13-فبراير-2018

لأول مرة منذ 30 عامًا، تسقط مقاتلة إسرائيلية (رويترز)

يبدو أن إسرائيل اختارت التهدئة مقابل التصعيد، كرد فعل على إسقاط النظام السوري مقاتلة لها كانت عائدة بعد تنفيذها قصفًا لقواعد عسكرية داخل سوريا. وقد حمل إسقاط المقاتلة الإسرائيلية في مضمونه، عدة رسائل أرادت الأطراف الدولية الداعمة للنظام توجيهها لواشنطن في المقام الأول، كما أنه بطبيعة الحال سيدفع نحو عدة سيناريوهات محتملة، فسقوط أول مقاتلة إسرائيلية منذ 30 عامًا، في ظل اشتعال المنطقة أصلًا، ليس أمرًا هينًا، أو على الأقل عاديًا، وهي التي اعتادت تنفيذ المهمات القتالية ضد الأهداف، خاصة في حالة النظام السوري، والعودة إلى قواعدها سالمة إلا من التصعيد الدعائي المكرور. 

لأوّل مرة منذ 30 عامًا، تسقط طائرة حربية إسرائيلية، عندما أسقطت دفاعات النظام السوري الجوية، مقاتلة إسرائيلية من نوع "F16"

الحادثة الأولى منذ 30 عامًا

بعد أقل من يومين على تنفيذ مقاتلات إسرائيلية غارات جوية على مركز البحوث العلمية في منطقة جمرايا بريف دمشق، عاودت، السبت الماضي، مقاتلات إسرائيلية على تنفيذ ضربات جوية جديدة، قالت إنها رد على اختراق طائرة دون طيار إيرانية لأجوائها، ليرد النظام السوري بإطلاق الدفاعات الجوية، مسقطًا مقاتلة "F16"، ردت عليها إسرائيل بتنفيذ ضربات جوية سريعة استهدفت 12 موقعًا عسكريًا بينها مطار التيفور العسكري.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: تزايد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا.. الأسباب والنتائج

ولأول مرة منذ أكثر من 30 عامًا تسقط مقاتلة إسرائيلية لتحدث نقلة كبيرة في تعقيد قواعد الاشتباك،  رغم أن إسرائيل نفذت منذ عام 2013 ما يزيد عن 26 غارة جوية استهدفت مواقع عسكرية للنظام السوري، والميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران، فإن هذه المرة الأولى التي يرد بها النظام السوري محاولًا إرسال أكثر من رسالة للأطراف الدولية المتدخلة في الوضع السوري.

وأوضحت صحيفة هآرتس العبرية أن المقاتلة الإسرائيلية كانت تحلق على ارتفاع منخفض، ثم "حلّقت على علو شاهق جدًا لمتابعة عملية تدمير المركبة التي أطلقت الطائرة الإيرانية بدون طيار"، مشيرًة إلى أن النظام السوري أطلق أكثر من 20 صاروخًا، الأمر الذي وصفته الصحيفة العبرية بأنه "رقم كبير بشكل غير اعتيادي".

وكان لافتًا صدور بيان عن "غرفة عمليات تحالف سوريا" الذي يضم حزب الله والمليشيات الأجنبية، محذرًا إسرائيل من أن الرد اعتبارًا من الآن سيكون "قاسيًا وجديًا"، ما يعتبره البعض دليلًا، أو على الأقل تلميحًا إلى إمكانية نشوب حرب إيرانية إسرائيلية قريبًا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي أكد فيها استمرارهم بتنفيذ الضربات العسكرية داخل سوريا، ما يعني أن الأمور قد تتطور لصدام عسكري في ريف القنيطرة حيثُ باتت مليشيات الطرفان على تماس مباشر.

ما أهمية مطار التيفور العسكري؟

ويُعد مطار التيفور العسكري واحدًا من أكبر القواعد الجوية للنظام السوري، فهو يقع في منطقة البادية السورية بريف حمص الشرقي، وتأتي أهمية موقعه بسبب قربه من العراق، وحقل غاز شاعر، فضلًا عن مدينة تدمر، ويضم حاليًا غرفة عمليات مشتركة لمختلف حلفاء النظام السوري، بمن فيهم موسكو التي يتواجد فيه قواعد عسكرية لقواتها.

وقال موقع "تايمز أوف إسرائيل"، إن مطار التيفور كان من بين 12 هدفًا استهدفتها مقاتلات إسرائيلية، ما أخرج القاعدة الجوية مؤقتًا عن العمل. ويعتمد النظام السوري على مطار التيفور بشكل أساسي لشن ضرباته الجوية على المناطق الشمالية الشرقية في سوريا. وتوزعت الضربات الإسرائيلية بين مطار المزة العسكري في دمشق، ومواقع أخرى في ريف دمشق ودرعا.

وفي الوقت الذي أيدت فيه وزارة الدفاع الأمريكية الضربة الإسرائيلية، معتبرة أنها جاءت في سياق الدفاع عن نفسها، قال الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا إسرائيل لـ"تجنب أية خطوات تؤدي إلى مواجهة جديدة في المنطقة"، الأمر الذي يعني مضي الأطراف للتهدئة، خاصةً أنّ التطورات الأخيرة فتحت احتمالات عديدة حول إمكانية نشوب حرب قصيرة خلال الصيف القادم، وفق ما يرى محللون.

سيناريوهات المواجهة المحتملة

فتحَ إسقاط المقاتلة الإسرائيلية الباب أمام سيناريوهات متعددة لاحتمالية نشوب حرب إيرانية إسرائيلية، امتدادًا من الأراضي السورية، خاصةً وأنّ الحادث يمثل التصادم الأول بين إيران وإسرائيل، وإن كان قد بدا بشكل غير مباشر كون النظام السوري هو من تبنى عملية إسقاط المقاتلة، وكذلك حمل الرد رسالة ببصمات روسية كرد على استهداف مقاتلات التحالف الدولي لرتل عسكري للنظام السوري بريف دير الزور.

اعتبر محللون أن إسقاط المقاتلة الإسرائيلية بمثابة رسالة روسية لواشنطن، ردًا على إسقاط مقاتلة روسية بإدلب الأسبوع الماضي

وكان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، قد قصف الأربعاء الماضي، رتلًا مؤلفًا من 500 عنصر للنظام السوري والميليشيات الإيرانية، كانوا يمهدون لشن هجوم بهدف السيطرة على حقل كونكو النفطي بريف دير الزور، ما أسفر عن مقتل 100 عنصر للنظام السوري. وجاء القصف بعد اشتباك وقع بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). وقال التحالف إن القصف جاء بعد أن وجه تحذيرًا عبر روسيا، طالب فيه النظام بإيقاف تقدم عناصره بالاشتراك مع المليشيات الأجنبية.

اقرأ/أيضًا: البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط

واعتبر محللون أن إسقاط المقاتلة الإسرائيلية حمل رسائل روسية موجهة لواشنطن، في مقامها الأول الرد على إسقاط المقاتلة الروسية في ريف إدلب الأسبوع الماضي، بعد تزويدها فصائل المعارضة بصواريخ متطورة مضادة للطائرات، ولاحقًا الغارة التي استهدفت قوات النظام في ريف دير الزور. وقد بدا واضحًا من ردود فعل الأطراف الداعمة للنظام السوري، أن الرسالة تؤكد تغيّرًا واضحًا في قواعد الاشتباك.

وفي وقت سابق، وجه نائب رئيس مجلس الاتحاد للدفاع والأمن الروسي، فرانتس كلينتسيفيتش، اتهامًا مباشرًا لواشنطن بتزويدها فصائل المعارضة السورية منظومات الدفاع الجوي المحمولة على الكتف، وذلك بعد أيام من إسقاط المعارضة السورية لمقاتلة روسية في ريف إدلب، ما أسفر عن مقتل طيارها بعد اشتباكه بالسلاح مع مقاتلي المعارضة في المنطقة.

كذلك وصف محللون غربيون بأن التطور الأخير، يعد بمثابة إنذار باندلاع مواجهة إيرانية إسرائيلية في المنطقة، وأشارت نيويورك تايمز في تقرير لها أن الضربة كانت "قاسية جدًا لإسرائيل"، لكنها أيضًا رأت أنه بإمكان إسرائيل تدمير مشروع روسيا وإيران الرامي لإنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد، والذي ينبئ في حال وقوعه، باندلاع حرب مباشرة ستكون واشنطن طرفًا فيها بكل تأكيد.

ولعل الأكثر إثارة كان نبأ إسقاط المقاتلة "F16" من الجيل الرابع المتطور لسلاح الجو الإسرائيلي، والتي لطالما كانت مصدر فخر لقدراتها القتالية، غير أنها أُسقطت بمنظومة الدفاع الروسية "S200" التي يرجع تاريخها لحقبة الاتحاد السوفياتي عام 1967. ووضعت الحادثة الجيش الإسرائيلي في مأزق بعدما أظهرت أن تل أبيب تعاني من ثغرات جعلهتا تطلق تصريحات تدعو للتهدئة، انعكست فيما نقلته صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية عن مطالبة إسرائيل بتدخل واشنطن وموسكو لاحتواء الموقف.

ونقلت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية على لسان محللها العسكري أليكس فيشمان قوله، إن إسقاط المقاتلة الإسرائيلية "ذوّب الإنجاز السياسي الرادع الذي كان من المفترض أن تحققه إسرائيل أمام السوريين، وبشكل خاص أمام الإيرانيين"، فيما اعتبرت مواقع مختصة بتحليل القوة العسكرية للطيران الحربي أن الحادثة تشكل "ضربة قوية لسيادة إسرائيل الجوية في المنطقة".  

وبالمثل فإنه على الرغم من نفي طهران إرسال طائرة دون طيار لداخل الأراضي المحتلة، فإن العملية بحد ذاتها إن صحت تدل على محاولة طهران التحرش بإسرائيل لمعرفة ماهية ردها على مثل هذه الأفعال، وفق ما وصفته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، التي قالت إن إسقاط المقاتلة منح النظام السوري "شعورًا بالقوة". ودون شك أن مثل هذه الحادثة، وإن لم تتجه نحو التصعيد، فإنها أمدت الماكينة الدعائية للنظام السوري بما يفتقر له من تغذية بشأن ادعائه المستمر بمواجهة إسرائيل أو التحضر لها.

إسقاط المقاتلة الإسرائيلية، نقل المنطقة لمرحلة جديدة من الصراع، قد تزيد من الاستفزازات بين الأطراف المتصارعة من خلال سوريا

وفي جميع الأحوال، فإن إسقاط المقاتلة الإسرائيلية نقل المنطقة لمرحلة جديدة من الصراع، قد تزيد من الاستفزازت بين الأطراف المتصارعة، خاصة وأن الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة، بدأت تأخذ منحى تدويلي، نظرًا لوجود أطراف دولية مصالحها متضاربة، ولطالما تغيّرت خارطة التحالفات والصراعات سريعًا وعلى عجل. وهذا ما يمكن سحبه داخل غرف الحلفاء أنفسهم، أي تحرك إيران ميدانيًا لفرض امتيازات الأمر الواقع على موسكو، وكذلك غض موسكو الطرف عن حوادث شبيهة لتأكيد أولوية قرارها في سوريا أمام ذلك الأمريكي وكذلك الإيراني. وهو ما يتأكد من التنسيق الروسي الإسرائيلي المحسوب في الأجواء السورية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المؤرخ بيتر فرانكوبان: البريكست ليس أولوية العالم والشرق الأوسط حلبة التغيير

هل نشهد حربًا أمريكية على إيران قريبًا؟