21-نوفمبر-2019

ادعت السلطات الإيرانية "الانتصار" على المحتجين واتهمتهم بتطبيق أجندة خارجية (تويتر)

الترا صوت – فريق التحرير

خيّم مشهد انقطاع خدمة الإنترنت في عموم المدن الإيرانية على مشهد انتفاضة البنزين التي عمّت أرجاء إيران منذ مساء يوم الجمعة الماضي، في محاولة من السلطات الإيرانية لعزل المحتجين عن العالم الخارجي، ومنعهم من نشر مقاطع الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن، مع دخول الحرس الثوري الإيراني على خط الاحتجاجات مهددًا المحتجين بإجراءات حاسمة في حال لم تتوقف، وإعلان الرئيس الإيراني "هزيمة" المحتجين.

أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني "الانتصار" على الاحتجاجات المستمرة في البلاد، رغم استمرار انقاطع الإنترنت وقمع المتظاهرين

وادعت السلطات الإيرانية أن التقارير المتتالية من منظمات حقوقية عن الاحتجاجات في البلاد خاصة عن عدد القتلى "ملفقة"، واصفة "هيومن راتيس ووتش" بأنها "منظمة متحيزة"، وأنها تقوم مع منظمات حقوقية أخرى بـ"حملة تضليلية ضد إيران من خارج البلاد".

اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات في إيران بعد قرار يرفضه الجميع إلا روحاني وخامنئي!

بينما أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني "الانتصار" على الاحتجاجات المستمرة في البلاد، رغم استمرار انقطاع الإنترنت وقمع المحتجين، حسبما أفادت وسائل الإعلام الرسمية يوم الأربعاء، بعد سبعة أيام من اندلاع الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد.

وقال روحاني في اجتماع حكومي في طهران، إن بلاده "انتصرت في اختبار آخر" وأنه على الرغم من المشاكل الاقتصادية، فإن إيران قد أظهرت أنها "لن تسمح أبدًا بإحداث توازن لصالح العدو".

واتهمت جماعات حقوقية  قوات الأمن الإيرانية باستخدام "القوة المفرطة والمميتة" لسحق المظاهرات منذ بدايتها يوم الجمعة، فيما لا يزال الإنترنت مقطوعًا دون وصول معلومات كافية عما يجري في البلاد.

الحرس الثوري الإيراني يهدد المحتجين

هدد الحرس الثوري الإيراني المتظاهرين المناهضين للحكومة الإيرانية بالتدخل لقمع الاحتجاجات التي شارك بها آلاف الإيرانيين بعد إعلان الحكومة، في وقت متأخر من يوم الجمعة زيادة على أسعار البنزين بنسبة 50%، وقال الحرس الثوري في بيان تناقلته وسائل الإعلام المحلية إنه "يعتبر من مسؤوليته الشرعية والقانونية الحفاظ على أمن البلاد وهدوئه واستقراره في التعاون والتعاطي مع سائر القوات المسلحة والأمنية والشرطية، وسيتصدى عند الضرورة بكل حزم وثورية لأي إخلال بالأمن وراحة وهدوء المواطنين".

وفي ظل استمرار انقطاع خدمة الإنترنت في عموم المدن الإيرانية، قالت وكالة الطلبة الإيرانية إن ثلاثة من أفراد قوات الأمن قُتلوا طعنًا بالسكاكين قرب طهران، فيما أشارت تقارير صحفية لاعتقال قوات الأمن المئات من المتظاهرين الذين يطالبون بإلغاء قرار زيادة رفع سعر البنزين، إضافة لسقوط عدد من القتلى غير مؤكد في الاحتجاجات الشعبية، دون أن يظهر أي توجه لدى الحكومة الإيرانية بالعدول عن قرارها، التي تعاني تحت وطأت العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ أكثر من عام.

وبينما قالت السلطات الإيرانية الثلاثاء إن الاحتجاجات الشعبية انحسرت، وفقًا لما أعلن المتحدث القضائي غلام حسين إسماعيلي في تصريح صحفي، مشيرًا إلى أن "الهدوء عاد إلى البلاد"، أظهرت مقاطع مصوره جرى تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين عن طريق القناصة المتمركزة في المروحيات في مدينة شيراز جنوب البلاد، فضلًا عن نشر مقاطع أخرى تظهر إطلاق قوات الأمن الرصاص الحي من أسطح المنازل.

 

الحكومة الإيرانية نفرض حظرًا على خدمة الإنترنت

 فرضت الحكومة الإيرانية حظرًا على خدمة الإنترنت في مختلف المدن الإيرانية منذ يوم السبت الماضي، حيثُ قالت منظمات مختصة بالأمن السبراني إن الاتصال مع العالم الخارجي انخفض إلى 4% بعد مضي أكثر من 65 ساعة على انقطاع خدمة الإنترنت، مشيرًة إلى أنه يصعب الوصول لصورة واضحة عما يحدث من انتهاكات في ظل انقطاع الخدمة عن الإيرانيين.

وأثارت التغريدات التي يقوم بنشرها المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي عبر حسابه الرسمي، ويؤيد من خلالها زيادة سعر البنزين، إضافة للدعوات الموجهة لقوات الأمن لقمع الاحتجاجات، موجًة من الغضب لدى النشطاء الإيرانيين، الذين دعوا شركة تويتر لتعطيل حسابه الرسمي حتى تعود خدمة الإنترنت للعمل مجددًا.

وانتفض الإيرانيون في وجه الحكومة بعدما أقرت منتصف ليل الجمعة الماضي زيادة على سعر البنزين بنسبة 50%، ليصبح بـ15 ألف تومان إيراني (ما يعادل 0,13 دولار) بدلًا عن 10 آلاف تومان سابقًا، وحددت لكل سائق سيارة شراء 60 لترًا شهريًا بدلًا عن 250 لترًا شهريًا كما كان في السابق، وتتضمن القرار تحديد سعر كل لتر يزيد عن المخصصات للسائقين بـ30 ألف تومان إيراني، ما يؤثر سلبًا على 75% من مجمل السكان، ويزيد من أعباء الحياة الاقتصادية في ظل انهيار العملة المحلية، وانكماش الاقتصاد نتيجة العقويات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على طهران.

الحكومة الإيرانية تعاني من ضغو ط داخلية وخارجية  

جاءت الاحتجاجات الإيرانية بالتزامن مع احتجاجات مشابهة اندلعت في العراق ولبنان بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وتردي الأوضاع المعيشية في البلدين اللذين يعتبران حلفاء لطهران في المنطقة، ما يشكل أزمة للحكومة الإيرانية بالتحديد فيما يخص الاحتجاجات التي اندلعت داخل المدن الإيرانية، بعد انتشارها على نطاق واسع، وأظهر استياء الإيرانيين من القيود المفروضة عليهم، إضافًة لمعاناتهم في ظل الحصار الاقتصادي الذي تفرضه واشنطن على طهران.

ويرى محللون في هذا الاتجاه أنه لا يمكن لطهران أن تتحمل جميع هذه الضغوط، بالإشارة للاحتجاجات المندلعة في العراق ولبنان، مضيفين أنه في النهاية عليها أن تقدم بعض التنازلات سواء للمحتجين الإيرانيين، أو للولايات المتحدة التي تسعى لإجراء مفاوضات جديدة مع الحكومة الإيرانية، نظرًا لمواجهتها – أي الحكومة الإيرانية – ما وسموه بـ"الأزمة الخطيرة"، وهو ما يتطلب منها تقديم تنازلت لتخفيف الضغط عنها، وإلا فإن غضب الإيرانيين سيستمر ما قد يؤدي للمزيد من العنف في البلاد.

إلا أنه عند الذهاب لتصريحات المسؤولين الإيرانيين يمكن التماس عدم توجهها بتقديم أي تنازلات سواء على صعيد القرار الأخير المرتبط برفع سعر البنزين، أو فيما يخص الجلوس لطاولة المفاوضات مع الإدارة الأمريكية، التي تتهمها بـ"ضرب مصالح إيران ومصالح الشعب"، بحسب تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، التي كانت ردًا على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الداعمة للمحتجين الإيرانيين.

ثلاثة سيناريوهات محتملة لمواجهة الاحتجاجات في إيران

لعل أكثر ما ميز الاحتجاجات الحالية عن سابقتها أنها شهدت مشاركة الطبقة الوسطى في إيران، التي اتضح حجم تأثرها اقتصاديًا بقرار رفع سعر البنزين، إلا أن هذا القرار فيما يبدو كان الفتيل الذي أشعل الشارع الإيراني المتأثر بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية، وبدا واضحًا ذلك من خلال انضمام مختلف شرائح المجتمع الإيراني، متعدد العرقيات والقوميات للاحتجاجات، مع بروز دور واضح للمرجعيات الدينية التي ساندت المحتجين بتأكيدها رفض قرار الزيادة.

وضمن هذا الإطار تبرز في الوقت الراهن ثلاثة سيناريوهات متوقعة للاحتجاجات الراهنة، يتمثل أولها باستمرار الاحتجاجات على ضوء الإصرار الحكومي على تنفيذ خطة زيادة أسعار الوقود لفترة طويلة، بما يدخل البلاد في مرحلة صعبة للغاية، وثانيها تراجع السلطات عن قرارها أو تعديله أمام ضغوط الاحتجاجات من أجل إنهائها، وأخيرًا تراجع الاحتجاجات مع مرور الوقت، واحتوائها أمنيًا واقتصاديًا، مع الإبقاء على تنفيذ خطة رفع أسعار الوقود.

وفيما يبدو أنه لا يوجد أي توجه لدى الحكومة الإيرانية بإلغاء أو تعديل قرار الزيادة، الذي حظي بدعم من المرشد الإيراني الأعلى، فإن السيناريو الثالث يبقى الأكثر ترجيحًا، الذي تعتمد عليه نظرًا لاستخدامه في الاحتجاجات التي شهدتها المدن الإيرانية منذ عام 2009، وعملت على إنهائها باستخدامها للسيناريو الثالث.

 لا يوجد أي توجه لدى الحكومة الإيرانية بإلغاء أو تعديل قرار الزيادة في أسعار الوقود، الذي حظي بدعم من المرشد الإيراني الأعلى

وبحسب موقع BBC الإلكتروني، اعتبر مراقبون أن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة، عبر عقوبات قاسية تستهدف الاقتصاد الإيراني، قد تكون أسهمت في تأزيم الوضع داخل إيران، مشيرين إلى أنه على الرغم من احتياطات إيران الضخمة من الطاقة، فإنها تواجه صعوبات منذ سنوات، في تلبية الطلب المحلي على الوقود بسبب نقص السعة التكريرية، الناجم بدوره عن عدم توافر قطع الغيار اللازمة، لصيانة معامل التكرير بفعل العقوبات الاقتصادية.