18-مايو-2017

بنيامين نتنياهو مع وزيرة الشؤون الخارجية الهندية (كوبي جيدون/ Getty

قبل أيّام أجرى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس زيارة إلى الهند بحث خلالها مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا موري، الأوضاع في فلسطين ومسألة التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتطوير العلاقة الثنائية. وجاءت الزيارة في ظل تعاون غير مسبوق بين الهند وإسرائيل خلال الآونة الأخيرة، يخشى عباس أن ينعكس هذا التعاون سلبًا على الموقف الهندي تجاه القضية الفلسطينية.

تجمع بين الهند وإسرائيل علاقة موطدة، تعززها صفقات سلاح بمليارات الدولارات

وبدأت العلاقات الهندية الإسرائيلية في الصعود منذ تسعينات القرن الماضي، إلا أنها توطدت خلال السنوات الأخيرة أكثر من أي وقت مضى وسط غلاف من السرية ، حيث نجحت إسرائيل في توظيف صناعة التقنيات المتقدمة والسايبر لديها، في تعزيز علاقاتها مع دول آسيا، بخاصة الهند، السياسة التي يطلق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بـ"دبلوماسية التكنولوجيا".

صفقات عسكرية بمليارات الدولارات

تصنف الهند ضمن البلدان الخمسة الأوائل الأكثر إنفاقا على السلاح، بميزانية قدرها 53.5 مليار دولار مخصصة لسنة 2017. هوس عسكري تغذيه تهديدات الجيران من الصين والعداء الشديد التاريخي مع باكستان، يجعل الهند تبحث باستمرار على القدرات العسكرية الأكثر تفوقًا، لتجد ضالتها في إسرائيل، التي باتت ثاني مصدر للسلاح إلى الجيش الهندي، بصفقات تقدر بمليارات الدولارات.

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ صناعة السلاح في إسرائيل.. 3 مراحل و3 أهداف

تمت آخر صفقة الشهر المنصرم، غداة زيارة رسمية قام بها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى تل أبيب، عقدتها شركة "إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء" المملوكة للدولة مع نيودلهي، بلغت ملياريْ دولار، وهي أكبر صفقة تبرمها إسرائيل على مر تاريخها، حيث ستزود الشركة الإسرائيلية الجيش الهندي بمنظومة متطورة للدفاع الجوي، يمكن تركيبها على المنصات البرية وفوق الفرقاطات البحرية، تشمل صواريخ "أرض – جو" متوسطة المدى وقاذفات صواريخ، بالإضافة إلى تكنولوجيا للاتصالات والتحكم.

وخلال العام الماضي، أنفقت الهند ملياري دولار أخرى من أجل اقتناء صواريخ "أرض-جو" متوسطة المدى (مرسام)، و لآليات عسكرية أخرى، من خلال تجهيزها بالتقنيات التكنولوجية والأجهزة الليلية، كما تعمل الشركات الإسرائيلية على توطين بعض تقنياتها المتقدمة بالهند لتصبح قابلة للإنتاج محليا.

لكن الأكثر حساسية هو التعاون النووي بين الهند وإسرائيل، إذ تنقل مجلة "ISRAEL DEFENSE" الإسرائيلية، عن المسؤول السابق في الخارجية الهندية فيكرام سانجيت، قوله: "هناك تعاون تكنولوجي سري بين إسرائيل والهند يهدف إلى تحسين القدرات النووية الهندية"، مشيرًا إلى أن الهند وتل أبيب تحرصان على إحاطة التعاون في المجال النووي بينهما بسياج كثيف من السرية والغموض، الأمر الذي تتحسس منه جارتها باكستان.

الهند تستعين بالتقنيات الاستخباراتية الإسرائيلية

المصالح الاقتصادية ليست المحرك الوحيد لعجلة العلاقات الهندية الإسرائيلية، وإنما أيضًا اتفاق الهند وإسرائيل في رؤيتهما لخطر ما يصفانه بـ"التشدد الإسلامي"، بخاصة عندما يرتبط الأمر بدولة نووية إسلامية مثل باكستان. فمنذ هجمات بومباي، التي حصدت أكثر من 200 قتيل ومئات المصابين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، توطد التعاون الاستخباراتي على أشده بين نيودلهي وتل أبيب ضد ما يسميانه "الإرهاب".

باكستان، التي تصفها كل من الهند وإسرائيل كدولة "راعية للإرهاب"، مثّلت مسرحًا لعمليات التجسس الاسرائيلية، حيث بدت الهند متلهفة لتوظيف تقنيات جمع المعلومات المملوكة لتل أبيب، بغرض التجسس على السلاح النووي الباكستاني والجماعات الجهادية المعادية للهند داخل باكستان.

تشترك كل من الهند وإسرائيل في النظرة العدائية تجاه باكستان باعتبارها "دولة راعية للإرهاب" كما يصفانها

ومن أجل ذلك، سعت نيودلهي جاهدة لاقتناء تقنيات التجسس المتقدمة التي تتميز بها الصناعة العسكرية الإسرائيلية، وهو ما تحقق لها بالفعل خلال السنتين الأخيرتين حيث اشترت طائرات بدون طيار وأقمارًا صناعية تجسسية من تل أبيب، بالإضافة إلى تكنولوجيا اختراق الشبكات الرقمية والاتصالات. هذا ما جعل باكستان تخرج عن صمتها وتعلن قلقها من التعاون الهندي الاسرائيلي.

نيودلهي معجبة بالتقنيات الفلاحية الإسرائيلية

لا تنحصر شهية الهند للتقنيات الإسرائيلية ذات الأغراض العسكرية فقط، بل تتعدى ذلك إلى المجال الفلاحي، حيث سبق لوزير المالية الهندي، آرون جايتلي، أن صرح قائلًا: "نعزز تعاوننا مع إسرائيل التي نعتبرها نموذجًا نريد الاقتداء به من أجل مساعدتنا على مواجهة تحديات المياه بالهند".

ورغم أن الاقتصاد الإسرائيلي غير قائم على القطاع الفلاحي، فضلًا عن المساحة المحدودة لذلك، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يتفوق على بلدان فلاحية شاسعة الأراضي مثل المغرب ومصر من حيث الإنتاج والعائد المالي، بفضل التكنولوجيا المتقدمة التي تملكها في المجال الفلاحي، ما جعلها رائدة عالميًا في مجال تحلية المياه وتقنيات الري واستصلاح الأراضي الزراعية، وكذا تربية الأحياء المائية.

ترسل الهند بصورة دورية، وفودًا متخصصة للجامعات الإسرائيلية لاكتساب الخبرات في مجال الري والفلاحة

وفي ظل تزايد تحديات الجوع والعطش ببقاع واسعة من العالم، من بينها الهند، باتت التقنيات الزراعية الإسرائيلية مطلوبة وبشدة من أجل تأمين الغذاء والماء للشعب الهندي البالغ تعداده ما فوق المليار نسمة، ومن ثمة دأبت الحكومة الهندية على إرسال الوفود المتخصصة إلى جامعات إسرائيلية ومراكز بحثية معنية بالزراعة، بشكل شهري؛ لاكتساب الخبرات في هذا المجال، ثم استغلالها في الفلاحة الهندية.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل كدولة لناس كثيرين ليسوا مواطنيها

إلى جانب ذلك، تنظم السفارة الإسرائيلية في الهند بين الفينة والأخرى فصول تدريب على التقنيات الزراعية الإسرائيلية، وكيفية توظيفها لمضاعفة المحاصيل الفلاحية، وهي التقنيات التي يبدو أنها أثارت إعجاب الفلاحين الهنود بعد تجريبها وتبيُّن دورها الحاسم في تحسين المردود، وحل مشكلات الجفاف والمساحة المحدودة والآفات التي تواجه الزراعة الهندية.

استفادت الهند كثيرًا من تعاطيها المكثف مع التقنيات الإسرائيلية، إذ ساعدتها على تحقيق تفوق واضح على جارتها باكستان عدوها اللدود، في المجال العسكري والتقني والفلاحي، وبالمقابل عززت إسرائيل اقتصادها بصفقات بمليارات الدولارات، كما كسبت حليفًا سياسيًا قويًا في منطقة آسيا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إندونيسيا وإسرائيل: لعب تحت الطاولة

نتنياهو يفتح إفريقيا.. سر الزائر والزيارة