25-أغسطس-2017

الرئيسان دونالد ترامب وعبدالفتاح السيسي (ماندل نغان/ أ.ف.ب)

جاء القرار مفاجئًا للجميع، فقد كان النظام المصري يعتقد أنّه في شهر عسل مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد فوز دونالد ترامب الذي تجمعه "كيمياء متبادلة" بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، كما سبق وأن قال. لكن لم ينتبه النظام المصري إلى أنّ الرئيس الأمريكي يحكم ولا يملك، لذا كانت المفاجأة أن أعلنت رويتروز ثم أسوشيتدس برس، أنّ الولايات المتحدة حجبت 290 مليون دولار من المساعدات المقدمة لمصر، لعدم إحرازها تقدمًا في ملف حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية.

ظنّت مصر أن شهر العسل مع أمريكا سيدوم بدوام حكم ترامب، لذا كان مفاجئًا قرار حجب 290 مليون دولار من المعونة الأمريكية لها

أمّا في مصر، فقد استدعى القرار عدّة تفسيرات بعيدة عن الحقيقة، التي كشفت عنها دوائر القرار الأمريكية عبر صحف واشنطن، فلحجب المساعدات، أو المعونة الأمريكية عدّة أسباب، وعدّة دوافع قادت إلى مصير واحد.

كيف نجح الكونغرس في حربه على القتل بالمال الأمريكي؟

السبب المباشر هو سوء حالة حقوق الإنسان في مصر. في نيسان/أبريل الماضي، عقد الكونغرس الأمريكي جلسة مناقشة للمساعدات الأمريكية لمصر، رأسها ليندسي جراهام عضو الحزب الجمهوري، وضمّت ثلاثة شهود هم ميشيل دون، وتوم ميلانوفسكي، وإليوت أبرامز، فيما كان الحضور المصري في الجلسة ضعيفًا، غير ذي تأثير.

اقرأ/ي أيضًا: القمع وسيناء والعلاقات مع روسيا.. أسباب محتملة لقطع المعونة الأمريكية عن مصر

طالب الثلاثي بإعادة تقييم المساعدات التي تحصل عليها مصر، وإعادة توجيهها إلى مصالح الشعب المصري وعلاقته بالولايات المتحدة، وليس للمؤسسة العسكرية فقط، مع إضافة شرط وَقْف القتل خارج إطار القانون وكذا التعذيب والاختفاء القسري، وهي الأمور التي سوّق لها دوليًا حادث جوليو ريجيني.

ويمكن القول إنّ الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، هو من دقّ المسمار الأول في نعش المعونة الأمريكية لمصر، حين قرر تجميدها لمدة عامين ردًا على الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي. وفي الفترة الماضية وجه أعضاء بالكونغرس إنذارًا للمهتمين بالشأن المصري في الولايات المتحدة، حين انتقدوا وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وطالبوهم بتعزيز معايير الديمقراطية واشتراطات حقوق الإنسان مقابل منح المساعدات الأمريكية لمصر، علمًا بأن قانون الولايات المتحدة لعام 2016، يفرض على تيلرسون تقديم ضمانات واضحة على خطوات مصر تجاه الحقوق والحريات والجمعيات الأهلية، وقدرة منظمات المجتمع المدني على العمل دون قمع.

في تموز/يوليو الماضي، طالب الناشط الحقوقي، براين دولي، الذي عمل بمجال حقوق الإنسان بالقاهرة، في مقال بصحيفة "ذا هيل" الأمريكية، بوقف المساعدات العسكرية لمصر، لإجبارها على احترام حقوق الإنسان، وبشَّر بقطع المعونة بقوله: "الولايات المتحدة ترهن صرف 15% من التمويل العسكري للدول الأجنبية، بإجراء إصلاحات في حقوق الإنسان".

وينصّ القانون الأمريكي على أن حكومة الولايات المتحدة تلتزم بوقف 15% (195 مليون دولار) من المعونة العسكرية الأمريكية لمصر للعام المالي 2016، والتي تبلغ 1.3 مليار دولار، إذا لم تحرز مصر تقدمًا في ملف حقوق الإنسان، لكنه يحتوي على بند يمنح وزارة الخارجية الأمريكية حق إصدار قرار بإعفاء القاهرة من الشرط الخاص بحقوق الإنسان، إذا كان ذلك في مصلحة الأمن القومي الأمريكي. وقتها، يصبح على الإدارة الأمريكية أن تقدم تقريرًا للكونغرس الأمريكي بأسباب ذلك، وهو ما فعلته الإدارة الأمريكية عام 2015.

وكان تيلرسون مفوّضًا بإعداد ضمانات لتنفيذ القاهرة الشروط المطلوبة قبل 30 أيلول/سبتمبر (موعد نهاية السنة المالية)، لكنه فشل في إقناع الكونغرس بأن مصر ديمقراطية، أو ربما لم يهتم بإعداد الملف من الأساس.

ووفقًا لتقرير رويترز، الذي استند إلى مصدريْن لم يكشف عنهما، فإنّ مبلغ 95 مليون دولار، الذي كان يوجّه إلى مصر كمساعدات، سيتم توجيهه إلى دول أخرى ضمن برامج المساعدات الأمريكية، وإعادة التوزيع تعني حجبه نهائيًا عن مصر.

وفي تحليل نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، فسّر قرار الإدارة الأمريكية بحجب جانب من المعونة العسكرية عن مصر، قال إنّ هذا القرار استند إلى قانون "ليهي" الأمريكي، الذي يمنع تقديم مساعدات لقوات أمن دول أجنبية في حال ثبوت تورطها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وأضاف المعهد: "توفرت لدى الكونغرس شبهات حول استخدام الجيش المصري معدات وأسلحة أمريكية في عملياته بسيناء، التي استهدفت مدنيين، ولم يردْ ترامب أو وزير خارجيته عليها، ولذلك فشلا في إعفاء مصر من اشتراطات حقوق الإنسان كالعام الماضي".

قطع الذراع الإعلامية لمصر يكشف سبب حجب المعونة

كانت مصر طوال السنوات الماضية من حكم السيسي وما قبله، تستعين بشركات علاقات عامة لحضور جلسات الكونغرس للدفاع عن القاهرة مما ينسب إليها من اتهامات بقمع حقوق الإنسان، وتطبع كتبًا توضّح الحالة الأمنية وحالة حقوق الإنسان، كما تريد أن تسوّقهما مصر، ردًا على المقالات التي تهاجم السيسي وحكمه بواشنطن، وربما توجّه صناع القرار، لكن مصر هذه المرة لم تجدْ من يدافع عنها، فلماذا؟

بسبب الانتهاكات المستمرة للنظام المصري، اضطرت شركة علاقات أمريكية إيقاف حملة الترويج للنظام وفسخ تعاقدها معه

حين انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو قتل مواطنين في سيناء على يد أفراد من قوات الجيش المصري، وتداولته وسائل إعلام غربية، وتحديدًا أمريكية، أسمتها بـ"إعدامات خارج القانون"، كان على الكونغرس الأمريكي أن يبدأ تحقيقاته، فدعا خبراء في شؤون الشرق الأوسط، لرواية شهاداتهم بشأن ما يجري في القاهرة من انتهاكات لحقوق الإنسان، قيل إن "بعضها مقنَّن"، كان ذلك بداية الخيط، الذي انتهى بحجب المعونة.

اقرأ/ي أيضًا: خطة محكمة الفشل.. هكذا خسر النظام المصري ذراعه الإعلامية في أمريكا

وقتها، بدأت شركة دعاية وعلاقات عامة أمريكية تُدعى "ويبر شاندويك" دفاعها مدفوع الأجر عن النظام المصري، بتدشين حملات دعائية في محاولةٍ لإزالة التراب عن النظام المصري. وحضر مندوب عن الشركة جلسات الكونغرس، ووزع كتيبًا من 14 ورقة بعنوان "مصر في أمان"، على أعضاء البرلمان الأمريكي بهدف طمأنتهم على الأوضاع في مصر، وإزالة أية مخاوف بخصوص مقطع الفيديو المذكور.

ولمدّة ستة أشهر استمرّت محاولات الشركة في مداواة الجراح التي تركها مقطع الفيديو الفاضح، بحملة تدعى "مصر إلى الأمام"، في محاولة لعدم قطع المعونات العسكرية عن القاهرة، والتي كانت على وشك أن تنقطع بقرار من الكونغرس، في ذلك الوقت، ما جعل من الأمر برمته مريبًا.

وقد كشفت الكاتب الأمريكي إيفي شاربيو في مقال بصحيفة أتلانتيك الأمريكية، بالمستندات، أنّ مسؤولي الشركة يعملون لحساب مصر بعقدٍ مُوقّع باسم مدير المخابرات العامة المصرية خالد فوزي، وفضح سعيها مدفوع الأجر لتبييض وجه نظام يقتل معارضيه. مُذكرًا ببعض المرات التي أقدمت الأجهزة الأمنية المصرية فيها على تصفية معارضيها.

يظهر اسم خالد فوزي مدير المخابرات المصرية كطرف في التعاقد مع الشركة الأمريكية المذكورة
يظهر اسم خالد فوزي مدير المخابرات المصرية كطرف في التعاقد مع الشركة الأمريكية المذكورة

في المقابل حاولت الشركة أن تدافع عن سمعتها، وتغسلها بحملات مضادة تُصوّر شاربيو كاتبًا مدفوع الأجر يعمل لحساب شركة علاقات عامة منافسة. لكن الطوفان كان أقوى منها، فجرف الأرض من تحت أقدام مسؤوليها، فاضطروا إلى فسخ التعاقد حفاظًا على ما تبقى من سمعة الشركة، التي كان يفترض أن لها مكانًا بارزًا بين شركات العلاقات العامة الأمريكية.

من جهتها فشلت مصر في إيجاد شركة بديلة لتبييض وجهها، واختفت حملات الدفع، فلم تكن هناك وقت قطع المعونة ذراعًا إعلامية تلعب لحساب القاهرة، حتى لو زورًا وبهتانًا، فخسر النظام المصري آخر أوراق دفاعه أمام الكونغرس، ولم يكن هناك من عون لتيلرسون ورئيسه دونالد ترامب، على تبييض وجه القاهرة، وإعداد ملف ينصف حقوق الإنسان في مصر.

كوريا الشمالية

تحت ركام الأسرار حول الأسباب المباشرة لحجب جانب من المعونة العسكرية عن مصر، أضافت صحف واشنطن دوافع أخرى لدى ترامب وإدارته لعدم إنقاذ مصر من بين فكيْ الكونغرس.

عزت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية وقف إرسال المساعدات للقاهرة، إلى العلاقة المتنامية بين مصر وكوريا الشمالية التي تصاعدت حدة الحرب الكلامية بينها وبين واشنطن مؤخرًا.

القرار، الذي يخالف جديّة ترامب في علاقته تجاه السيسي باعتباره "الرجل القوي"، وفق قوله، نتيجة مباشرة للدعوات والرسائل والصفقات المتبادلة بين السيسي والزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون، فقد أشارت وثيقة بالأمم المتحدة إلى أن ميناء بور سعيد المصري تم استخدامه من قبل شركات كورية شمالية متورطة في تهريب السلاح، بالإضافة إلى معلومات لدى وكالة المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) عن صفقات سلاح متبادلة بين القاهرة وكوريا الشمالية، إضافة إلى "بزنس" من نوع خاص، يقوم به رجل أعمال مصري بارز أسَّس شركة اتصالات ساعدت في إنشاء شبكة اتصال رئيسية هناك عام 2008. وهنا إشارة إلى نجيب ساويرس.

وأشارت صحف أمريكية، كواشنطن بوست ونيويورك تايمز، إلى أن قطع المساعدات ربما يكون نوعًا من الضغط على مصر لقطع علاقتها بكوريا الشمالية أو تخفيفها خلال الفترة الجارية.

والعلاقات بين مصر وكوريا الشمالية متنامية منذ عهد الرئيس الأسبق، أنور السادات، حين درَّبت كوريا الشمالية ضباطًا لحرب 1973، ومنحت القاهرة مساعدات عسكرية، واستمرّت هذه العلاقات في عهد حسني مبارك، حتى وصلت أوج قوتها في عصر السيسي، الذي دعا كيم يونغ أون إلى حضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، ولاقت الدعوة ترحيبًا من قبل نظيره الكوري، فاختار رئيس هيئة رئاسة الجمعية الشعبية العليا للبلاد، كيم يونج نام، لحضور الحفل بدلًا عنه.

رغم أنّ ترامب حذّر السيسي من خطورة كوريا الشمالية، لكن السيسي لم يهتم بهذه التحذيرات، حتى حجبت أمريكا المعونة عن مصر

في ذلك الوقت، كانت أجهزة أمريكية تتتبع علاقة الرئيس المصري بزعيم كوريا الشمالية، ومع تطور الأحداث، زوّدت ترامب بما لديها، فاتصل بالسيسي في الخامس من تموز/يوليو الماضي، محذّرًا إياه من خطورة كوريا الشمالية، في تلميح إلى إنهاء العلاقات.

اقرأ/ي أيضًا: "تجارة الأمن القومي".. صفقات السلاح تضخ المليارات في جيوب السيسي

قانون الجمعيات الأهلية

إشارات أخرى لفتت إلى قانون الجمعيات الأهلية في مصر، باعتباره سببًا في قطع المعونة الأمريكية للقاهرة؛ إذ إن القانون رقم 70 لسنة 2017، يُقيّد بشكل صارخ عمل الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية في مصر، بل يجعلها في قبضة الأجهزة الأمنية وتحت رحمتها بشكل شبه كامل.

ومن بين القيود، التي يفرضها القانون المصري حظر إجراء بحوث ميدانية أو استبيانات دون الحصول على تصريح حكومي، وإلزام الجمعيات الأهلية بأن تجعل أنشطتها متوافقة مع أولويات الحكومة وخططها، وإلا تعرض أعضاؤها للسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، كما ينص القانون على منح السلطات صلاحيات واسعة لحل الجمعيات الأهلية، وإقالة مجالس إدارتها، وتقديم أعضائها لمحاكمة جنائية استناداً إلى تهم الإخلال بالوحدة الوطنية والنظام العام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تركة أوباما.. هل تدفع السيسي لمعسكر ترامب؟

عاشقات السيسي يشعرن بالخوف