02-أكتوبر-2017

104 مليون مواطن مصري دون رؤية واضحة للمستقبل (خالد دسوقي/أ.ف.ب)

أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر عن نتائجه الأخيرة يوم السبت الماضي، والتي حملت أرقامًا صادمة، حول الانفجار السكاني الحاصل في السنوات الأخيرة دون خطة واضحة من الحكومة المصرية لمواجهة هذه الزيادة، وفي ظل غياب استراتيجيات التنمية، إضافة إلى الأرقام المفزعة المتعلقة بنسب الأميين والمتسربين من التعليم أو زواج القاصرات. نستعرض خلال هذا التقرير أهم ما جاء في بيان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بنظرة تحليلية للوضع القائم.

أعلنت السلطات المصرية عن ارتفاع التعداد السكاني إلى 104 مليون مواطن، وهو عبء كبير في ظل غياب رؤية تنموية واضحة

زيادة 10 ملايين مواطن في السنوات الثلاث الأخيرة!

أعلن الجهاز عن ارتفاع التعداد السكاني للمصريين إلى 104 مليون مواطن، من بينهم تسعة ونصف ملايين يقطنون خارج البلاد بمعدل فرد واحد بين كل عشرة أشخاص، وبهذا الرقم الجديد تحتل مصر المرتبة الثالثة عشرة بين الدول في عدد السكان. وقال اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إن "مصر مرت بثلاث مراحل للنمو السكاني خلال القرن الأخير، شهدت البداية نموًا عاديًا حتى العشرينات، حسب تعبيره، ثم بدأ النمو السكاني في التسارع ليبلغ ذروته في المرحلة الثالثة مع بداية الألفية الجديدة"، كما ذكر أن "خلال الثلاثين عامًا الماضية، زاد عدد السكان بنسبة 96.5% بإجمالي 46.5 مليون مواطن، حيث كان عدد المواطنين 48.3 مليون نسمة فقط في عام 1986، وخلال العشر سنوات الأخيرة زاد التعداد السكاني 22 مليون نسمة، منهم 10 ملايين في الثلاث سنوات الأخيرة فقط، حيث ارتفع عدد السكان من 94 مليون في 2014 إلى 104 مليون في 2017".

تلك الزيادة قد تمثل عبئًا كبيرًا على الحكومة المصرية، في ظل رؤية ضبابية عن خطط التنمية وعلى الرغم من أن الزيادة السكانية لا تعتبر مشكلة في حد ذاتها بل تنظر لها الدول التي تعاني من نقص السكان على أنها نعمة لا بد أن تُصان، ولكن تلك النعمة يمكن أن تتحول إلى قنبلة موقوتة تهدد الدولة ككل إذا ما غابت الاستراتيجيات المناسبة لاستغلال هذه الثروة البشرية في مشاريع تنموية للنهضة بالمجتمع.

وفي هذا الصدد تعلق الباحثة الإعلامية إنجي سلامة في مداخلتها ببرنامج بتوقيت مصر على تلفزيون العربي، أن هذه الإحصائية "بمثابة ورقة ضغط على الدول الأوروبية"، فالسلطات المصرية توجه رسالة أن مصر دولة مكتظة بالسكان، وفي حالة حدوث أي توتر داخلي أو عدم استقرار يصيب النظام المصري، تصبح مصر دولة مصدرة للاجئين إلى دول أوروبا مما يزيد من الأعباء الإنسانية على تلك الدول، حسب تحليل سلامة.

وتضيف سلامة أن مصر تشهد حالة من السخط الشعبي نتيجة التضخم والزيادة في الأسعار وهبوط طبقات عديدة من الشعب المصري إلى خط الفقر، وأن تلك الإحصائية تريد أن تقول للمصريين إن هناك مشكلة سكانية والدولة لا تستطيع فعل المعجزات، وتصدّر للمواطنين خطاب الرضا بالأمر الواقع، أو كما قال الرئيس السيسي "احنا فقرا أوي".

اقرأ/ي أيضًا: قريبًا بأمر البرلمان المصري.. الدعم مقابل تنظيم النسل

التعليم في وطن "ضايع"؟

يعاني أكثر من ربع المجتمع المصري من الأمية، حسب آخر الإحصاءات، ومنهم 22 مليون مصري لم يلتحقوا بالتعليم من الأساس

في نهاية العام الماضي، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في إحدى المؤتمرات: "ينفع التعليم في ايه مع وطن ضايع؟" ويبدو أن أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء جاءت مؤيدة لتصريح السيسي، فيشهد "الوطن الضائع" حالة من الأمية تصيب أكثر من ربع المجتمع المصري. ولا نتحدث هنا عن الأمية الفكرية والثقافية ولكن نتحدث عن التعليم الأساسي والقراءة والكتابة، إذ أعلن الجهاز عن نسبة أمية 26.8% من أعداد المصريين، فوصل إجمالي الأميين إلى 28 مليون مصري، بينهم 6 ملايين تسربوا من التعليم في السنوات الأولى و22 مليون لم يلتحقوا بالتعليم من الأساس، وأن هناك 7.5 مليون أنثى بالأرياف تعاني من الأمية ولا تعرف القراءة والكتابة. وفي رقم صادم جديد، نجد أن الحاملين للمؤهلات الجامعية لا تزيد نسبتهم عن 12.4% من أعداد المواطنين، بما يقارب أربعة ملايين مواطن فقط!

40% من نساء مصر يتزوجن قبل السن القانوني!

تناولنا في تقرير سابق أزمة القاصرات في مصر وما تعانيه الفتيات من عنف أسري وزواج مبكر دون وجود تشريع يحميهن من انتهاكات الأسرة، ليعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن نسبة الزواج المبكر للإناث في مصر تقدر بـ40% بإجمالي ما يزيد عن 18 مليون فتاة تزوجت تحت السن القانوني، وهو 18 عامًا، وبعضهن تزوجن قبل أن يكملن عامهن السادس عشر!

اقرأ/ي أيضًا: أسواق بقايا الطعام في مصر: كل ما تبقى للفقراء

الحق في الصحة والسكن

49% من المصريين لا يتمتعون بخدمات التأمين الصحي سواء الخاص أو الحكومي، بالإضافة إلى وجود 2.6% وهي نسبة كبيرة للغاية من الأشخاص ذوي الإعاقات البدنية سواء إعاقات المشي أو الرؤية أو السمع أو المشاكل العقلية، أمّا عن الإحصاءات الخاصة بالمباني السكنية فكانت إيجابية للغاية حيث ادّعى الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن 90.9 % من المصريين يقطنون في شقة أو مبنى بأكمله، و97% يشربون من مياه الشبكة العامة، في حين أن أزمة السكن تعتبر أحد أهم الأزمات التي تواجه المجتمع والمتسببة في تأخر سن الزواج، وتناولت عشرات الأفلام والمسلسلات تلك الظاهرة، كما أن هناك محافظات كاملة تعاني من مشاكل في مياه الشرب والصرف الصحي، بالأخص تلك المحافظات الساحلية وشبه جزيرة سيناء وقرى ونجوع الصعيد، فنسبة 97% هي نسبة تثير الشكوك أيضًا حول مصداقية الإحصائية.

غالبية المصريين لا يستخدمون خدمات الإنترنت!

في عصر أصبحت فيه التكنولوجيا جزءًا أصيلًا من حياة الإنسان لا يمكن الاستغناء عنه، نجد أن 65.4% من المصريين يستخدمون الهواتف النقالة، و29.4% فقط يستخدمون الحواسيب، ونسبة لا تتجاوز 29% يستخدمون خدمات الإنترنت، في الوقت الذي تسعى فيه الدول الأوروبية لتوفير خدمات الإنترنت بشكل مجاني للمواطنين، ومبادرات أوروبية لتوفير خدمات الإنترنت مجانًا للاجئين.

وتجدر الإشارة إلى أن الزيادة السكانية الضخمة في مصر ترتبط بأسباب ثقافية واجتماعية عديدة، منها سيطرة الخطاب الديني التقليدي ولاسيما الدعوة السلفية، في القرى والأرياف وحتى المدن، والتي تحرم تحديد النسل، إضافة إلى غياب الجهود الفاعلة من مؤسسات المجتمع المدني لرفع الوعي حول سبل التحكم بالنسل والولادة. لكن ما يجعل هذه الإحصاءات صادمة ومقلقة جدًا هو غياب خطة أو استراتيجية واضحة تواجه بها الدولة المستجدات والزيادات الكبيرة الأخيرة في أعداد السكان، في حين أنها ترى أن الحل الوحيد، والمتواصل، بالنسبة لها هو تحميل المواطن الأعباء وإثقال كاهله بزيادة الضرائب والاستمرار في رفع الأسعار. 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

القاهرة.. من فقراء المدن إلى مجتمعات الكومباوند (1 ـ 2)

ارتفاع جديد لأسعار المياه وحلول الحكومة المصرية: "معلش"