09-سبتمبر-2018

استطاعت آنا وينتور أن تغير الكيفية التي يرتدي بها العالم الملابس (فوك كان/Getty)

ماذا تعرفين عن "آنا وينتور"؟ بقدر ما في خزانتك من ملابس، وبقدر ما تتابعينه بشغف أو تتجاوزينه بعدم اهتمام من أزياء في المجلات والمواقع وعلى التلفاز؛ ينبغي أن تعرفي عن آنا وينتور، التي، وعلى مدار 30 عامًا، رسمت الخطوط الأساسية لعالم الموضة والأزياء في العالم. نظرة على مسيرة وينتور وأثرها في أسلوب ارتداء الملابس في العالم، ننقلها لكم مترجمةً بتصرف عن صحيفة الغارديان.


عندما وصلت آنا وينتور إلى منصب رئيس التحرير في مجلة فوغ (Vogue) الأمريكية عام 1988، كان رونالد ريغان رئيسًا للولايات المتحدة في ذلك الوقت. وقد شهد البيت الأبيض تعاقب خمسة رؤساء آخرين منذ ذلك الحين؛ ولكن وينتور، على النقيض من ذلك، لم تتزحزح قيد أُنملة عن منصبها.

تولت آنا وينتور رئاسة تحرير مجلة فوغ عام 1988، وعلى مدار ثلاثة عقود تغير خمس رؤساء أمريكيين، وظلت آنا صامدة في منصبها

في كل مرة عندما يحين الوقت لرفع الستار عن أسبوع الموضة في نيويورك، تكون آنا وينتور متيقظة تُراقب، جامدة الوجه، مُستعصية على التكهن، من وراء نظارتها السوداء الحاضرة دائمًا، وبقصة شعرها القصيرة المصقولة والراقية، مما يضمن إمكانية أن تراها جميع المقاعد داخل العرض.

اقرأ/ي أيضًا: الموضة على السوشيال ميديا.. كيف يفسد الذوق العام بصورة؟!

شهدت فترة رئاسة آنا وينتور التي استمرت لثلاثة عقود، وتمركزها في الصف الأمامي، توسعًا لمكانة الأزياء في الثقافة الشعبية، فبعد أن كانت مجالًا محدودًا جدًا تغلب عليه اهتمامات النساء، تحولت إلى إحدى قنوات الثقافة الشعبية التي يشاهدها العالم بأكمله.

مجلة فوغ هي المنصة التي تتحدث من خلالها بيونسيه عن أسلافها، وترتدي فيها تيريزا ماي السراويل الجلدية. ينشغل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمدح مصممي الأزياء في باريس عن طريق اعتبارهم سفراء مختارين لرؤيته لفرنسا باعتبارها قوة إبداعية معاصرة. وفي لندن، أُثبِتت قوة الجذب التي يتمتع بها أسبوع الموضة عندما حضرت الملكة إليزابيث عرض المصمم الشاب ريتشارد كوين في الموسم الماضي.

لطالما كانت آنا تتمتع بالسلطة بقدر ما لديها للأزياء
لطالما كانت آنا تتمتع بالسلطة بقدر ما لديها للأزياء

القوة الطوطمية لفكرة آنا -دائمًا ما يشار إليها باسمها الأول فقط، رغم أن أحدًا لا يحادثها بشكل شخصي سوى المحيطين بها بشكل مقرب جدًا- تتمثل في أنه عندما تظهر شائعات حول تركها لفوغ، فسرعان ما تصبح هذه الشائعات زلزالية ومهولة. وقد أحيا اقتراب الذكرى الـ30 لتوليها المنصب، الجدل الذي لطالما دار حول رحيلها الوشيك.

وأثار بيان شركة كوندي ناست الإعلامية (Condé Nast)، الذي نُشِر الشهر الماضي، بأن آنا وينتور ستظل في منصبها "إلى أجل غير مسمى"، نقاشًا حول المعنى الدقيق للكلمة، وتخمينات حول الكيفية التي ستتجاوز بها الموضة تخلي آنا وينتور عن منصبها الذي يُعادل "سقوط جسر لندن" (عبارة تعني أنَّ الملكة إليزابيث قد توفيت) في صناعة الموضة.

لقد غيَّرَت آنا وينتور الكيفية التي يرتدي بها العالَم الملابسَ، بطريقةٍ لا علاقةَ لها باتّباع صَيحات الموضة. وهي التي قالت ذات مرة إن عبارة "صيحات الموضة" أو "Trends"، هي "كلمة بذيئة". آنا، هي المخطط الرئيسي لواحدة من الجماليات الأساسية في عصرنا، والمتمثلة في القوة الناعمة. 

لَطالما كانت تتمتع آنا وينتور بالكثير من السلطة بقدر ما لديها بالنسبة للأزياء، وكان تأثيرها الأكبر مُنصَبًّا على الملابس التي نراها على شاشات التلفاز والصفحات الأولى من الصحف والمجلات، وليس على ممرّات عروض الأزياء. وقد مضى عقدان على ارتداء السيّدات في وقت ما للملابسَ المزخرَفة والسترات الملونة، وكذلك على الملايين من الفساتين زاهية الألوان والمناسبة للجسم تمامًا، والتي ارتدتها مذيعات الأخبار حول العالم، ومجموعة من الدوقات البريطانيّات اللاتي تنتمين إلى الجيل الجديد، واللاتي ترتدين المعاطِف المُصمَّمة بدقّة والأحذية التي تناسب لون البشرة، وحتى القلادات القويّة والثابتة التي ترتديها رئيسة الوزراء البريطانيّة، تيريزا ماي؛ فلقد خططت وينتور، من وراء نظارتها الشمسية هذه، الكثير من تلك الأشياء. 

وتعد خزانة ملابس آنا وينتور مُميَّزة من ناحية التناسُق. وتعتبر مقولة "اجعل الأمر فريدًا بالنسبة لك، ولكن من السهل التعرُّف عليه بالنسبة للآخَرين" مِن تعليقاتها الذكيّة المتعلّقة بموضوع الأزياء. في نظر الجمهور، شهد 30 عامًا تغيُّرًا طفيفًا بالنسبة لما ترتديه: في الجوّ الدافئ، ترتدي الكِنزة ضيّقة الرقبة، وفساتين ذات أكمام قصيرة، وإلا فستانًا قصيرًا أو قميصًا وتنّورة، بالإضافة إلى حذاء مانولو بلانيك الخفيف ذو الكعب المتوسط واللون البنّيّ الفاتح (لون القهوة بالحليب).

أمّا في الجو البارد، فترتدي آنا وينتور معطفًا طويلًا، عادةً ما يحتوي على حزام، إلى جانب حذاء طويل يعلو الركبة. فهي لا ترتدي السراويل. إنها تحب الألوان، كما أنّها مغرَمة على وجه الخصوص باللمسة الحيوانية وتصاميم الجرافيك، ولا تروقها كثيرًا التصاميم الموشّاة بالزهور.

في 2017، منحت آنا وينتور لقب "سيدة" أو "dame" من ملكة بريطانيا
في 2017، منحت آنا وينتور لقب "سيدة" أو "dame" من ملكة بريطانيا

إن آنا وينتور راقية بشكل متمرِّد في اختياراتها. تنتقي اختياراتها من أزياء أفضل المصمِّمين الأمريكيِّين، أمثال رالف لورين ومايكل كورس، لكنها أيضًا ترتدي فساتين غوتشي (Gucci) وبرادا (Prada) في شكلها المختار ضمن ألوان وأقمشة ذلك الموسم. وغالبًا ما تختار من مجموعة شانيل كوتور (Chanel Couture) في المناسبات رفيعة المستوى مثل حفل "ميت غالا" (Met Gala) أو عندما مُنِحت لقب "dame" في قصر باكنغهام العام الماضي. كما ترفض التخلّي عن ارتداء الفراء حتى الآن، في الوقت الذي تخلى معظم المصمِّمين عنه.

لقد غيرت تفضيلاتُها الشخصيّة، ما كنا نعتقد بأنه أنيق. فعلى الرغم من أننا نادرًا ما نراها ترتدي الجينز في الأماكن العامّة، فإنّ قرارَها ارتداءَ جاكيت "لاكروا" (Lacroix) المُرصَّع بالجواهر مع بنطال جينز أزرق على غلاف أول إصدارٍ لها من مجلة "فوغ" الأمريكية، في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1988؛ شكَّلَ بدايةَ ارتداء الدينيم (نوع من الجينز) في عالم الموضة، والذي لم يختفِ منذ ذلك الحين. 

وكان افتقار آنا وينتور إلى الحماس للون الأسود عاملًا قويًا في استبعاده من قائمتها، وهو اللون الذي كان ذات مرّة زيًا لصناعة الموضة ومثالًا على الأناقة، وقد عزز من ذلك الاتجاه الذي بدأته وينتور، افتقار اللون الأسود لجاذبية الشاشة عند متسوقي الإنترنت.

كما كان لِشَغفها بلعبة التنس أثره كذلك، إذ تمارس آنا وينتور الرياضة التي تفضِّلها يوميًّا في الساعة الخامسة صباحًا، وهو شغف شخصيّ يسبق بكثير اتجاه ارتداء الملابس الرياضية. وكما يتصادف، تعتبر الفساتينُ غيرُ ذاتِ الأكمام -والتي تحبّ ارتداءَها- الوسيلةَ المُثلَى لاستعراض الأذرع الممشوقة نتيجة الممارسة اليوميّة للرياضة.

في ظل ثقافة تتظاهر بالانشغال، منح أسبوع الموضة لآنا وينتور، منصةً لإظهار نسخة ساحرة لاستعراض وبسط النفوذ، فهي نادرًا ما تحمل حقيبة يدوية، وعلى مدار 20 عامًا كانت تحمل دفترًا من إنتاج شركة "فيلوفاكس" (Filofax) في العروض، لكنها الآن تحمل هاتفها فقط. إنها من اللمسات الجماليّة الأنيقة والمهندَمة التي يستخدمها أصحابُ النفوذ الحقيقيين لتمييز أنفسِهم عن العامّة، مِمَّن يحملون المظلات والحقائبَ الرياضيّة الضخمة.

ويعدّ حضور المناسبات العامة دون حقيبة أمرًا ممكنًا لهؤلاء الذين لديهم فريق دعم، وسيارة موجودة في الخارج. كخدعة بصريّة، يُعدّ ذلك نادرًا بشكل كبير، لكنه مثير للإعجاب بشكلٍ لا يُنكَر، إِذْ يمنح بريقًا خارقًا لامرأة تبدو أكثر فعاليّة من أي شخص آخر في الغرفة، دون الحاجة إلى الماء أو الوجبات الخفيفة أو السدّادات القطنيّة أو مرطِّب الشِّفاه، أو أيًّ مما يوضع في الحقيبة النسائية عادةً.

أدت ميريل ستريب دور آنا وينتور في الفيلم المقتبس عنها "The Devil Wears Prada"
أدت ميريل ستريب دور آنا وينتور في الفيلم المقتبس عنها "The Devil Wears Prada"

لكن إذا كان وصول آنا وينتور مقصورًا على أولئك الذين يراقبونها في أسبوع الموضة، فإنّ تأثيرها لن يكون عميقًا لهذه الدرجة. وبما أنّ الأمر كذلك، كانت آنا وينتور ضمن الشخصيات المرموقة في هوليوود مثلما كانت في مانهاتن، إِذْ تعتبر من الشخصيّات العظيمة في عصرنا. إنّ مجموعةَ صورها محفورةٌ بعمق في عقول الكثيرين، لدرجة أنّ ميراندا بريستلي -النسخة التي جسَّدَتها ميريل ستريب عن وينتور في فيلم "The Devil Wears Prada"- أصبحَت نموذجًا للمرأة المميَّزة المعاصرة.

استطاعت آنا وينتور أن تغير الكيفية التي يرتدي بها العالم الملابس، بطريقة لا علاقة لها باتباع "صيحات الموضة" التي ترى أنها عبارة "بذيئة"!

كما لعبت وينتور نفسُها دورَ وينتور في أفلام فوغ الوثائقيّة مثل "The September Issue" و"The First Monday in May، وكذا في أدوار صغيرة في "Zoolander 2" و"Ocean’s Eight". ويستطيع الجميع تخمين مقدار اعتماد الشخصيّة التي تجسّدها على الحياة الواقعيّة. ولكن، ورغم مضي 30 عامًا، لا يملّها الجمهور!

 

اقرأ/ي أيضًا:

خطوات سهلة لأناقة المرأة

"فوغ آرابيا".. مزيد من تنميط المرأة العربية