتفوا، من الآن وصاعدًا، بمشاهدة الدوريات الأوروبية، والتصفيق لفرق أخرى غير فرقهم، وأن يحتفلوا لاحتفالات مدن أخرى، وجماهير آخرين. المدرجات التي بدأت تضيق بهم، منذ حادثة اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، وصولًا إلى الذروة في السنوات الماضية، أُغلِقت هذه المرة في وجههم تمامًا. ليس فقط المدرجات، الملاعب أيضًا. أغلق كل شيء. وكما ألغي دوري كرة السلة، بعد إلغاء دوري الكرة الطائرة، لن يكون هناك هذا العام دوري لكرة القدم. لا جديد من أسبوعين. في أروقة الاتحاد والمهتمين، يقال إن الاتحاد استخدم مصطلح "تعليق" وليس "إلغاء" لكي يدفع المسؤولية عنه باتجاه الآخرين. والآخرون كثر، يتشاركون مسؤولية الفراغ.

الاتحاد مسؤول. فهو في الأساس عبارة عن تجمع لإدارة التوازنات السياسية، بعدما صارت الأندية نفسها كتلًا داخل هذه التوازنات. لا يوجد "محايدين" كثر في الاتحاد اللبناني. هناك مقرّبون من حركة أمل ومن الحزب التقدمي الاشتراكي ومن تيار المردة ومن تيار المستقبل، وغيرهم. التركيبة اللبنانية في السياسية والمجتمع موجودة في هذا الاتحاد. رغم ذلك يقول المقرّبون من هؤلاء إنه كان من مصلحتهم حماية اللعبة، وحماية مصلحتهم على الأقل باستمرارها، كيفما اتفق. لكن بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر، وجد الجميع ذرائع للتنصل. ومسؤولية الاتحاد بالتأكيد ليست في كيفية ادارته للأزمة بعد الانتفاضة، وفي التعامل مع المعطيات التي وضعتها الأندية على الطاولة. مسؤوليته في بنيته وفي تركيبته وفي استمراره كملعب جانبي، تدور فيه مباريات "خاصة"، خضعت لقواعد "خاصة"، تمثلت بالمحاصصة الطائفية والسياسية.

الأندية مسؤولة. بحسب المتابعين، الأندية تتحمل المسؤولية الأكبر. فهذا الاتحاد، المشكّل على هذه الطريقة، لا يمكنه العمل إلا بهذه الطريقة. ولم يكم بإمكان "مختبر" التوازنات السياسية، إلا أن ينتج ما أنتجه. ولكن هل يعتقد المتابعون أن الأندية تألفت بطريقة مختلفة؟ نادي الأنصار، أحد أعرق الأندية البيروتية، يملكه ولو رمزيًا آل الحريري. بعدما ترشح رئيسه نبيل بدر في الانتخابات النيابية السابقة ضدّ لائحة الرئيس سعد الدين الحريري، عوقب بفوضى إدارية داخل النادي وبلبلة سببها استقالات، انتهت بأن يزور الحريري، لكي تهدأ الأمور، ويعلن "الولاء". نادي العهد، بطل كأس الاتحاد الآسيوي، هو فريق "حزب الله". لا يقول ذلك علنًا لكن الجميع يعرف ذلك في لبنان. وفيما أهدى لقب الدوري إلى أمين عام الحزب ذات مرة، أهدى كأس الاتحاد الآسيوي أخيرًا إلى "العهد" نفسه، أي إلى الرئيس ميشال عون. فريق الصفاء عندما فاز، أهدى الكأس إلى وليد جنبلاط. والنجمة قاعدته بمعظمها تتوزع بين حركة أمل وقلة من البيروتيين، لكن إدارته بقيت لوقت طويل مشكلة من "ائتلاف" يجمع مقرّبين من الحريري وسياسيين آخرين. الحكمة "محسوب" على مطرانية بيروت، وتاليًا على "القوات اللبنانية"، كما يعتقد معظم المهتمين باللعبة، وعلى هذا المنوال.

اقرأ/ي أيضًا: كُرةُ اليد اللبنانيّة والطريق إلى المَجهول

من يتحمل مسؤولية النهاية؟

الاتحاد في النهاية يعلن موعدًا، وإذا قررت الفرق المشاركة ستشارك. لكن هذه الأندية نفسها هي التي تلقت تمويلًا ودعمًا سياسيًا، وانتبهت اليوم أن لا أحد مهتمًا باللعبة، أو باللاعبين، ولا بالشغف ولا بالجماهير ولا بشيء. حتى من الزاوية التجارية، فإن سوق الإعلانات لم تعترف بكرة القدم اللبنانية لأن كرة القدم اللبنانية لم تعترف بهذه السوق. اتكلت على الوجاهات وعلى طموحات السياسيين، الذين ركبوا الأندية وإداراتها من أجل مطامع سياسية. ليست مشكلة اللعبة إن ظن الواحد من هؤلاء السياسيين نفسه سيلفيو برلوسكوني، ولكن مشكلتها هي أنها تلهث خلف الماضي، ولم تعد قادرة على مجاراة التطور في العالم. لم تعد اللعبة ترفًا، وصار اللاعبون يريدون الاحتراف، وينظرون إلى بلدان تقدّر موهبتهم. المفارقة أننا قد لا نجد دليلًا إلى الزبائنية أكثر من هذه العلاقة بين الأندية الرياضية والسياسيين.

لا كرة قدم في لبنان. انتهى كل شيء. على اللبنانيين أن يكتفوا، من الآن وصاعدًا، بمشاهدة الدوريات الأوروبية، والتصفيق لفرق أخرى غير فرقهم، وأن يحتفلوا لاحتفالات مدن أخرى، وجماهير آخرين

بعد كل شيء وحسب مصادر في الاتحاد اللبناني لكرة القدم، هناك حديث عن إجراء البطولة الرديفة، وهي بطولة كأس لبنان، أيضًا "بمن حضر". موقف الاتحاد الآسيوي و"الفيفا" ليس واضحًا حتى الآن، وليس مفهومًا، ودرجة العقوبة التي قد تحل بلبنان جراء هذا الإهمال المشترك غير معروفة بعد. حتى ذلك الوقت، هناك بطولتان وديتان أجريتا، واحدة بإشراف بلدية حارة حريك، والثانية سميت بتنظيم من نادي العهد. وتخلل "الدورة" الثانية خلافات وإشكالات بين جمهوري النجمة والبرج في ملعب العهد، وجمهوري النجمة والعهد في ملعب العهد. ورغم الأزمة التي صار واضحًا إلى أي درجة يبلغ مستوى عمقها، يحضر في "الوسط الرياضي"، بين المتابعين والإداريين، من يختصر الأزمة بغياب الإجراءات الأمنية وبحماسة الجماهير.