16-أكتوبر-2017

قراءة شعرية في زمن السوفييت

يكتمل هذا الشهر مرور قرن كامل على قيام الثورة البلشفية التي قادها الحزب الشيوعي في روسيا ضد حكم القيصر، لتكون واحدة من أهم الثورات الشعبية التي حصلت على مدى التاريخ. الثورة التي ألهبت مشاعر المثقفين الروس، وأيدها معظمهم، كانت – أيضًا – فألًا سيئًا بعدما تعرض عشرات الكتاب والمنظرين للاعتقال، وجرت محاكمتهم بتهمة العداء للحزب الشيوعي، أو بنفيهم واعتقالهم داخل السجون السوفيتية.

تميز الاتحاد السوفيتي (1917 – 1990) إبان تلك الحقبة بتصديره للكتاب الذين كانوا متوافقين مع سياسات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، مقابل تهميش كتّاب صنفوا من أهم الشعراء والروائيين الذين أثروا المكتبة العالمية بأعمالهم الخالدة. هنا نقدم إطلالة على خمسة كتاب تعرضوا للتهميش، وحاربهم الحزب الشيوعي خلال فترة حياتهم بسبب مواقفهم المعارضة لقوانينه الصارمة التي كان يفرضها على المجتمع السوفيتي.


1. قداس جنائزي لروح آنا أخماتوفا

تعتبر آنا أخماتوفا (1889 – 1966) واحدة من أبرز الشعراء السوفييت الذين عانوا في ظل الحكم الستاليني، فزوجها الشاعر نيقولاي غوميولف كان ضابطًا في الجيش الأبيض المناهض للثورة البلشفية، وأُعدم رميًا بالرصاص عام 1921 ما أدى إلى طردها من اتحاد الكتاب السوفييت، ومنعها من الكتابة والنشر، كما أن ابنها اعتقل أكثر من مرة في عهد جوزيف ستالين.

كتبت آنا أخماتوفا خلال فترة اعتقالها في أحد سجون ليننغراد قصيدتها "قداس جنائزي" التي صُنفت ضمن أهم القصائد المكتوبة في القرن العشرين. تميزت تجربتها الشعرية بأنها عاصرت روسيا خلال زمنين، وهي مرحلة عاشها جميع الكتاب المنبوذين في الاتحاد السوفيتي خلال الحقبة الستالينية، لذلك كانت قصائدها تحمل في كلماتها إيقاعات الحب، الألم، العذاب، والقسوة، حيثُ جعلت الكاتب أندريه جدانوف – وضع معايير للكتاب يجب الالتزام بها في عهد ستالين – يقول عنها: "لا أدري.. إنها عاهرة وقديسة في الوقت نفسه.. تكتب شعرها ما بين الملاءة والسرير".

2. أوسيب ماندلشتام.. المسلوب من حق العيش

لم يكن النظام السوفيتي وحده الذي أساء معاملة الشاعر أوسيب ماندلشتام (1891 – 1938) بل سبقه بذلك الجيش الأبيض الذي اعتقله عام 1920 بتهمة التجسس لحساب البلاشفة، وبعدها اعتقل مرة ثانية من قبل المناشفة بتهمة التجسس لحساب الجيش الأبيض والبلاشفة في آن واحد، وعندما وصل إلى موسكو في نهاية المطاف طلب من السياسي نيقولاي بوخارين التوّسط للإفراج عن شقيقه المعتقل، لكن بدلًا من ذلك بدأت معاناته مع المؤسسات الثقافية السوفيتية التي حاربته.

توقف أوسيب ماندلشتام عن الكتابة بين عامي 1925 – 1930، وفي عام 1932 اعتدى أحد الجواسيس المكلفين بمراقبته على زوجته ليرد ذلك الاعتداء بصفعة للكاتب ألكسي تولستوي عام 1934، قابلها النظام السوفيتي بنهب مخطوطاته، واعتقاله لثلاثة سنوات، ولعل السبب الكامن وراء الاعتقال كان القصيدة الهجائية التي قالها بحق ستالين "جلاد الفلاحين ومهلك الأرواح"، وبعدها بعام توفي في الطريق إلى منفاه في سيبيريا.

كتب أوسيب ماندلشتام في واحدة من رسائله ملخصًا معاناته من اضطهاد النظام الستاليني: "مسلوب حق العيش، العمل، الاستشفاء. كأني ظل، لا وجود لي. لا حق لي سوى الموت. إنهم يدفعونني أنا وزوجتي إلى الانتحار".

3. مارينا تسيتاييفا.. صرخة الشاعرات السوفييت المحبوسة

ولدت مارينا تسيتاييفا (1892 – 1941) لعائلة أرستقراطية مثقفة، فوالدها قام بتأسيس متحف الفنون الجميلة في موسكو، بينما هي بدأت تنشط في الأدب من خلال مجموعة الشعراء الرمزيين، وغلبت على قصائدها الطابع الرومانسي. كان زوجها سيرغي إيفرون جنديًا في الجيش الأبيض، الذي لم يستطع البقاء في روسيا ما اضطرها لتعيش حياةً فقيرة في عواصم الدول الأوربية.

عاد زوجها من باريس إلى موسكو عام 1937 بعد أن أصبح جاسوسًا للاتحاد السوفيتي حتى يُسمح له بالعودة، وأُعدم عام 1941، بينما ابنتها أريادنا عاشت 15 عامًا بين النفي والاعتقال في السجون، لم تستطع أن تجد تسيتاييفا عملًا لها في مطعم الأدباء بمدينة شيستوبل بسبب رفض "مجلس زوجات الأدباء" ذلك، ما أوصلها إلى العمل في غسل ثياب الشرطة المحلية، وأخيرًا قررت أن تنهي حياتها بالانتحار شنقًا بالحبل الذي أعطاها إياه الكاتب بوريس باسترناك لتحزم به امتعتها، وتحول قبرها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لمكان يحج إليه الشعراء.

4. سيرغي يسينين.. ليس جديدًا أن نموت

عاش الشاعر سيرغي يسينين (1895 – 1925) حياة قصيرة مليئة بالتطورات الدرامية، فهو ابن لعائلة فلاحية، لم يتلقَ تعليمًا أرستقراطيًا كغيره من الشعراء إنما اقتصر تعليمه على المدرسة الدينية التي يتخرج منها الطلاب للعمل في المدارس الابتدائية، واستطاع صاحب "بلاد الأوغاد" على الرغم من أعوامه الـ30 التي قضاها قبيل انتحاره أن يخلف إرثًا شعريًا جعله يكسب مكانة مهمة في المشهد الشعري الروسي، وعرف عنه أنه عاش آخر أعوامه مدمنًا على الكحول.

قبل أن ينتحر بدأ سيرغي يسينين يردد في جلساته مع الأصدقاء "عندما أموت ستعرفون قيمتي وعندها سوف تبكي روسيا كلها"، لكن الانقلاب الأكبر في حياته كانت صدمته بما آلت إليه الأوضاع من حرب أهلية في روسيا البلشفية، وأصبح ملاحقًا من المخابرات السوفيتية بسبب نقده لها، إلى أن وجد منتحرًا شنقًا في غرفته بأحد الفنادق حسب رواية الشرطة التي يشكك أصدقاؤه بها، كما وجدت معه أخر قصائده التي كتبها بعنوان "وداعًا يا صديقي وداعًا".

5. بوريس باسترناك.. ساكن الغيوم المنبوذ

في عام 1958 منحت الأكاديمية السويدية الروائي الروسي بوريس باسترناك (1890 – 1960) جائزة نوبل للآداب عن روايته "دكتور جيفاكو" التي انتقد خلالها بشكل شديد بعضًا من نظريات الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، وهو السبب الذي دفع باتحاد الكتاب السوفييت لمنع نشر الرواية، وجرى لاحقًا فصله من الاتحاد، كما صدر قرار بإيقاف طباعة ترجماته التي كان يعمل عليها، وتم حظر التعامل معه ليعيش أخر سنواته بدون راتب.

وخلال مرحلة الثلاثينات التي نفذ فيها جوزيف ستالين حملة القمع الشهيرة تجاه المعارضين لسياساته في قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي، كان اسم بوريس باسترناك مدرجًا ضمن القائمة التي تنتظر توقيعًا من ستالين لاعتقالهم، غير أنه قام بحذف اسمه منها قائلًا: "لا تلمسوا ساكن الغيوم هذا"، وفي عام 1987 مع البدايات الأولى لمرحلة البيروسترويكا طبعت "دكتور جيفاكو" لأول مرة في الاتحاد السوفيتي.

اقرأ/ي أيضًا:

ركن الوراقين 2: الجغرافيون الأوائل

الحرب الأهلية اللبنانية في خمس روايات