20-مارس-2023
getty

لم تنجح الجلسة في استكمال النصاب إلّا بعد منتصف الليل (Getty)

تمكّن مجلس النواب الذي تسيطر قوى "الإطار التنسيقي" على معظم مقاعده، من تمرير جزء من قانون انتخابي جديد يعيد نظام الدائرة الواحدة، وهو خيار يواجه رفضًا كبيرًا من طرف قوى مدنية وشعبية عراقية تعتبر القانون الجديد مفصّلًا على مقاس ما تصفها بـ "القوى النافذة" في البلاد. 

ومن هذا المنطلق سعى عدد من البرلمانيين (المستقلين أساسًا)، أمس الأحد لكسر نصاب جلسة تعديل قانون الانتخابات، وهو ما ساهم في تأخير عقدها وتمرير القانون حتى فجر ليلة يوم الإثنين.

تمكّن مجلس النواب الذي تسيطر قوى "الإطار التنسيقي" على معظم مقاعده، من تمرير جزء من قانون انتخابي جديد يعيد نظام الدائرة الواحدة

وتهدف الأطراف السياسية الداعمة لتعديل القانون الانتخابي إلى تحويله إلى نظام التمثيل النسبي المعروف عالميًا بـ "نظام سانت ليغو". وتعرض مقترح قانون الانتخابات إلى الكثير من الانتقادات، في أوساط النواب المستقلين ومتظاهرين احتجوا على نظام سانت ليغو لتوزيع الأصوات، مطالبين باعتماد نظام الدوائر المتعددة ونسبة أعلى الأصوات للفائزين.

وكان البرلمان العراقي ناقش العديد من المقترحات والتعديلات على القانون، من بينها اعتماد نظام "سانت ليغو بنسبة 1.4"، وإلغاء انتخابات الخارج وتحديد شهادة البكالوريوس شرطًا للترشيح.

وبالإضافة للمستقلين رفضت قوى مدنية أخرى بينها التيار الصدري والحزب الشيوعي العراقي، ولوحت الأطراف الرافضة بخيارات الاحتجاج والنزول إلى الشارع، في ظل مخاوف من الإطار التنسيقي الداعم للتعديلات من مشاركة التيار الصدري في تلك الاحتجاجات حال تنظيمها. مع الإشارة إلى أن عدة مدن عراقية، شهدت خلال الأيام الماضية، تظاهرات هي الأوسع منذ تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، ضد قانون الانتخابات المطروح حالياً في البرلمان.

فيما أعلن تحالف "قوى التغيير الديمقراطية"، الذي يجمع عددًا من القوى المدنية العراقية، أمس السبت، رفضه مساعي تسريع تمرير قانون الانتخابات الجديد من قبل مجلس النواب، معتبرًا أن ذلك يؤكد "المنهج المقيت" للقوى السياسية المتنفذة.

وفي هذا الصدد نقلت صحيفة العربي الجديد عن النائب المستقل أمير المعموري، قوله: "إن هناك رفضًا واسعًا لقانون الانتخابات، من قبل النواب المستقلين، وكذلك القوى السياسية الناشئة والجماهير الشعبية، لكون هذا القانون يكرس نفوذ قوى السلطة ويمنع المستقلين والقوى الصغيرة من تصدر المشهد المقبل، ما سيدفع إلى عزوف المواطنين عن المشاركة بأي انتخابات مقبلة".

وأوضح النائب المستقل أن "القوى المتنفذة تريد تشريع قانون للانتخابات وفق مصالحها، كما هناك خشية من حصول تلاعب وتزوير في نتائج الانتخابات المقبلة، من خلال انتخابات الخارج، وكذلك عمليات العد والفرز اليدوي".

مردفًا القول: "سنعمل على منع تشريع هذا القانون، من خلال عدم المشاركة في جلسة اليوم وكسر النصاب القانوني، كما سنعمل على جمع توقيعات من أجل سحب القانون من جدول أعمال جلسة البرلمان، فلا يمكن القبول بقانون انتخابي يكرس دكتاتورية بعض الكتل والأحزاب، ويحرم المستقلين المنافسة الحقيقية من خلال الالتفاف على إرادة الناخب".

على الطرف الآخر، اعتبر النائب عن "الإطار التنسيقي" محمد الصيهود أنّ الكتل والأحزاب المتحالفة في ائتلاف إدارة الدولة، عازمة على تمرير قانون الانتخابات الجديد خلال جلسة الأحد، مبررا هذا الإسراع بهدف "عدم عرقلة أي جهود للحكومة لغرض إجراء انتخابات مجالس المحافظات".

مبيّنًا، أي النائب عن الإطار التنسيقي أنّ: "أي تأخير في تشريع قانون الانتخابات، سيؤثر كثيرًا بموعد إجراء الانتخابات (مجالس المحافظات)، ولهذا نحن لا نريد أي عرقلة بهذا الملف المهم، ولدينا أغلبية برلمانية واضحة في ائتلاف إدارة الدولة لتمرير قانون الانتخابات، ولهذا سنمرر القانون وفق هذه الأغلبية".

مضيفًا أن "الأغلبية البرلمانية داعمة بقوة لنظام سانت ليغو، وحتى هناك نواب مستقلون داعمون لهذا التوجه، وكسر النصاب من قبل بعض النواب لن يؤثر بجلسة اليوم، وستعقد بحضور أغلبية النواب من كافة الكتل، وسيكون هناك تحشيد للنواب لحضور الجلسة لأهميتها".

وفي سياق متصل بهذه التطورات، أدلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع سوداني بتصريحات قال فيها إن "إجراء انتخابات برلمانية مبكرة يتطلب قرارًا من البرلمان بحل نفسه"، متوقعًا أن أسماء كبيرة "ستتم محاكمتها قريبا بسبب تورطها بالفساد"، مضيفًا في ذات التصريحات أن العراق سيصل "قريبا لمرحلة نزع السلاح من كل القوى ولن يكون هناك سلاح خارج سيطرة الدولة"، وفق قوله.

على ماذا تم التصويت؟

صوتت الجلسة التي عقدت بعد الثالثة فجرًا، من أجل استكمال النصاب، برئاسة محمد الحلبوسي وبحضور أكثر من 160 نائبًا، على المادة 16 من القانون، والتي تنص على "اعتماد المفوضية أجهزة تسريع النتائج الالكترونية وتجري عملية العد والفرز اليدوي لجميع مراكز الاقتراع في نفس محطة الاقتراع بعد إرسال النتائج إلى مركز تبويب النتائج الوسط الناقل، وإصدار تقرير النتائج الالكترونية من جهاز تسريع النتائج، وتلتزم المفوضية بإعلان النتائج خلال 24 ساعة للتصويت العام والخاص، وأنه في حالة عدم تطابق بين نتائج العد والفرز الالكتروني والعد والفرز اليدوي في نفس محطة الاقتراع بنسبة أقل 5% يتم اعتماد نتائج العد والفرز اليدوي".

وصوّت البرلمان أيضًا على أن يتكون مجلس النواب المقبل من 329 مقعدًا، وأن يتم توزيع المقاعد 320 مقعدًا على المحافظات، وعلى تفاصيل نظام الحصة (الكوتا).

والتعديلات جرت على 7 بنود في القانون الانتخابي، فيما تبقى 15 مادةً من المتوقع التصويت عليها يوم السبت المقبل، بحسب "ألترا عراق".

ما هي آلية "سانت ليغو"؟

تم اعتماد هذه الآلية بالدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، حيث يكون القاسم الانتخابي بواقع 1,4 تصاعديًا، وفي هذه الحالة، تحصل القوى الصغيرة على فرصة للفوز بمقاعد في البرلمان والمجالس المنتخبة. إلا أن العراق، اعتمد سابقًا القاسم الانتخابي بواقع 1,9، وهو ما يجعل الأحزاب والكتل الكبيرة تحتكر المنافسة، وذلك على حساب القوى الصغيرة، والمرشحين الأفراد، والمستقلين.

وقدم مشروع تعديل قانون الانتخاب تحالف إدارة الدولة، وهو يمثل الكتلة البرلمانية الأكبر داخل البرلمان العراقي، والتي تضم الإطار التنسيقي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وتحالف السيادة، وتحالف "عزم"، وبابليون. ويبلغ عدد نواب التحالف 270 نائبًا من مجموع 325 نائبًا، في البرلمان العراقي.

وترفض القوى المدنية والوطنية في العراق، إلى جانب التيار الصدري، هذه الصيغة من المشروع، وتهدد باللجوء إلى الشارع، باستثناء "التيار الصدري".

ووفق القانون الجديد ستجري الانتخابات عبر آلية القائمة "شبه المفتوحة"، تكون فيها المحافظة دائرة واحدة وتقسم المقاعد وفق آلية "سانت ليغو".

أما القانون الحالي، فكان الترشيح فرديًا، والفائز بأعلى الأصوات ينال المقعد من دون وجود أي عتبة انتخابية. والمحافظات مقسمة إلى دوائر انتخابية متعددة، بحيث لكل 100 ألف ناخب في الدائرة، ممثل في البرلمان، لكن الأهم  هو أنه يعمل وفق "الدوائر المفتوحة" حيث لا تستطيع التحالفات أو الأحزاب تحويل أصواتها من مرشح إلى آخر.

تعني إعادة العمل بآلية "سانت ليغو" المعدل، عودة المشهد السياسي إلى ما كان عليه قبل تظاهرات تشرين أول/ أكتوبر 2019

يشار إلى أن الانتخابات الأخيرة، شهدت فوزًا للتيار الصدري في مقابل الأحزاب والقوى التقليدية، لكن انسحابه أدى إلى زيادة مقاعد الإطار التنسيقي وجعله الكتلة المهيمنة على البرلمان وسمح له بتشكيل الحكومة.

وتعني إعادة العمل بآلية "سانت ليغو" المعدل، عودة المشهد السياسي إلى ما كان عليه قبل تظاهرات تشرين أول/ أكتوبر 2019، التي طالبت بإسقاط النظام السياسي القائم، وإجراء إصلاح شامل للعملية السياسية في العراق.